هل تنجح حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السيد السوداني في استثمار هذا لصالحها وتحقيق الاستقرار السياسي، أم سنكون امام سيناريو اخر لا يختلف عن سيناريوهات الحكومات العراقية السابقة؟
استضافت الاردن يوم الثلاثاء الماضي، قمة بغداد 2 بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تبعاً لقمة بغداد للتعاون والشراكة، التي عقدت لأول مرة في 28 أغسطس 2021 في العاصمة العراقية بغداد، وشارك فيها 9 دول عربية وأجنبية، فضلاً عن عدة منظمات إقليمية ودولية. إذ تأتي هذه القمة في ظل ظروف سياسية مغايرة على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي عن قمة بغداد الاولى، ولاسيما في العراق، إذ عدها بعض المهتمين بأنها جاءت في ظل أوضاع صعبة إقليميا ودوليا.
وضمت قمة بغداد 2 عضويين جديدين هما البحرين وسلطنة عمان إلى جانب مشاركة كل من الإمارات ومصر والسعودية وقطر وتركيا وإيران والعراق وفرنسا، وكذلك مشاركة وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ومعاونه إنريكي مورا الذي تولى التنسيق المباشر لمباحثات الملف النووي، وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وأمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وممثلون عن الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، من ضمن المشاركين، وحضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، بصفة ضيف، سفراء الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن المعتمدين لدى الأردن، فضلاً عن الدول والمنظمات العربية والإقليمية والدولية. لهذا من المؤمل ان ينعكس هذا الحضور على فاعلية وتأثير القمة على المستوى المحلي والإقليمي، وان توسيع عدد الدول والمنظمات المشاركة فيه، يشكل علامة على المضي في العمل لتحويله منصة لتعزيز الشراكة والتكامل عربياً وإقليمياً ودولياً، في واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية على المستوى الجيوسياسي والاقتصادي والحضاري. والحكومة العراقية امام فرصة حقيقية بان تترجم هذا الحضور لصالحها وعلاقاتها الخارجية، ولاسيما بعد الدعم الإقليمي والدولي الكبير الذي حظيت به حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السيد السوداني.
فقد حظيت هذه القمة بأهمية كبرى على صعيد المنطقة ككل وليس فقط على العراق، إذ تناولت ملفات ملحة عديدة أبرزها ملف الإرهاب وخطر عودة تنظيم داعش، وطرق وآلياته مكافحته واجتثاثه، وكذلك ملف الأمن الغذائي لدول المنطقة، ولاسيما مع استمرار تداعيات الحرب – الأوكرانية، ومحاولة تحقيق التكامل والتضافر بين هذه الدول بإمكانياتها الضخمة لضمان الأمنين الغذائي والمائي الإقليميين. ولعل ما تضمنه البيان الختامي من مخرجات لقمة بغداد 2، يمثل مرحلة جديدة غير مسبوقة من التعاون والاهتمام والدعم للعراق والحكومة العراقية، ولاسيما من قبل الدول والجهات الحاضرة والداعمة للقمة، والدول العربية ومجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد، وما أكده المؤتمرون يؤشر على ان التوجه العربي والإقليمي سيختلف عن التوجهات السياسية التي حظي بها العراق بعد عام 2003، وهذا الدعم والاهتمام بالملف العراقي، لا يمكن فصله عن سيناريوهات تشكيل الحكومة العراقية برئاسة السيد السوداني، والمواقف الدولية والإقليمية التي اظهرت دعمها الكبير له، والاشتراطات التي وضعت امام الإطار التنسيقي وحكومته قبل المضي بتشكيلها. فقد اكد المشاركون على استمرار العمل بمخرجات الدورة الأولى لمؤتمر بغداد والمضي في التعاون مع العراق دعما لأمنه واستقراره وسيادته ومسيرته الديمقراطية والدستورية وجهوده لتكريس الحوار سبيلا لحل الخلافات الإقليمية، كما أكدوا وقوفهم إلى جانب العراق في مواجهة جميع التحديات، بما ذلك تحدي الإرهاب، ودعمهم له في جهوده لترسيخ دولة الدستور والقانون وتعزيز الحوكمة وبناء المؤسسات القادرة على مواصلة التقدم وإعادة الإعمار وحماية مقدراته وتلبية طموحات شعبه، بما يحقق التنمية الشاملة والعمل على بناء التكامل الاقتصادي والتعاون معه في قطاعات عديدة تشمل الطاقة والمياه والربط الكهربائي والأمن الغذائي والصحي والنقل ومشاريع البنية التحتية وحماية المناخ. وهذا بالتأكيد يحتاج الى استقرار سياسي وبيئة سياسية واقتصادية صالحة للاستثمار والعمل ومشجعة للشركات الاجنبية في قطاع الطاقة والخدمات، وهذا لا يمكن تحقيقه في ظل الظروف السياسية السائدة في العراق، ولاسيما على المستوى السياسي والامني، فضلاً عن الانقسام السياسي والمجتمعي والاحتجاجات الشعبية المطالبة بالخدمات والوظائف العامة.
