شهدت أسعار العقارات ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الاخيرة، ألقى بظلاله على الشرائح محدودة ومتوسطة الدخل من توفير سكن مناسب يليق ومواكب لتطور الحياة.
لا يمكن علاج أو التخفيف من ذلك الارتفاع دون العمل أولاً على تشخيص الاسباب التي ادت الى ارتفاع اسعار العقارات وبهذا الصدد يمكن القول هناك جملة أسباب دفعت لارتفاع اسعار العقارات في العراق منها
أولاً: الفساد وغسيل الاموال
يحتل العراق مرتبة متقدمة في مؤشر مدركات الفساد العالمي، 157 من أصل 180 دولة عام 2021 حسب منظمة الشفافية الدولية.
ان درجة الفساد (كلما تقترب إلى 100 يعني الدولة أكثر نزاهةً وكلما تقترب من الصفر يعني الدولة أكثر فساداً) في العراق هي 23 عام 2021 وهي أفضل منذ عام 2012 لكنها لاتزال متدنية.
ونظراً لاعتماد العراق طريقة النقد في بيع وشراء العقارات فمن السهل تبيض الاموال أي تحويل الاموال غير المشروعة الى أموال مشروعة، هذا الأمر دفع إلى الاقبال على شراء العقارات وزيادة الطلب وارتفاع اسعارها، وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء اثناء حديثه عن سرقة الامانات الضريبة البالغة 2.5 مليار دولار والتي عرفت بـ " سرقة القرن".
ثانياً: مبادرة البنك المركزي
بهدف التخفيف من آثار أزمة السكن التي يمر بها البلد، قرر البنك المركزي العراقي في عام 2021 استمرار مبادرته في دعم سيولة قطاع الاسكان (صندوق الإسكان والمصرف العقاري) لإقراض المواطنين والموظفين الراغبين بشراء وبناء وحدات سكنية في عموم العراق.
تتراوح قيمة القروض المقدمة من 50 مليون إلى 125 مليون دينار ومدة سداد لا تتجاوز 20 سنة لتسهيل قيمة القسط الشهري.
هذه المبادرة دفعت إلى تعزيز جانب الطلب على الاسكان أكثر من تعزيز جانب العرض هذا ما أدى إلى ارتفاع اسعار العقارات بشكل واضح في بغداد وعموم محافظات العراق.
ثالثاً: الزيادة السكانية
هناك علاقة وثيقة بين السكان والعقار، أي كلما يزداد عدد السكان يزداد الطلب على العقار وترتفع اسعاره والعكس صحيح، ونظراً للزيادة السكانية المستمرة في العراق والتي تقدر بمليون نسمة سنوياً انعكست بشكل وآخر في الطلب على العقار دفعت بأسعاره للارتفاع.
رابعاً: انشطار العوائل
يتصف المجتمع العراقي ما قبل 2003 بالسكن الجماعي (البيت الكبير) (العائلة الكبيرة) أي بقاء الابناء حتى بعد زواجهم مع الأب في بيته لكن تغيّر المجتمع بعد 2003 انسجاماً مع التغير السياسي ودخول الحرية والعيش المستقل أدى لانشطار العوائل مما دفع لزيادة الطلب على العقار مما أسهم في زيادة اسعاره أيضاً خصوصاً في المدن بحكم صعوبة النقل وعدم توفر الخدمات في الأطراف.
خامساً: ارتفاع اسعار المواد الانشائية
بحكم قيام الحرب الروسية على أوكرانيا التي تمثل المصدر الرئيس للشيش الاوكراني في العراق، أدت إلى انخفاض تصدير الشيش الاوكراني إلى العراق مما أدى الى ارتفاع أسعاره، وهذا الارتفاع انتقل بشكل تلقائي إلى اسعار العقارات.
فارتفاع اسعار المواد الانشائية وبالخصوص الشيش الاوكراني ادى الارتفاع اسعار العقار بشكل عام.
سادساً: عدم وجود تخطيط
في العادة المواطن يبحث عن سكن ملائم من حيث النقل والخدمات ونظراً لضعفها في المحافظات وعدم توفرها في أطراف المدن، زاد الطلب على العقارات في العاصمة بغداد ومراكز المدن، هذا ما دفع لارتفاع اسعارها.
ان عدم وجود تخطيط لتوفير النقل والخدمات في أطراف المدن يعني استمرار الانتقال من الاطراف إلى مراكز المدن ومن المحافظات إلى العاصمة مما يعني استمرار زيادة الطلب على العقارات وارتفاع اسعارها.
سابعاً: العقوبات والازمات الاقليمية
عملت العقوبات والازمات الاقليمية(لبنان) إلى إعادة توجيه اموال المسؤولين من الخارج إلى الداخل في قطاعات مختلفة ومن بينها قطاع العقارات، هذا ما أدى إلى زيادة الطلب على العقارات وارتفعت أسعارها.
ثامناً: استثمار آمن
يُعد الاستثمار في العقار استثمار آمن، هذا ما دفع بأصحاب الاموال لشراء العقارات من أجل الحفاظ على قيمة أموالهم من الانخفاض لأنه معروف ان النقود دائماً ما تتعرض للتآكل بسبب التضخم إضافة إلى انخفاضها(الدنانير) بسبب تقلبات أسعار الصرف.
نستنتج مما سبق أن كل الأسباب أعلاه أدت إلى زيادة الطلب على العقار بشكل أكبر من العرض منه، مما انعكس على زيادة اسعاره في نهاية المطاف.
ولأجل تهدئة الأسعار باتجاه تحقيق الاسعار التوازنية لابُد من العمل على تخفيض جانب الطلب أو زيادة جانب العرض، وذلك من خلال الاتي:
1- مكافحة الفساد لأجل تقليل الطلب على العقار.
2- أعادة النظر بمبادرة البنك المركزي وبما يؤدي إلى زيادة العرض لا الطلب.
3- تنويع منافذ استيراد المواد الانشائية لضمان توفيرها وعدم ارتفع اسعارها.
4- توفير البنية التحتية اللازمة لتوسيع العاصمة والمحافظات ومراكز المدن.
5- الحفاظ على قيمة العملة من التآكل من خلال محاربة التضخم واستقرار سعر الصرف.
6- تنشيط قطاعات الاقتصاد لاستيعاب رؤوس الاموال وتخفيض الطلب على العقار.