انطلقت عمليات تحرير مدينة الفلوجة قبل أكثر من عشرة أيام ، وبوقت قياسي وصلت قطعات تلك العمليات العسكرية إلى مشارف هذه المدينة ، محررة في طريقها الكثير من القرى والنواحي والأقضية التي تقع في محيطها ، مسيرتها تميزت بسرعة كبيرة إلا أنه وفي هذه الأيام يلاحظ إن هناك أمراً ما يعيق أو يمنع أو يؤجل تقدم تلك القوات جاعلا منها مترددة باقتحام مركز هذه المدينة وإنهاء ملف الإرهاب فيها، الأخبار والتقارير آخذت تتصاعد لتؤكد هذا الأمر، تبريرات هذا التوقف عللته بعض الدوائر والشخصيات المعنية بدواعي الحفاظ على أرواح المدنيين الموجودين بداخل هذه المدينة لكن هذا التبرير لم يكن مقنعاً للكثير من الأوساط لان الخطط العسكرية تم وضعها قبل الشروع بالعمليات العسكرية على أسس إن ساحة المعركة مليئة بالمدنيين .
كــمراقبين علينا التوقف عند أكثر من احتمال نقرأه كـسبب وتفسير لتوقف هذه العمليات في اقتحام المدينة وبعيدا عن ما يسوق للرأي العام، من هذه الاحتمالات والأسباب هي :-
1- بعض التقارير والتسريبات تشير إلى تحصن حولي (4000) مقاتل اغلبهم أجانب من تنظيم داعش في مركز هذه المدينة وجلهم من السعوديين والقوقازيين فمن المحتمل ان السعودية ومن خلال ضغطها على الولايات المتحدة تحاول أخراج هؤلاء إلى مناطق أخرى سواء داخل العراق أم خارجه وذلك للحيلولة دون إبادتهم وانتهاء أمرهم ، فهم من دون شك كلفوا داعميهم من دول وغيرها الكثير من المشقة الاقتصادية والأمنية والسياسية حتى تم تجنيدهم وإيصالهم إلي هذه المدينة ، يعزز هذا الاحتمال هو الإعلام السعودي والخليجي المستنفر ليل نهار في تغطيته لعملية تحرير الفلوجة وكذلك الاستنفار السياسي لهذه الدول حول هذه المعركة .
2- التعاطي الإعلامي في العراق مع معركة التحرير هذه منذ البداية لم يكن موفقا وخاصة الإعلام الشيعي ( القنوات الفضائية ، وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ، الصحف ) اذ عده الكثير من المختصين انه من حيث لا يعلم عوض عن تنظيم داعش الكثير من الجهد الإعلامي الذي يتطلبه في التعامل مع الهجوم عليه في أهم مدينة عراقية يتحصن فيها منذ أكثر من عامين ، الإعلام الشيعي قام بعرض تلك الأسلحة الثقيلة واستنفارها وهي تطلق الصواريخ والقذائف على الفلوجة وفي ذات الوقت هذا الإعلام يعترف بوجود مدنيين بالمدينة ، داعش والقوى العالمية والإقليمية الداعمة له قامت بتوظيف ما ينشره هذا الإعلام لصالحهم وحولوا المعركة من معركة ضد مجاميع إرهابية إلى معركة ضد المدنيين العزل ، نعم كان القصد من هذا الإعلام هو الدفع والتحشيد المعنوي للمقاتلين الذين يقاتلون داعش وللرأي العام من اجل دعم المعركة ضد هذا التنظيم وهذا غير مختلف عليه لكن لو كانت التغطية الإعلامية بصورة مدروسة ومقتصرة على إظهار فقط جرائم وحقائق داعش فقط لما كان الأمر يستثمر من قبل داع ومن يقف خلفها بهذه السهولة .
