لماذا باراك اوباما لم يحرك ساكناً في سوريا؟

شارك الموضوع :

يواجه الرئيس الأمريكي باراك اوباما انتقادات شديدة توجه إليه من أقطاب كثيرة داخل الإدارة الأمريكية ومن حلفاء الولايات المتحدة في العالم حول الموقف من الأزمة السورية وتطوراتها المتمثلة في التدخل الروسي فيها، تصف تلك الانتقادات موقفة بالمتردد والغير مبالي والمتخبط والمتراجع والخ ...... أخذت هذه الانتقادات في الازدياد بعد التدخل العسكري الروسي المباشر لصالح النظام والجيش السوري . من داخل الإدارة الأمريكية نجد إن السيناتور "جون ماكين" ينتقد اوباما بكلام في غاية الأهمية إذا يقول "هذه الإدارة أثارت الحيرة بين أصدقائنا، وشجعت أعداءنا، وخلطت ما بين الإسراف في الاحتراس والحذر، واستبدلت المجازفة بالتحرك بمخاطر عدم التحرك وهنا يدعو ماكين اوباما على الاستيقاظ والعمل على مواجهة الإحداث في سوريا وإعادة تأكيد الزعامة الأمريكية ويضيف ماكين يجب إن يفهم الرئيس الروسي ويصفه إياه بـ (الدكتاتور) بالاستراتيجية الأمريكية الثابتة والصلبة وهنا موقف ماكين يبرز للسطح بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في أزمة سوريا ،إما المتحدث باسم قيادة المهمات المشتركة الأمريكية الجنرال "ستيف وارين"، يقول إن ساحة المعركة في سوريا لا تستطيع الإدارة الأمريكية حماية الجميع فيها من كل شيء ، ويشير هنا إلى استهداف روسيا لقوات العارضة التي دربتها ودعمتها إدارة اوباما، إما مستشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر 1977 – 1981 البروفسور زيفبنيو بريجنسكي في تعليق له في " الفايننشيال تايمز"، يدعو فيه الإدارة الأمريكية الى استخدام «الحزم الاستراتيجي» في مواجهة روسيا، والتشديد على البُعد العسكري في تطبيق ذلك ، لأنّ الضربات العسكرية الروسية في سوريا هي في أفضل الأحوال، تعبير عن "انعدام الكفاءة العسكرية الروسية"، وفي أسوأها "رغبة خطيرة في تظهير العجز السياسي الأمريكي" ، مما تضع على المحك مصداقية الولايات المتحدة، خاصة عندما تقصف موسكو مسلحي المعارضة السورية الذين درّبتهم واشنطن. ورغم أنه لا يشرح الوسيلة الممكنة، أو حتى المناسبة؛ فإنّ بريجنسكي يدعو البيت الأبيض إلى أن يطالب روسيا، رسمياً وعلانية، بأن توقف تحركاتها في سوريا، "بلا شروط" خاصة وأنّ الطائرات الروسية في سوريا «غير حصينة، ومعزولة جغرافياً عن وطنها»، ويمكن «تجريدها» بالقوّة إذا لم يرضخ الروس للمطالب الأمريكية من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصل الخلاف بينه وبين اوباما على أزمة سوريا إلى أعلى المستويات، ففي السابع من كانون الثاني/يناير عبر أردوغان عن استيائه من الحرب الجوية المحدودة التي تشنها واشنطن على داعش بقولة : "إذا فعلتم شيئاً فافعلوه بشكل صحيح. وإذا كنتم تنوون القيام به معنا، فعليكم أن تقدّروا قيمة ما نقوله لكم ، إما السعوديين فهم أيضا طالبوا أوباما بفرض منطقة حظر الطيران على شمال سوريا، فضلا عن الجنوب لتغطية الحدود التركية وقبل الضربات الجوية الروسية بأيام طالبت الرياض إغلاق معظم المجال الجوي السوري كشرط لتعاونها مع اوباما في الشروع بالحل السياسي في سوريا، إما الانتقادات من المعارضة السورية لإدارة اوباما بينها كمال البواني عضو الائتلاف السوري المعارض الذي عبر عن رفض ائتلافه لدعوة البيت الأبيض للمعارضة للذهاب إلى جنيف 3 دون شروط مسبقة ، حيث اشترط إن تقوم الأخيرة بتزويد المعارضة بالأسلحة والمعدات اللازمة لأحداث توازن على الجبهات مع النظام السوري قبل الشروع بأي مفاوضات تنتج عنها مرحلة انتقالية سياسية في سوريا ،إدارة اوباما رفضت شرط الائتلاف هذا معلله ذلك بخوفها من وقوع تلك الأسلحة بيد تنظيم داعش وجبهة النصرة كما في السابق حيث دربت الأخيرة عدة ألوية من الجيش الحر لكن في النهاية استولت تلك التنظيمات على معظم تجهيزاتهم المقدمة من الإدارة الأمريكي. بينما عدم مبالاة باراك اوباما بالروس في الأزمة السورية يمكن قراءته من أخر اجتماع لأوباما وبوتين في نيويورك ،فمعظم نقاط الاختلاف كانت على الدور الذي سيلعبه بشار الأسد في حل الصراع الداخلي هناك، بوتين يرى الرئيس الأسد حصنًا ضد المتطرفين بينما اوباما يراه استمرارًا لتأجيج نيران الصراع الطائفي ويرفض أي حل