وتأتي أهمية قمة بغداد الثانية ليس فقط بقيمة الملفات التي ضمنتها المناقشات والحوارات والبيان الختامي، وإنما تأتي من طبيعة التجمع الذي جمع الكثير من الاطراف المتناحرة وإعلان دعمها للعراق وتأييده في المضي بمشروع سياسي يحقق مكاسب الجميع بما يعود عليه والمنطقة بالاستقرار وتحقيق التنمية على كافة المستويات، ولاسيما ان القمة ضمت كل الدول العربية تقريباً وإيران بجلسة استثنائية جمعت اغلب المتخاصمين والاطراف المتقاطعة منذ عشرين سنة في العراق، وقد بينت كل دول المنطقة حاجتها لعراق فاعل ومستقر ومستقل بعلاقاته الخارجية دون أن تتفرد بعلاقته دولة دون أخرى. وعلى ما يبدو بان إيران لا تستطيع ان تعارض هذا الانفتاح؛ لكونه يحقق لها الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية، ولاسيما في ظل توقف مباحثات الاتفاق النووي، وتصاعد حركة الاحتجاجات الداخلية ومعارضتها للنظام السياسي القائم، كذلك تبدو طهران والقوى السياسية القريبة منها ولاسيما الشيعية، قد اخذت بنظر الاعتبار طبيعة المواقف الدولية والاقليمية ومآربها او اشتراطاتها في دعم ترشيح السيد السوداني لترأس الحكومة العراقية الحالية، على الرغم من صعوبة السيناريوهات التي مرت بها العملية السياسية العراقية بعد انتخابات العاشر من تشرين الاول 2021 وحتى تشكيلها، كذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، تبدو بانها داعمة للتوجهات السياسية العراقية على الصعيد الخارجي، سواء تلك التي مضى بها السيد الكاظمي رئيس الوزراء السابق، او ما يقوم به السيد السوداني رئيس الوزراء الحالي. كذلك يبدو بأن الدور الفرنسي كبير جداً في هذه القمة والقمة التي سبقتها، فقد كانت فرنسا حريصة على ان ينعقد المؤتمر قبل نهاية العام الجاري بعد حلحلة الوضع السياسي الداخلي في العراق، إذ كان يصعب الدعوة إلى قمة قبل أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين رئيس للحكومة؛ الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على طبيعة الحضور ومستقبل القمة برمتها.
بالمجمل، تمثل هذه القمة اختبار لحكومة الإطار التنسيقي برئاسة السيد السوداني في الانفتاح على الدول العربية والعالم الخارجي بخطوات عراقية وطنية نابعة من تحقيق المصالح الوطنية العليا في المنطقة، بعيداً عن الدور الإيراني، في تحقيق المكاسب والاهداف المطلوبة، ولاسيما تلك المكاسب والاهداف التي ضمنها البيان الختامي لقمة بغداد 2 على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، وهو ما دعى له الرئيس الفرنسي ماكرون في كلمته التي حث بها العراق وقادته إلى اتباع مسار آخر بعيد عن نموذج يملى من الخارج، في إشارة منه الى إيران ودورها السياسي والأمني في العراق بعد عام 2003. فضلاً عن ذلك، الحكومة العراقية مطالبة باستثمار هذه القمة والمواقف الداعمة لها، بوضع حد للقصف الإيراني والتركي على الحدود العراقية، ومطالبتهم اياها بوقف الاعتداءات الصاروخية على اراضيها، كذلك يمكن ان تستثمر تلك المواقف في استرجاع حصص العراق المائية من دول المنبع التي ترفد نهري دجلة والفرات. فهل تنجح حكومة الإطار التنسيقي برئاسة السيد السوداني في استثمار هذا لصالحها وتحقيق الاستقرار السياسي، أم سنكون امام سيناريو اخر لا يختلف عن سيناريوهات الحكومات العراقية السابقة؟
اضافةتعليق