3- تزامن مع انطلاق عمليات تحرير الفلوجة عمليات أخرى في سوريا وهي تحرير مدينة الرقة المسيطر عليها من قبل تنظيم داعش تحرير الرقة تقوده كل من قوات سوريا الديمقراطية الكردية والولايات المتحدة الأمريكية ، مسيرة التحرير لمدينة الرقة إلى ألان أي نتائج ميدانية كبيرة على الأرض لم تحقق بينما جبهة الفلوجة انتهت القوات العراقية والقوات الشعبية الأخرى المساندة لها الكثير النتائج وما تبقي منها إلا الدخول إلى مركز المدينة المحاصر وبالتالي تحرير الفلوجة بهذه السرعة سوف يعطي ميزة إعلامية وحضور سياسي دولي وإقليمي لعملية عسكرية ضد داعش في العراق من تخطيط وإدارة وقيادة عراقية وهذا ما يقلق الولايات المتحدة التي لا تريد هزيمة سريعة لداعش ، أيضا تحرير الفلوجة بسرعة كبيرة وبقوات عراقية سوف يخجل ويشوه سمعة القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية لأنها تعرضت لأكثر من انتكاسه في هذه المدينة في فترة وجودها في العراق قبل عام 2014 م .
4- احتمال يعطي دوافع او أسباب سياسية عراقية لعمليات التوقف هذه ،هناك من يتحدث عن إن إطالة أمد المعركة في الفلوجة يصب في مصلحة القوى السياسية المتأثرة او المستهدفة من الحراك الجماهيري الموجه ضدها والمطالب بالإصلاح للعملية السياسية خصوصا وان هذه العمليات العسكرية عند انطلاقها أجلت تلك المطالب الجماهيرية في هذا الجانب وأخذت بها إلى التحشيد في دعم المعركة مع تنظيم داعش في الفلوجة ، وبالتالي انقضاء عملية تحرير المفلوجة بسرعة كبيرة يعني عودت الجماهير إلى مطلبها الذي كان سيد الموقف قبل فتح جبهة تحرير المفلوجة.
• تداعيات توقف عمليات اقتحام مركز المفلوجة
من الناحية العسكرية اي توقف او إبطاء لعملية عسكرية في ساحة المعركة خاصة إذا كانت من طرف واحد تعد ميزة وفرصة كبيرة للطرف الأخر في أعادة ترتيب صفوفه من جديد معنويا وتنظيميا ولوجستيا ، وهذا ما يؤشر اليوم ويتخوف الكثير منه من إيقاف او تأجيل للعمليات في الفلوجة يصب في صالح مجاميع داعش المتحصنة فيها ، القوات العراقية المشتركة حتما التوقف ليس الغرض منه التعبئة او التحشيد او أعادت التنظيم أو كما هو معلن لحفظ وحماية المدنين في داخل المدينة، التوقف هنا وكما اشرنا انه لا يخرج من تلك الفرضيات التي ذكرناها ، تداعياته انه يؤدي إلى إحباط وتقليل عزيمة المتقدمين من الجنود والمراتب الأخرى باتجاه مركز المدينة كما أنه يفضي إلى صدامات او خلافات داخل المنظومة العسكرية وكثيرا ما سمعنا اليوم الخميس 2/6/2016 في وسائل الإعلام المختلفة : إن عدد من قادة الحشد الشعبي يطلقون التهديد والوعيد باقتحام مركز المدينة إذا استمرت العمليات تسير ببطء كبير في حسم ملف مركز المدينة . التوقف او البطء في تحريرها أيضا هو مدعاة او باب من أبواب الاستنزاف الاقتصادي في الوقت الذي تعاني منه الدولة العراقية من أزمة اقتصادية وبالتالي أطالة أمد المعركة سوف ينهكها اقتصاديا إما قصرها فانه يخفف عليها كثيرا من هدر الموارد المالية اللازمة لتغطية نفقات المعركة.
ختاما إن من مصلحة الحكومة العراقية العدول عن قرار توقف العمليات العسكرية نحو مركز مدينة الفلوجة لأي سبب كان، فالعدول عنه سوف يؤدي إلى سرعة تحرير المدينة كاملة لان العراقيين جميعهم ينتظرون بحسرة خبر هذا المنجز الكبير، وحسم ملف الفلوجة وإرجاعها إلى حضن الوطن يصب في مصلحة الجميع وخاصة الحكومة العراقية ويعيد إليها قسطا من الثقة التي فقدتها بسبب الانتقادات الشعبية الساخطة عليها نتيجة لمسيرتها المتعثرة اقتصاديا وامنيا وسياسيا.