سياسي يتضمن بقاء الأسد في العملية السياسية السورية ولكنه لا تريد الإطاحة به عن طريق العمل العسكري ، فيما بوتين يعتبر بقاء الأسد على رأس البلاد أفضل ضمان لعدم صعود المتطرفين إلى سدة الحكم. من كل ما تقدم لابد من الوقوف عند أهم الأسس والاستراتيجيات التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما في التعامل مع إدارته والحلفاء وحتى الأعداء في العالم وخصوصا بما يحدث من تطورات في الأزمة السورية وما طرأ عليها أخيرا من تدخل عسكري روسي لصالح النظام وقواته، الاستراتيجيات أهمها :- 1- هنالك مبدأ نابليوني شهير يقول "إذا رأيت عدوك يدمر نفسه، فلا تقاطعه"، موقف اوباما وإدارته يمكن قرأته وتحليله وفق هذا المبدأ ، موقف اوباما يمتاز بالهدوء في التعامل مع أزمة سوريا وتركه لمن هب ودب من الدول إن يتدخل في أزمة سوريا خصوصا ، اوباما يسير وفق هذا المبدأ، لذى نجد حتى المعلق الأمريكي الشهير توماس فريدمان في صحيفة النيو يورك تايمز بعد التدخل الروسي في سوريا يخاطب اوباما بقوله "برافو أوباما "، ابق بعيداً ، دعهم يتورطون"، أما مدير موظفي البيت الأبيض يقول إن الوضع في سوريا مثالي بالنسبة لنا، حيث يحرق الأشرار بعضهم بعضاً، وهنا فعلا يعيش اليوم جميع الإطراف داخل سوريا وخارجها حالة الدمار والتي تختلف من طرف إلى أخر حسب حجم تدخله ومشاركته في أحداث هذا البلد ، فالجميع دمروا أنفسهم اقتصاديا وعسكريا وبشريا وسياسيا وحتى تاريخيا . 2-مبدأ القيادة من الخلف: عند تفكيك الاستراتيجية الأمريكية ودراستها واخذ الجانب العملي الذي تسير عليه إدارة اوباما في الوقت الحاضر نجد إن الأخيرة تطبق هذا المبدأ ، فهو مبدأ يشير إلى تحول استراتيجي عميق في الاستراتيجية العسكرية والخارجية والقومية الأمريكية في التعامل مع أزمات العالم ومنها أزمة سوريا، الإدارة السابقة وخصوصا إدارة بوش الابن كانت تسير في استراتيجية مغايرة لهذه، فهي ورطت الولايات المتحدة الأمريكية بصورة مباشرة في الدخول بحروب وتدخلات دولية لم تستطيع إنهائها إلى اليوم كـ حرب أفغانستان وحرب العراق ، إدارة اوباما تطبق اليوم وحسب الوقائع عكس ما كانت تسير عليه الإدارة الأمريكية السابقة ، فهي اليوم تدفع وسبق وان دفعت كل الإطراف الإقليمية والعالمية إلى الدخول في الصراع الدائر في سوريا وبذلك فهي استطاعت استنزاف قدرات جميع تلك الإطراف هناك ويبدو إن تغاضيها عن تدخل روسيا الأخير يسير وفق هذه الاستراتيجية. هذه الاستراتيجيات وغيرها للإدارة الأمريكية الحالية ولرئيسها باراك اوباما تكشف ان هناك توجه سياسي استراتيجي تبلور واخذ في الازدياد لدى أمريكا في عدم الاستعداد للتورط مباشرة في أي نزاع في العالم وفي الشرق الأوسط بصورة مباشرة، هذا الرأي ذهب إليه أيضا هنري كيسنجر في أكثر من مقال له في الصحف الأمريكية. ففي إحدى مقالاته يدعو الإدارة الأمريكية إلى احترام معاهدة "وستفاليا" المبرمة عام 1648م التي تنص على احترام سيادة الدول. ومن مصاديق الابتعاد عن التدخل الأمريكي المباشر نلاحظ أنه حتى الغارات الجوية الأمريكية على تنظيم "القاعدة" في اليمن وباكستان والصومال وغيرها من الدول تتم عن طريق طائرات بدون طيار، تجنباً لإزهاق أرواح الطيارين والسؤال هنا هو هل خسر الأمريكيون جندياً واحداً في ليبيا؟ الجواب تدخل الأمريكيون في ليبيا لكن تدخلهم كان من الخلف وتدخلوا في سوريا وهل خسروا شيء من الأرواح أو الأموال الجواب لم يخسروا شيء. تذهب بعض القراءة للاستراتيجيات الأميركية العالمية الحديثة: إن الأخيرة تعيش السياسة الأوبامية الجديدة التي جاءت لإعادة التوازن للاقتصاد الأمريكي الذي أنهكته الحروب، وبالتالي فالإدارة الأمريكية الحالية لا تريد الغوص في مغامرات جديدة مكلفة طالما أنها قادرة على تحقيق المطلوب بـ"القوة الناعمة"، فهي جردت سوريا من السلاح الكيماوي الاستراتيجي وهو ما لم تستطع تحقيقه كل حروب المنطقة، وهي ساعية لما بعد الكيماوي، ومنها التفاوض مع إيران حول مشروعها النووي، دون أن تخسر دولاراً أو جندياً واحداً. قارنوا المبالغ التي أنفقتها أمريكا على مغامراتها في العراق وأفغانستان، وهي تريليونات الدولارات، مع ما أنفقته على الوضعين السوري والإيراني.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية