بغداد تحرج اربيل في تصدير نفط الشمال، ومنافسة كردية في السيطرة على الغاز

يشكل موضوع تصدير النفط أحد أبرز القضايا الخلافية بين بغداد واربيل. كانت بداية الأزمة بين بغداد وأربيل قد بدأت عام 2014 حين سمحت تركيا لإقليم كردستان بتصدير النفط بشكل مستقل عن وزارة النفط الاتحادية، حيث تم ربط خط الأنابيب الكردي بخط أنابيب النفط العراقي-التركي، قبل أن يقضي حكم غرفة التجارة الدولية بباريس لصالح العراق وإدانة تركيا في استخدام الخط داخل الأراضي التركية من دون موافقة الحكومة العراقية. ولازالت المفاوضات بين بغداد واربيل متعثرة حول استئناف تصدير نفط إقليم كردستان إلى تركيا، الذي توقف في آذار 2023 بعد ان الاقليم كان يصدر قرابة 400 ألف برميل يوميا، واربيل تعتمد بشكل كبير في ايراداتها المالية على تصدير نفط الاقليم عبر ميناء جيهان التركي.

بحلول نهاية شهر نيسان الجاري، ستضخ بغداد ما يقارب من 350 ألف برميل يوميا عبر خط الانابيب خط الانابيب العراقي التركي، الذي يمتد من حقول كركوك في منطقة "كيواي" وصولا الى محافظة نينوى، ومن ثم منطقة فيشخابور على الحدود العراقية التركية وبطول 345 كيلومترا، وهو جزء من الخط الإستراتيجي والذي شرع العراق بإنشاءه عام 1977 وباستطاعته نقل نحو 600 ألف برميل نفط يوميا. وهذا الخط سبق وان تعرض للتخريب، وجرت اعادة تأهيله خلال الاشهر الماضية وبدأت عمليات الضخ التجريبي قبل اسبوعين بحسب تقرير للجزيرة نت. وبذلك يكون للحكومة الاتحادية خط انابيب لتصدير النفط عبر تركيا بشكل مستقل عن خط أنبوب إقليم كردستان، الذي يبدأ من منطقة "خورملا" في كركوك ويمر عبر أراضي اقليم كردستان الى منطقة فيشخابور.

العراق سيصدر بداية التشغيل قرابة 350 ألف برميل يوميا، اذ أن بغداد باتت ملزمة بتصدير النفط عبر هذا الخط وفقا للاتفاق العراقي التركي، وبخلاف ذلك سيتحمل العراق تكاليف ورسوم عدم الاستخدام للخط العراقي التركي وفق الاتفاق الثنائي. وهذا الخط سيوفر للعراق المزيد من الاموال عبر انخفاض كلفة نقل النفط الى ميناء جيهان التركي من (26 دولار) للبرميل وهي رسوم تفرضها الشركات النفطية العاملة في الاقليم، الى اقل من (7 دولار) للبرميل الواحد. وبالتالي سيكون الخط العراقي التركي أكثر جدوى من الخط الكردي، وهو ما جعل موقف الشركات النفطية في الإقليم صعب للغاية. اذ سبق وان طلبت الحكومة الاتحادية من تلك الشركات تعديل العقود بما يتوافق مع القوانين الاتحادية والدستور العراقي. 

هذا التطور في تصدير النفط عبر الخط العراقي التركي، سيفتح قنواتا اوسع للمفاوضات بين اربيل وبغداد حول استئناف تصدير النفط عبر خط الانابيب الكردي. وان حصل ذلك، فأنه سيخدم الحكومة الاتحادية وسيجعلها قادرة على تصدير النفط عبر ميناء جيهان عبر خطي انابيب، وسيزيد من القدرة التصديرية للعراق، ولاسيما بعد أن قضت المحكمة الاتحادية بسيطرة شركة تسويق النفط العراقية "سومو" على عمليات تصدير النفط في الإقليم.

وتجدر الاشارة الى ان بغداد سبق وان رفضت طلبا من حكومة إقليم كردستان بأن تتكفل بغداد بدفع رسوم مرور النفط من الإقليم الى تركيا وتقدر بـ 6 دولارات للبرميل لشركة النفط الروسية روسنفت التي تمتلك خط الأنابيب الكردي بشكل جزئي. وابلغ مسؤولي وزارة النفط الاتحادية العراقية فريق التفاوض الكردي أنهم يعتبرون الاتفاق بين حكومة إقليم كردستان وشركة روسنفت الروسية غير قانوني وانتهاكا للقوانين العراقية السارية.

تشغيل خط الانابيب العراقي التركي سيدفع اربيل الى المزيد من المرونة في المفاوضات وربما التسليم بقرار المحكمة الاتحادية وحكم غرفة التجارة الدولية بباريس والذي ادان تركيا لاستخدامها الخط داخل الأراضي التركية من دون موافقة الحكومة العراقية. 

