تقرير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
كانون الثاني –يناير 2023
المشاركون في الحوار:
الشيخ مرتضى معاش
ا. د. خالد عليوي العرداوي.
أ.د. حيدر حسين ال طعمه
ا. م.د. قحطان حسين اللاوندي
ا.م.د. علاء الحسيني
ا. م.د. حسين احمد دخيل
السيد حيدر الجراح
السيد حامد عبد الحسين خضير الجبوري
السيد باسم الزيدي
السيد محمد الصافي
بتاريخ 10 كانون الاول 2022 شارك نخبة من الأكاديميين والمهتمين بالشأن السياسي في حلقة نقاشية نظمها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان (ازمة الدولة الوطنية في العراق: قراءة في عناصر النظام السياسي بعد 2003) في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام في مدينة كربلاء المقدسة، وقد خرج المتحاورون بخلاصة مفادها:
أن الدولة في العراق بعناصرها الرئيسة تعاني من ازمات متشعبة ومتداخلة منها ما يرتبط بالهوية والانتماء ومنها ما يرتبط بالشرعية والمشروعية واخرى ترتبط بالشؤون السياسية -الامنية والاقتصادية والاجتماعية وشؤون الخدمات وغيرها. وفي ظل هذا الازمات، كيف نتحدث عن دولة وطنية؟
ان الدولة بمعناها الشامل وبهدف بنائها ينبغي ان تكون دولة وطنية تجسد واقعا وطنيا يتساوى فيه افرادها بالحقوق والواجبات من دون التمييز على اساس العرق او الدين او الوضع السياسي او الاقتصادي لأفرادها. وقبل الخوض في الازمات التي تواجه الدولة الوطنية العراقية، تبرز الحاجة الى توضيح المفاهيم المرتبطة بالموضوع وهي: الدولة، والنظام السياسي والدولة الوطنية؟
للدولة مفاهيم عديدة وكل منها يرتبط بجانب معين، وكما هو في شأن العلوم الانسانية، لا يوجد تعريف متفق عليه لها، بل خضعت لتنظيرات كثيرة حسب تطور الفكر السياسي والممارسات السياسية، فضلا عن تطورات الممارسة السياسية وسلوك وحدات النظام الدولي. ولسنا هنا بصدد الالمام بالمفهوم بشكل كامل، بل الوصول الى توضيح مبسط يخدم فكرة الورقة ويساعد على تحقيق هدفها.
عرف فقهاء القانون الدستوري الدولة بأنها كيان اقليمي يمتلك السيادة داخل حدوده وخارجها ويحتكر قوى وادوات الاكراه. الدولة هي حقيقة سياسية وهي مفهوم قانوني كونها تتوافر على اطر قانونية لتنظيم العلاقة بين وحدات سياسية غير متكافئة في القوة، وتنظيم تلك العلاقة على اساس من العدالة والانصاف.
وحتى تتوافر لدى مؤسسات الدولة على مبادئ وعناصر العدالة والانصاف، ولا يمكن اعتماد العدالة من دون ان تتوافر الدولة وتتمتع بعنصر السيادة على كامل اقليمها الجغرافي ولها استقلاليتها على قراراها السياسي والامني والاقتصادي، ولا يمكن ان يتحقق ذلك من دون وجود نظام سياسي ذو قواعد وعناصر فعالة ولا ادوارا الايجابية في خدمة سيادة الدولة وتعمل على استقلال قراره. والسيادة هنا لا بُعدين، الاول قانوني اي المؤسسات والهيئات التي يخولها القانون سلطة اصدار القرارات النهائية الحاسمة، اي بمعنى توافر عنصر المشروعية. اما الثاني فهو سياسي ويرتبط بشرعية السلطة وحصولها على موافقة الشعب عبر التصويت والانتخابات وان تكون السلطة ممثلة للشعب.
كما ان السيادة لها بعدين آخرين: هما داخلي ويقصد بها السيادة الداخلية وهي حرية اختيار النظام السياسي الملائم للأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وفي السيطرة على مواردها داخل اقليمها البري والجوي والبحري.
