إعدام الشيخ النمر والمواجهة الطائفية في الشرق الاوسط

أحداث متسارعة على مختلف الأصعدة يعيشها العالم عموما ودول المنطقة العربية والإسلامية خصوصا متمثلة في دوامة العنف التي لم يعهدها تأريخ المنطقة منذ فترة طويلة. في ظل هذا الحال أقدمت السلطات السعودية على إعدام عالم الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر، في الوقت الذي يعول الكثير على العام 2016 بحلول وبزوغ بريق أمل وانفراج لتلك الصراعات التي أنهكت اقتصاديات تلك الدول، وتسببت في هلاك مئات الآلاف من الأبرياء، وتدمير بنية تحتية أنفقت عليها بحار من براميل النفط الأسود ، الإعدام في مطلع هذا العام استوقف الجميع في مفاجئته، وعكر وإربك الوضع السياسي والدبلوماسي والأمني في المنطقة كثيرا، وبدد تلك الآمال التي عول عليها الجميع في بدء العد تنازلي في التهدئة السياسية والأمنية والاجتماعية، أصداء وتبعات هذا الحدث تجاوزت في أثارها وقع إعدام مواطن يحمل الجنسية لبلد معين وهي السعودية بتهم دعم وتحريض الناس على العنف ومحاولة قلب نظام الحكم والخروج على الحاكم الشرعي في هذا البلد، كما سوق له النظام السعودي والإعلام المرتبط به في المنطقة والعالم وحسب، وإنما جاءت الأصداء تعكس إن الرجل يتجاوز وضعه ومكانته وضع المواطن العادي وذلك لما يمثله من رمزية دينية وروحية لعدد كبير من الناس تتجاوز الملايين من المسلمين في بلدان مختلفة من العالم ، فهو تنطبق عليه مبادئ القانون الدولي ومبدأ العلاقات الدولية، التي تعد أشخاص بهذا المستوى من الشخصيات الحيوية والأساسية في التأثير في العلاقات والتعامل الدولي وهذا ما يذهب إليه الفقهاء في القانون الدولي في هذا الجانب " ان الفرد هو شخص القانون الدولي العام الوحيد وان القانون بقواعده لا يخاطب الا من يمتلك الإدراك والإرادة لذلك تخاطبه قواعده سواء كان من الحكام أم المحكومين إذا ما تعلق الامر بمصالحهم الخاصة "، أيضا ما يدل على دولية وعالمية رجل الدين الشيخ النمر هو ردود الأفعال الكبيرة على إعدامه في أكثر من مكان في العالم، ولم تكن ردود الأفعال بتلك الشعبية فقط، بل شملت أفاق وتبعات متعددة، حتى وصلت إلى مرحلة القطيعة في العلاقات الدبلوماسية، كما حدث بين إيران من جهة والسعودية والبحرين والسودان وجيبوتي وغيرها من الدول من جهة أخرى. إذن إعدام الشيخ النمر وفي ظل الظروف الراهنة التي تعيشها دول المنطقة ودول العالم شكل مرحلة وخطوة من التخبط والهستريا السياسية من قبل صانع القرار السعودي؛ والسبب في ذلك إن ذلك النظام ليس لديه تلك القراءات الاستراتيجية للحجم الذي يمثله والدور الذي يمكن أن يقوم به ويتوقف عنده في التعامل والإدارة للملفات الداخلية والخارجية ، فهو وقع شأنه شأن كثير من صناع القرار في دول المنطقة في ذلك الإرباك والتهور الناتج من عدم فهم الالتزام بالخطوط الحمراء التي لا يسمح بتجاوزها لهم وهي من نصيب اللاعبين الكبار في السياسة العالمية، النظام هنا أقحم في المشاركة الفاعلة في فتح الأزمة السورية في بداية العام 2011 وكذلك في فتح الجبهة اليمنية في العام 2014 إلا انه لم يدرك إن مفاتيح حل تلك الأزمات وحسمها وتسويتها هي ليست وفق ما يتمناه ويسعى إليه ، هنا يبدوا إن النظام السعودي أحس أخيرا بمرارة هذه الوقائع التي لم يتعلمها