لكن تبقى لبغداد واربيل مصالح كبيرة في استئناف تصدير النفط عبر خط الانابيب الكردي كونه سيزيد من القدرة التصديرية للعراق ويحد كثيرا من مخاطر تصدير النفط عبر الخليج العربي اذا ما تطور الصراع الايراني الغربي في مضيق هرمز الى مستويات تهدد الملاحة البحرية في المضيق. 

الاتحاد يريد كسر سيطرة الديمقراطي الكردستاني على الموارد الطبيعية

من المهم الاشارة الى ان الموارد الطبيعية كانت العامل الرئيس لهيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان منذ الحرب الأهلية في التسعينيات من القرن الماضي. " وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسة لتلك الحرب الأهلية بسبب قدرة الديمقراطي الكردستاني على تهريب النفط الى تركيا، وهو مصدر دخل مربح كان الاتحاد الوطني الكردستاني محروم منه، مما منح الحزب الديمقراطي الكردستاني إيرادات ونفوذاً كبيرين. واستمر ذلك في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فيما يتعلق بخط أنابيب النفط التابع لحكومة إقليم كردستان، لكن بافل طالباني من الاتحاد الوطني الكردستاني يبدو جاداً بشأن إيجاد طرق بديلة لمواجهة احتكار الحزب الديمقراطي الكردستاني للموارد الطبيعية. وإذا نجح الاتحاد الوطني الكردستاني في تصدير الغاز بشكل مستقل، فقد يساعد ذلك في إعادة التوازن لبعض القوة التي فقدها مقارنة بالحزب الديمقراطي الكردستاني".

الغاز يتوفر في الاراضي والمناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. ويبدوا ان الاتحاد يريد ان يتمتع بنفس القدرة على السيطرة، ويكون له نصيب من القرار السياسي والاقتصادي في الاقليم مناصفة مع الديمقراطي الكردستاني. ولهذا وافق الاتحاد من جانب واحد على تصدير الغاز الى منشآت الحكومة العراقية في كركوك، واكد وزير النفط الاتحادي ان الوزارة انهت اتفاقية مع شركة الهلال الاماراتية، واكتمل خط أنابيب الغاز الطبيعي من حقل كورمور في جمجمال (المنطقة التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية) الى كركوك، مما يسمح بتجهيز 100 مليون قدم مكعب من الغاز. لكنه أشار الى وجود خلاف بين الشركة وسلطات حكومة إقليم كردستان حول تسليم الغاز. 

اذ يعارض الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه الخطوة، مفضلاً إرسال الغاز عبر أراضيه الى تركيا بدلاً من كركوك. وبحسب ما ورد لموقع المراقب الكردي، منع الاتحاد الوطني الكردستاني الجهود الرامية الى مد خط أنابيب الغاز الى دهوك، خشية أن يؤدي ذلك الى امتداد الى الحدود التركية، الأمر الذي من شأنه أن يمنح الحزب الديمقراطي الكردستاني سلطة كبيرة مماثلة لسيطرته على صادرات النفط، على الرغم من أن موارد الغاز الطبيعي تقع الى حد كبير في مناطق الاتحاد الوطني الكردستاني.

يريد الاتحاد الوطني الكردستاني ان يستغل سعي الحكومة الى توفير الغاز لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية وتقليل الاستيراد من الخارج بالتوازي مع الضغط الأمريكي باتجاه انهاء الاعتماد على الغاز الايراني، حيث صرح رئيس الوزراء العراقي ان الاعتماد على الغاز الإيراني سينتهي بحلول نهاية العام. ونقلا عن موقع المراقب الكردي، قال وزير النفط العراقي ان غاز كورمور سيكون أرخص بنسبة 30٪ للعراق من الغاز الإيراني المستورد. وربما تكون الولايات المتحدة قد أعطت الضوء الأخضر لإرسال الغاز الى كركوك.

سعي الحكومة العراقية لانهاء الاعتماد على الغاز الايراني أصبح ضرورة قصوى ولاسيما مع امكانية عدم منح واشنطن استثناءات اضافية لبغداد لاستيراد الغاز الايراني، بعد اتجاه الولايات المتحدة لفرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية بسبب الهجمات الإيرانية الأخيرة على الكيان الصهيوني، من خلال موافقة الكونغرس على مشروع قرار خاص بالعقوبات. والعقوبات الأميركية ستشمل الموانئ والسفن الناقلة ومصافي التكرير التي تُعالج أو تشحن النفط الإيراني، حسب وكالة بلومبيرغ. ومن المتوقع ان يتم تطبيق العقوبات الجديدة في شهر تشرين الثاني من العام الجاري. وبحلول هذا التاريخ، ستكون الحكومة في مواجهة سياسية مع جهات داخلية تسعى الى الابقاء على استيراد الغاز الايراني.

التعليقات