اما السيادة الخارجية، فهي تشير الى حق الدولة في ادارة شؤونها الخارجية بحربة ومن دون تدخل في شؤونها الداخلية او تأثير عليها من قبل دولة اخرى او جهة خارجية، اي عدم خضوعها لسلطة وتأثير دولة اخرى.
فيما يرتبط بالنظام السياسي، فيعرف ببساطة بأنه مجموعة من العناصر (الاحزاب والقوى السياسية) والقواعد (اطر تشريعية وسياسية ومؤسسات سياسية – امنية واقتصادية وثقافية واجتماعية الخ) المتناسقة والمترابطة فيما بينها تضع وتبين ونظام الحكم ووسائل ممارسة السلطة واهدافها.
اما الدولة الوطنية، فهي الدولة الحيادية، وغير التابعة لجهة معينة سواء حزب او جماعة او تكون تحت سيطرة سلاح طرف معين. وتكون دولة لكل المواطنين بمختلف انتماءاتهم الدينية والعرقية والاثنية.
واي تغيير في هذه المعادلة من شأنه ان يكون مقدمة لانفجار داخلي بين مكونات المجتمع وخاصة الفئات الاكثر تضررا، وهذا ينعكس سلبا على النظام السياسي فيما بعد، وسيكون النظام في حالة صراع وصدام وهذا يقود الى استفحال الازمة.
بهذا المعنى قضت الدولة الوطنية الحديثة على العديد من الظواهر التي عاشتها الدول مثل: التسليم بوجود طبقات بين المجتمع، وتمييز بين الافراد على اساس العرق والدين وكذلك تسلط دول على ارادة ومقدرات دول اخرى.
تقوم العلاقة بين مكونات الدولة الوطنية على اساس عقد مواطنة يرتب حقوقا للفرد في قيم المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة والامن والحريات ويرتب ايضا على الفرد واجبات تجاه الدولة وتجاه غيره من الافراد.
اولاً: تأثير ازمات النظام السياسي في العراق على بناء الدولة ومؤسساتها.
الازمات السياسية وازمات عدم الاستقرار السياسي والامني وما يترتب عليها من ازمات اقتصادية واجتماعية وغيرها تعصف بالبلاد منذ التغيير السياسي عام 2003، انعكست سلبا على البنى السياسية وعناصر واركان النظام السياسي في العراق، فلا عن انعكاساتها السلبية على المجتمع وادخلته في ازمات مستدامة منها ازمة الوطنية (الولاء الوطني) مقابل تصاعد الولاءات الفرعية المذهبية الاثنية، وغياب الهوية الوطنية.
كذلك كان لتلك الازمات انعكاساتها على المؤسسات العامة التي اصبحت تُسيّر من قبل " الاحزاب السياسية" المشاركة والمتنفذة في ادارة الحكم مما جعلها بعيدة عن المصالح الوطنية وقريبة أكثر للمصالح الحزبية والشخصية الضيقة.
انفاذ القانون وضمان استقرار الاوضاع الامنية لم تكن بعيدة عن تأثير الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فإنفاذ القانون مسؤولية امنية وقضائية في آن واحد، وان تراجع الاوضاع السياسية والامنية وحالة عدم الاستقرار السياسي، وتأثير "الاحزاب السياسية"، القت بظلالها على تلك المؤسستين واعاقت الكثير من مهامهما، مما قاد الى بروز الخلل الهيكلي في بناء الدولة ومؤسساتها.
الابعاد الاجتماعية والثقافية اساسية في بناء الدولة، وهذه تأثرت كثيرا بالأزمات الموضحة في اعلاه، وفي الوقت الذي يشكل العامل الاجتماعي سببا للازمات في العراق، فقد اصبحت ايضا نتيجة لحالة التدهور العام في العراق. وبذلك تعرضت عملية التنشئة الاجتماعية والبناء الثقافي الى تشويهها وعدم انتظام برامجها وبالتالي تلاشي اهدافها.
