أزمتي العراق وسوريا : نقاط التشابه والاختلاف

حدث التغيير في العراق عام 2003 وبدأت معه تتفتح كل الأحلام والأمنيات الجميلة لمواطني هذا البلد ، لكن العد التنازلي لهذه الأحلام والأمنيات بدأ بالانحدار مع تنامي الأفكار المتطرفة التي تحملها أشباح بشرية لا تنتمي للإنسانية ومعناها بشيء ، متمسكة بأساليب القتل والخطف وخراب البلاد وقتل العباد، والتحقت سوريا بركب هذه المأساة لتجد نفسها تتشارك مع العراق مواجهة هذه الأفكار الظالمة والمخططات الهدامة لدوائر الكفر والإلحاد الاستعمارية الغربية والماسونية العالمية ، والسؤال المطروح على الطاولة هنا هو ما هي نقاط التشابه والاختلاف بين الأزمتين في العراق وسوريا ؟. 1- طبيعة المنظومة السياسية لكلا البلدين: المنظومة السياسية في العراق يشوبها التناحر وانعدام الانسجام الذي يعكس حداثة التجربة الإدارية والقيادية للأشخاص الفاعلين في هذه المنظومة مما اثر بصورة أو أخرى على تفاقم الأزمات ومنها أزمة الحرب التكفيرية الدائرة حاليا في الموصل وغيرها من المناطق، في سوريا تطفو سمة التماسك والانسجام إضافة إلى الثراء في التخطيط والإدارة ومعالجة الأزمات ومنها الأزمة الأخيرة التي رغم الانشقاقات التي حدثت لهيكلتها في بداية الأزمة إلا إنها استطاعت وبمرور الزمن الوقوف والصمود أمام تعبئة حرب منظمات تكفيرية ، وإعلام دولي، ومواقف إقليمية ودولية تستهدفها . وفيما يخص العقيدة السياسية للمنظومة الحاكمة في العراق فهي متأرجحة بين إسلامية في أدبياتها وانتهازية في وقائعها ووطنية في أهدافها وقومية وعنصرية في ممارساتها وغيرها من التناقضات ، أما في سوريا فتنطلق من أساس وطني ومدني وتعددي نوعا ما وان كان هناك حزبا سياسيا بعينه يمسك بأغلب مفاصل هذه المنظومة . 2- طبيعة الأزمة التي تعصف بكلا البلدين : في العراق يزيد عمر الأزمة عن عشرة سنوات وقد بلغت ذروتها في الوقت الحاضر ، أما في سوريا فعمر الأزمة دخلت عامها الرابع وهي في طريقها إلى الانتهاء حسب المعطيات الميدانية ، وتتشابه سوريا مع العراق في مواجهة نفس التنظيم المسلح الذي يحمل أفكارا تكفيرية اقصائية تستهدف البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكلا البلدين ويتميز هذا التنظيم بترابطه ووحدة قيادته في العراق وسوريا مع الاختلاف البسيط في التكتيكات بين بعض فروعه التكفيرية ، ففي العراق كانت بدايته تحت عنوان مقاومة القوات الأمريكية والقوات الأمنية عام 2005م وبعد هذا العام بدا الاستهداف يشمل القوات الأمريكية والقوات الأمنية العراقية والمدنيين باستخدام أساليب حرب العصابات في المدن والتفجيرات المتمثلة بالأحزمة الناسفة والعبوات والاغتيالات مبررا وجوده وعملياته العسكرية بحماية مكون بعينه تحت ذريعة الإقصاء والتهميش له من قبل الحكومة المركزية ساعيا إلى إقامة خلافة إسلامية في المناطق التي يسيطر عليها والوحدة مع سوريا ، أما في سوريا استغل هذا التنظيم ثورات الربيع العربي وانطلق بين صفوف المطالبين بالإصلاح والتغيير السياسي واستطاع بحكم خبرته في العراق تحويل هذه المطالب إلى عمليات مسلحة شملت نفس الأساليب والوسائل التي يستخدمها في العراق . 