بعد، فما ان وضع دوره على الرفوف بدخول لاعبين كبار في الأزمة السورية، واستحالة تحقيق أي من أهداف حملته العسكرية على اليمن، حتى اخذ يتخبط بخطوات ومبادرات عسكرية ودبلوماسية غير مقنعة في التطبيق العملي على الأرض وغير محكمة التخطيط والدراسة، مثل إعلانه عن تشكل تحالف إسلامي من أكثر من 30 دولة وتحت مسوغ محاربة الإرهاب في المنطقة، في الوقت الذي تشهد المنطقة أكثر من تحالف وعلى أكثر من جبهة لمحاربة الإرهاب وبالنتيجة اتضح إن إعلان تشكيل التحالف لم يكن إلا جعجعة إعلامية ، أيضا إقدامه على عقد مؤتمر للمعارضة السورية في السعودية إلا انه في النهاية تبين إن المؤتمر لم يحضره إلا نفر قليل من قوى وأشخاص هامشيين في التمثيل الحقيقي للمعارضة ، أيضا النظام السعودي يعاني من حالة تأزم في حلقات القيادة التي تدير دفة الحكم فيه وقلق من الوضع الأمني الداخلي داخل المملكة، علاوة على ذلك حلقات القيادة في العائلة المالكة تعاني من تباين في الرؤى والاستحقاقات في شغل المواقع القيادية العليا والوسطى داخلها، والتخوف من الانقلاب العكسي والتحول في وجهة الجماعات الإرهابية التي تقاتل في سوريا والعراق ألى المملكة وباقي دول الخليج الأخرى نتيجة تلاشي وانحسار مساحات الإرهاب في كل من العراق وسوريا. وفق هذه المعطيات التي يعاني منها النظام السعودي جاء بخطوة أخرى ذات انعكاسات داخلية وخارجية إلا وهي إعدام الشيخ نمر باقر النمر ، إعدام الشيخ النمر معلوم العواقب إلا إن النظام أراد من خلال هذه الخطوة ومرة أخرى كسب الأصداء في الداخل والخارج ، وأيضا تأكيد قدرته على التحكم والتلاعب في بوصلة الأزمات الساخنة في المنطقة ، مرة أخرى التحليلات والقراءات للخطوة السعودية بإعدام رجل الدين باقر النمر ترى إن هناك مسعى سعودي تحت غطاء الوتر الطائفي لخلق تخندق عدد من الحلفاء الإقليميين إلى جانبها في المنطقة لكي تستطيع مجاراة اللاعبين الأبرز في المنطقة مثل إيران وتركيا وبالتالي تستطيع من خلال هذا التخندق المساومة والدخول في تقاسم مناطق النفوذ والسيادة الإقليمية على بعض المناطق ، فهي في مسعاها هذا لم يسعفها إلا طريق واحد وهو طريق الورقة الطائفية واستخدامها من اجل كسب عدد من الأصدقاء والحلفاء ،هنا النظام السعودي يبحث عن التعويض عن الخسائر التي مني بها في دعمه للقوى التي تقاتل النظام السوري من اجل إسقاطه ولم تفلح في ذلك وكذلك وعوده بإعادة الشرعية للرئيس اليمني عبد به منصور هادي خلال أسبوعين من بدأ تدخله العسكري في اليمن وفشله أيضا في ذلك . وفي النهاية يبقى الجدل السياسي والدبلوماسي اليوم دائرا في أروقة المؤسسات الدولية والرأي العام العالمي والإقليمي حول من بدأ وتسبب في التصعيد المحموم ذي الإبعاد الطائفية في المنطقة ، بعض يعد اعدام النظام السعودي رجل الدين الشيخ النمر خطوة نحو التمرد ومن اجل تصعيد طائفي أكثر في المنطقة ، إما البعض الأخر فيرى إن الإيرانيين هم السبب في التصعيد نتيجة لردة الفعل التي أقدموا عليها بعد الإعدام وذلك باعتدائهم على السفارة السعودية في طهران والملحقية في مشهد والأيام القادمة كفيلة بترسب نتائج أزمة إعدام رجل الدين نمر باقر النمر على الصعيد المحلي داخل السعودية وكذلك على الصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط.
التعليقات