كل هذه الازمات والتداعيات جعلت من النظام السياسي منظومة افراد وليست مؤسسات وبالتالي سيطرة افراد على عناصر النظام السياسي من احزاب، "حيث سيطرة زعامات وافراد على الاحزاب المتنفذة"، ومؤسسات وحتى التأثير بقواعده.
ميراث الماضي والتغني به من دون ايمان حقيقي وعدم الالتزام بالمبادئ وتلاشيها، كان سببا فيما وصلت له البنى السياسية في الدولة العراقية. كما كان لغياب الكاريزما والشخصيات المؤثرة في البناء السياسي وبالتالي بناء الدولة، وغياب الثقافة السياسية المشجعة، وغلبة قيم المجتمع الاهلي وتراجع قيم المجتمع المدني وسيادة المجتمع القبلي، كلها عوامل دافعة باتجاه تراجع بناء الدولة.
ثانياً: توصيات بأتجاه مواجهة الازمات ومعالجة اثارها بأتجاه الدولة الوطنية الحديثة.
في ضوء ما ذُكر في المحور الاول، يصار الى وضع توصيات باتجاه تقويم بناء الدولة ومؤسسات النظام السياسي، والبنية الاجتماعية لتكون الارضية المناسبة لإعادة ترميم البنى السياسية.
1/ اولى عناصر النظام السياسي هي الاحزاب السياسية، ومن دون تقويم الجانب التنظيمي لها وفق اطر فكرية تنظيمية سياسية، وسلوك سياسي فعال وبنَاء، لا يمكن ان تمثل عناصر للنظام السياسي. فالإصلاح السياسي وفق رؤى وطنية وليست رؤى حزبية مكوناتية ضيقة، بات ضرورة ملحة على ان يبدأ من الاحزاب ذاتها التي وان تتخلى عن ولاءاتها المكوناتية المذهبية والقومية، وتبعيتها للخارج باتجاه المصالح الوطنية وبناء الدولة الوطنية.
2/ انفاذ القانون عبر تدعيم اداء المؤسسات الامنية والقضائية وابعادها عن التأثير السياسي والحزبي.
3/تعديل قانون الاحزاب وبما يخدم هدف ان تكون الاحزاب عناصر ايجابية تخدم عملية بناء النظام السياسي وتعزز استقلالية قرارات مؤسساته السياسية والامنية والقضائية.
4/ البناء الاجتماعي له الدور الابرز في بناء الدولة الوطنية، وهنا تبرز الحاجة الى تدعيم عملية التنشئة السياسية والاجتماعية على اسس وطنية.
5/ التطبيقات الدستورية بعيدة عن النصوص الدستورية الى الحد اذي أصبح في الدستور شماعة لفشل القوى السياسية. ولذلك التعديل الدستوري امر حتمي على يكون مبني على عنصري المواطنة والعدالة.
6/ ايلاء المنظومة القيمية الضامنة لوضع الحريات الاساسية لأفراد الشعب الاهتمام الكافي وبما يسهم في توسيع المشاركة السياسية في البناء السياسي للدولة الوطنية، وان تؤمن الاحزاب المشتركة في السلطة على ان السلطة هي وسيلة وليست هدف.
7/ دعم الدور التنموي للدولة وفق سياسات عامة اقتصادية تسهم في ترميم الثقة الجماهيرية بالدولة وتعزز الروابط بين الافراد ومؤسسات الدولة.
8/ استدامة الاستقرار الامني والارتقاء به عمل مهم في تعزيز البنى السياسية والمؤسساتية للدولة وبالتالي الاتجاه نحو الدول الوطنية، وترسيخ عناصرها.
9/ التحرر من الماضي وتركته وتعزيز الايمان الحقيقي وترميم الثقة في عناصر النظام السياسي عبر الايمان بالتعددية السياسية وبالتالي الحزبية.
10/ توسيع شبكات الحوار والمناقشات والانشطة المدنية وتبادل الخبرات واتساعها يخلق وعي جديد وثقافة جديدة قائمة على عدم التمييز بين الافراد.