في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في العاصمة السويسرية " بازل " في 29 31-أغسطس 1897 قال المنظم للمؤتمر والمؤسس والأب الروحي الأول للكيان الصهيوني آنذاك المحامي تيودور هرتزل مقولته المشهورة (سأضرب الإسلام بالإسلام وسيتحقق حلمي هذا بعد ثلاثين عام و سأكون إمبراطورية بني صهيون وستبقى إسرائيل دولة باقية و تتمدد من الفرات إلى النيل) هذه المقولة لهذا الرجل وللأسف كانت ولازالت مركونة على الرفوف وبعيدة عن اهتمامات صانع القرار السياسي العربي والإسلامي ولم تأخذ على محمل الجد الا في تلك النوادي الأدبية الحماسية وفي الرسائل والاطاريح الجامعية من لدن طلبة الدراسات العليا في الجامعات العربية والإسلامية التي تتطرق إليها من اجل حاجات أنية بحثية ، على الجانب المقابل أقيم الكيان الصهيوني وفق تلك الأسس والمخططات التي وضعها هؤلاء الإباء المؤسسون ومنهم تيودور هرتزل والسير في تطبيقها ومنها هذه المقولة التي يعدونها من الركائز الأساسية في قيام دولتهم والأساس في توسعها وتحقيق حلمهم المنشود في السيادة والهيمنة على المنطقة من الفرات إلى النيل إلى جانب عدد من التبريرات التاريخية والدينية التي استدلوا عليها من كتبهم كالتلمود والتوراة بعد ما حرفوا نصوصها لكي تتناسب ومشاريعهم التوسعية والدموية في بلاد العرب والمسلمين . ترافق مع تلك الأفكار والآراء تلاقي المشاريع الاستعمارية مع مساعيهم لذلك حصلوا على حماية وتمويل من بريطانيا العظمى وأمريكا وغيرهما من الدول آنذاك على صيرورة ونجاح ذلك المشروع الصهيوني وبروزه على ارض الواقع ، لذلك يلاحظ بعد مؤتمر بازل جاء وعد بلفور عام 1917م الذي من خلاله أعلن بلفور وزير خارجية بريطانيا إن إسرائيل كدولة لها سيادتها في فلسطين . بعدها انطلقت مخططاتهم على شكل خطوات محسوبة ومدروسة واحدة تلو الأخرى ، أولى تلك الخطوات هي تأسيس الدولة المنشودة على ارض فلسطين وهذا ما حدث عام 1947م ، الخطوة الثانية تأمين حدود هذه الدولة وهذا ما حدث في حرب عام 1967م والتي أسفرت عن سيطرة هذه الدولة على اراضي شاسعة من أراضي الدول المجاورة كـمصر وسوريا ولبنان والأردن ، الخطوة أو المرحلة الثالثة تتمثل في السيطرة على ما تبقى من بلاد الدول العربية وهذه السيطرة تختلف عن سابقاتها وهي ليست بالضرورة سيطرة عسكرية مباشرة وإنما توكل إلى أنظمة وجماعات من داخل هذه الدول وابرز خطواتها كما يتضح من الشطر الأول من تصريح هرتزل:-
- تحطيم مواطن القوى لدى هذه الدول (العربية والإسلامية غير العربية) ومواطن القوى هنا متعددة منها: ضرب الوحدة الوطنية والتعايش السلمي في داخل هذه الدول ، تعكير صفو استقرار وثبات الأنظمة السياسية فيها ، الموارد الاقتصادية الوفيرة يتم تبديدها في الحروب الداخلية ، كذلك تبديد كل محاولات الاندماج السياسي والمجتمعي والاقتصادي بين بلدان هذه الدول .
- العمل على انبعاث وتحريك مواطن الاختلاف الفقهي والعقائدي بين أبناء هذه الدول وذلك من خلال برامج معدة لذلك منها: تغذية المدارس الفقهية المتشددة وتبديد كل الصعوبات إمام نشاطاتها في ساحات هذه الدول مثل المساعدة في توفير المنصات الإعلامية اللازمة وتسهيل تحركاتها في البلاد العربية والغير العربية وفي باقي بلدان العالم.
إما الشطر الثاني من مقولة تيودور هرتزل (إسرائيل دولة باقية وتتمدد من الفرات إلى النيل).