3- المواقف الإقليمية من الأزمتين : يتشارك العراق وسوريا الانقسام الإقليمي والدولي اتجاه أزمتيهما في الجانب العملي وان اختلفت في بعض الجوانب الإعلامية ، فالعراق ومنذ بداية العام 2003 عند دخول القوات الأمريكية فان كل الدول المحيطة بالعراق فتحت حدودها أمام مرور الجماعات التكفيرية والغير تكفيرية بحجة مواجهة الاحتلال الأمريكي وبعضها أوقف دعم هذه الجماعات عند خروج القوات الأمريكية وتحول إلى دعم الحكومة العراقية مثل إيران وسوريا ولازال هناك بعض الدول الإقليمية تدعم وتجند الجماعات التكفيرية المسلحة في العراق مثل تركيا، السعودية ، قطر، الأردن وخاصة في الأزمة الأخيرة في الموصل والمناطق القريبة منها . أما في سوريا فمعظم الدول الإقليمية ما عدا إيران والعراق ولبنان وقفت إلى جانب الحركات التكفيرية والمعارضة للسلطة في سوريا فاتحة أبواب حدودها أمام تسلل المجاميع والأسلحة وغيرها ، والموقف الإيراني والعراقي واللبناني تميزت فيما بينها بعضهما ففي حين ساعدت إيران الحكومة السورية وسخرت كل إمكانيتها العسكرية والاقتصادية في مواجهة أزمتها المتمثلة بالهجمة التكفيرية التي تستهدفها تأرجح الموقف العراقي واللبناني بين الحياد والتدخل المستتر. 4- المواقف الدولية من الأزمتين : يرى الكثير أن الصراع التنافسي العالمي في الزعامة والقيادة وخصوصا بعد عودة روسيا إلى مسرح الإحداث العالمية بقوة وما يمثله من تهديد حيوي للأحادية القطبية التي تمثلها الولايات المتحدة ، اثر وبرز بشكل فاعل على مسرح الإحداث في كلا البلدين، إذ يمثل هذا الصراع نقاط العودة التي مرت بها المنظومة الدولية قبل أكثر من أربعة عقود في الكثير من الأقاليم العالمية ، ففي العراق الإدارة الأمريكية تعتبر نفسها راعية التغيير والتجربة السياسية الحديثة وفي مقابل هذا ترى جهدها هذا قد صودر منها ضمنا أو علنا وكذلك بعض أقطاب النخبة الحاكمة فيه التحقت أو في طريقها إلى الالتحاق بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى الأقطاب العالمية التي تتصارع بالنيابة كما حدث قبل عقد من الزمان ، أما سوريا التي أخذت أزمتها من مسارات سياسية إلى عسكرية داخلية مثلت كذلك إحياء وعودة لذلك الصراع والتنافس بين أقطاب المنظومة العالمية ، فموقف الولايات المتحدة وحلفائها من الأزمة يتمثل في تجنيد المقاتلين وتسخير السلاح والأموال لإدامة الأزمة وفرض نظرية الإنهاك والدمار والدولة الفاشلة ، بينما موقف روسيا والأقطاب الداعمة والمتحالفة مع النظام السوري هو الحيلولة دون نجاح المشروع الأمريكي وأهدافه بإزالة النظام بالقوة العسكرية وإخضاع الإرادة الأمريكية إلى مفهوم التعددية القطبية وعدم سيطرة الأحادية في تغير الأنظمة واستبدلها كما حدث في العراق وأفغانستان . 5- البنية الاقتصادية والاجتماعية لكلا البلدين : في العراق البنية الاقتصادية رصينة جدا فلم تنهك الأزمة الأمنية المنظومة الاقتصادية فيه ولا الدول الداعمة له ضد الجماعات والحركات التكفيرية التي تقاتل الحكومة المركزية ، بل يمثل عامل استثماري للحلفاء الداعمين للحكومة المركزية في معالجة ألازمـــــــة .أما سوريا فهي من الدول البسيطة في سلتها الاقتصادية وهذا ما شكل عبئا عليها في مواجهة الأزمة التي تتعرض لها فقد أنهكت سوريا حلفاؤها كما أنها لا تمثل شهية اقتصادية لمصالح الدول والمنظمات التي تقود الحرب ضد النظام السياسي فيها بقدر ما تمثله من موقع استراتيجي يمثل مصالح حيوية للحلفاء والأعداء ، قياسا بالموقع الجغرافي الذي يمثله العراق ، وفي ما يخص البنية الاجتماعية لكلا البلدين تكاد تكون متشابهة ففي العراق التنوع القومي والديني والعرقي كذلك الأمر نفسه في سوريا ، لكن الفارق هو في العراق الأغلبية متمثلة بالمكون العربي الشيعي الذي يمسك بهرم السلطة والذي تبرر الحركات التكفيرية الجهادية قتالها للسلطة فيه بحماية وحفظ حقوق الأقلية العربية السنية ، أما في سوريا فالأغلبية هي في المكون العربي السني الذي لا يمسك هرم السلطة بينما الأقلية العربية الشيعية (العلوية) هي التي تمسك بهرم السلطة وتبرر الحركات التكفيرية والجهادية قتالها له بمصادرة حقوق الأغلبية في القيادة والحكم .
التعليقات