يتوقع ان يزداد الجدل بشأن الية تشكيل وتكوين الحرس الوطني المزمع اقراره في قانون تتوافق عليه مختلف الكتل السياسية مع دخول روسيا على خط المواجهة وشعور بعض الاطراف السياسية بالتهديد والتهميش في سياق التحالف الرباعي الجديد (روسيا وايران وسوريا والعراق). ورغم أشهر من الجدل حول العديد من بنود مسودة قانون الحرس الوطني الا ان الجانب المالي والمتعلق بتمويل هذا الكيان قد غُيب بشكل كامل ومقصود عن المشهد الاعلامي في البلد. وتنص بنود هذا المشروع على استحداث درجات وظيفية عليا ورتب عسكرية رفيعة وهيكل متكامل من الحلقات الادارية الساندة وجيش من المنتسبين وعقود مالية ضخمة لتجهيز وتسليح هذا الكيان العسكري، فضلا على العديد من الموارد المالية اللازمة لتهيئة البنية التحتية من ابنية ومركبات واجهزة عسكرية متطورة واثاث وملابس ووقود ونثريات وما الى ذلك. واذا ما قدرت هذه التكاليف بنصف موازنة وزارة الدفاع على الاقل، فان اقرار هذا القانون بحاجة الى قرابة 4 ترليون دينار عراقي. ويصعب تامين هذا المبلغ في ضوء عجز يقارب 25 ترليون دينار لم تتمكن الحكومة لحد الان من ايجاد منافذ تمويل له.
انهيار أسعار النفط عالميا يهدد أمن العراق ويضع حكومته في موقف حرج ازاء التدهور الاقتصادي والامني. وقد انعكس هبوط اسعار النفط منذ نهايات العام الماضي بشكل واضح على الموازنة العامة للدولة ومن ثم على مختلف القطاعات الاقتصادية والحكومية في البلد، ومن المتوقع ان لا يختلف المشهد المالي للعراق في موازنة 2016 كثيرا نظرا لعدم تحسن اسعار النفط العالمية واستمرار العمليات العسكرية ضد داعش. وقد افصح تقرير صادر عن منظمة البلدان المصدرة للنفط اوبك عُد مؤخرا بان اسعار النفط لن تتعافى قبل العام 2020 لتصل الى 80 دولار للبرميل في افضل الاحوال نظرا لانحسار النمو الاقتصادي في مختلف بلدان العالم مع زيادة مستمرة في انتاج النفط من داخل وخارج اوبك وعودة مرتقبة لتدفق النفط الايراني والليبي من جديد. هذا يعني بان العراق سيعيش سنوات عدة من التقشف والركود الاقتصادي نظرا لارتباط معظم القطاعات الاقتصادية بالمورد النفطي عبر النفقات الحكومية، مع التأكيد على فقدان خمس الانتاج النفطي في البلد بسبب الخلافات المزمنة مع الاقليم، وقيام الاخير بتهريب نفط كردستان وكركوك بشكل غير رسمي منذ سنوات.
ان انحسار الايرادات النفطية لن ينعكس في خفض النفقات الحكومية وتدهور معظم القطاعات الاقتصادية المرتبطة بها فحسب وانما سيتسلل ايضا الى كافة المستويات المعاشية للجهور عبر انهيار متوقع لقيمة الدينار العراقي المتعكز منذ سنوات على احتياطي النقد الاجنبي لدى البنك المركزي والمتراكم منذ سنوات نتيجة الفورة النفطية السابقة، اذا يبيع البنك المركزي شهريا اكثر من 5 مليار دولار لتغطية الطلب المحلي (تهريب الدولار بغطاء الاستيرادات في احيان كثيرة) مما يعنى صمود الاحتياطي المتبقي (نحو 50 مليار دولار) حتى منتصف العام المقبل. خصوصا مع توجيه كافة الدولارات النفطية المتحصل عليها من بيع النفط العراقي نحو تغطية مشتريات الحكومة الخارجية وعقود التسليح وتسديد مستحقات الشركات النفطية العاملة في البلد.
هذه الظروف انعكست بشكل جلي في مشروع موازنة العام 2016 حيث بلغت النفقات فيها قرابة 106 ترليون دينار مقابل ايرادات متوقعة تصل الى 83 ترليون دينار مما يرشح وصول حجم العجز المالي الى قرابة 23 ترليون دينار. وقد بينت وزارة المالية نية الحكومة الى الاقتراض الداخلي والخارجي لسد العجز الحكومي في ظل اعتماد سعر 45 دولار للبرميل. ومن المتوقع ان تؤثر شحة الموارد المالية على قدرة العراق في التصدي لداعش وتمويل النفقات العسكرية خصوصا مع ارتفاع حجم موازنة وزارة الدفاع لوحدها الى قرابة 8% من الموازنة الاجمالية للبلد، ناهيك عن تكاليف عقود التسليح وملفات النازحين واعمار المدن المحررة من سيطرة داعش.
من الناحية الاقتصادية والمالية لن يتمكن العراق، في الوقت الراهن، من تحمل نفقات انشاء جيش جديد في سياق التحدي المزدوج الذي يواجه البلد في الوقت الحاضر فثورة الاصلاحات وضغط النفقات وتوفير الخدمات وفرص العمل من جهة والتدهور المستمر لأسعار النفط من جهة اخرى، كلها معوقات تزيد من قتامة المستقبل الاقتصادي والمالي للأعوام القادمة خصوصا مع اقدام العراق على الاقتراض الخارجي، وبفوائد عالية، والانزلاق في فخ المديونية من جديد مما يجعل موازنة البلد للسنوات القادمة مكرسة لخدمة فوائد واقساط الدين العام على حساب التنمية والاستقرار الاقتصادي.