تتطابق رؤية مؤسس الدولة الصهيونية هنا مع رؤية تنظيم داعش وغيره من التنظيمات التكفيرية الأخرى في البلاد العربية والإسلامية التي ظهرت للوجود أخيرا ، فشعار تنظيم داعش هو( دولة الإسلام باقية) وهنا يتضح الاقتباس أو الترجمة للمشروع الصهيوني القديم الجديد في المنطقة ، ولكي يتحقق بقاء وتمدد الدولة الصهيونية وبدون أي مجهود عسكري أو اقتصادي أو غيرها فأن المخطط والمنظر الصهيوني وضع كل القواعد والأدوات الكفيلة بتحقيق بقاء وتمدد دولته وكل ذلك سوق تحت مسوغ مقبول نوعا ما ومبرر في بعث المواطن في البلاد العربية والإسلامية وهو توظيف راية لا اله إلا الله ومحمد رسول الله وبذلك أضحت بلاد العرب وخصوصا سوريا والعراق بلاد تعج بالقتل والتهجير والسبي للنساء من اجل دولة الإسلام الباقية وهي في الحقيقة لأجل دولة الكيان الصهيوني الباقية ومن اجل أن تتمدد وتسود دولة إسرائيل الكبرى وهُنا حقق الصهاينة حلمهم بضرب الإسلام بالإسلام والشروع في كل مخططاتهم الكبرى التي حلموا بها والتي أصبحت تسير في تطبيقها رويداً رويداً إلى الواقع العملي.
- تمدد دولة الكيان الصهيوني إلى سوريا والعراق تمثل جليا بدخول تنظيم داعش للعراق من أعالي الفرات من الموصل ومن ثم صلاح الدين والانبار ومنفذ ربيعه ومنافذ كل من القائم و التنف والوليد وطريبيل فلو حللنا كل ذلك لوجدنا جميع هذه المدن العراقية يمر بها نهر الفرات هذه الوجهة الشرقية للمشروع ، إما الوجهة الغربية له المتمثلة في الاستيلاء على نهر النيل في مصر فأن المشروع أيضا عبدت له مسارات هنالك من اجل تطبيقه لذلك يلاحظ بروز جماعات تكفيرية تحمل أسماء وعناوين متعددة تقوم بأعمال مشابهة لما تقوم به نظيراتها في كل من سوريا والعراق .
وفي العودة إلى مشروع التمدد الصهيوني الغير مباشر باتجاه الفرات فأن الخطوات الاستراتيجية التي وضعها المخطط والمنظر الصهيوني في اغلبها تحققت إلا انه يعاني من ترتيبات لوجستية في ضم هذا المناطق إلى دولته وهي المرحلة الأخيرة. أولى هذه الترتيبات هي ضآلة توفر الكم البشري اليهودي المدني أو العسكري في مسك هذه الأراضي الشاسعة التي تفوق مساحة دولة إسرائيل الحالية بمئات المرات، فقضية مسك الأرض هي قضية حيوية لكل قوى تريد إن تسيطر على منطقة أو مدينة أو بلاد معينة. قضية لوجستية أخرى تتمثل في ما تبقى من شعوب تسكن هذه المناطق، لذلك يلاحظ إن من متبنيات مشروع تنظيم داعش هو التهجير وإفراغ الأرض من أهلها وهذا ما رسخ أيضا فكرة إن المشروع التكفيري لتنظيم داعش هو مشروع صهيوني ، ومن اجل تخفيف الهاجس اللوجستي الصهيوني في مشكل الشعوب التي تسكن من الفرات والى كيانهم الغاصب في فلسطين وخاصة السوريين والعراقيين ومن اجل تبيض الأرض التي يقطنوها تم تهجيرهم في المرحلة الأولى داخل أوطانهم وفي البلدان والأقاليم المجاورة هذا أيضا لم يقوم به الكيان الصهيوني بل أوكل إلى التنظيمات التكفيرية ، المرحلة الثانية استطاعت المؤسسات واللوبيات الصهيونية في أوربا وغيرها ومن خلف الستار وفي الخفاء في أقناع أنظمة تلك الدول في فتح حدودها لتلك الملايين من السوريين والعراقيين وهذا ما حدث حيث شهدت مياه البحر المتوسط موجات هجرة لم يشهد لها التأريخ من قبل في العصر الحديث ، في الوقت ذاته المواطن العربي المهاجر إلى تلك الدول كان يتصور إن ملائكة الرحمة قد هيئت له تلك القوارب التي نجا بها إلى تلك الأوطان إلا إن الحقيقة لم يكن لملائكة الرحمة دور في ذلك بل هو مشروع ومخطط صهيوني من اجل السيطرة على البلاد العربية وتحقيق حلم إسرائيل في السيادة من الفرات إلى النيل .
المصادر .
.( للمزيد انظر كتاب تيودور هرتزل ، (الدولة اليهود 1-
2- للمزيد انظر نص وعد بلفور .
3- وين مادسن ، "مخطط إسرائيل التوسعي الاستيطاني في العراق"،تقرير نشر بتاريخ 1/2/2010.
4- اللواء محمد شاهر عبد الله ، فيلق الردع العربي المجحفل قلب القوة العربية المعاصرة،العدو الرئيسي للامه العربية.