اعلنت الحكومة العراقية في تموز الماضي اجراء الانتخابات المبكرة في العاشر من تشرين الاول القادم، وشرعت بتوزيع البطاقات البايومترية التي تم تحديثها خلال الاشهر السابقة. وهذا الاعلان يأتي بعد اشهر من تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وفق القانون رقم 31 لسنة 2019، وتشريع قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020.
وصلت المشاركة السياسية في العملية الانتخابية الى مرحلة المشاركة بالتصويت. لكن سلبيات كثيرة أُشرت على قانون الانتخابات والنظام الانتخابي المعتمد مما قد تساهم في الحد من المشاركة في التصويت، على الرغم من الجهود التي بذلتها المفوضية والحكومة العراقية في الاستعدادات الادارية والتنظيمية والامنية، وعلى الرغم من ان قانون الانتخابات الحالي والنافذ اذا ما قورن بقوانين الانتخابات للدورات السابقة فيه تطور كبير من جونب عدة منها تعدد الدوائر الانتخابية (الدوائر المتوسطة) والترشيح الفردي والفائز بأعلى الاصوات، والتصويت البايومتري. وهذه المعطيات تؤكد اشارات واضحة على ان التصويت في الانتخابات – على الاقل من ناحية الاجراءات الادارية والتنظيمية – ستكون بمستويات جيدة ومقبولة، وانها ستفرز سلطات تشريعية وتنفيذية تتمتع بشرعية.
وبالرغم مما تقدم، ومع ان هدف اي قانون انتخابات هو ضمان اكبر قدر من مشاركة الناخبين في اختيار ممثليهم في السلطات التشريعية (كما في الانظمة البرلمانية) والتنفيذية (في الانظمة الرئاسية والمختلطة او شبه الرئاسية) بهدف منح الشرعية لتلك السلطات في ادارة الشؤون والانشطة العامة السياسية والامنية والاقتصادية، الا ان ما يلاحظ على قانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 9 لسنة 2020 انه تضمن فقرات اصبحت عوامل ستساهم بشكل مباشر او غير مباشر في الحد من التصويت.
فيما يتعلق بتصويت العراقيين في الخارج، للمرة الاولى بعد اربع دورات انتخابية، لا توجد مراكز انتخابية خارج العراق وفي الدول التي تتواجد فيها جاليات عراقية كبيرة، وسمح لهم بالتصويت في العراق وفي يوم الاقتراع في دوائرهم الانتخابية. وهذا الامر غير معقول بسبب انه يتعذر على الغالبية العظمى منهم، ان لم يكن جميعهم، الحضور الى العراق للتصويت لأسباب عدة. فضلا عن حرمانهم من المشاركة السياسية ومنح الشرعية لسلطات تشريعية وتنفيذية لمدة اربع سنوات ربما الكثير منهم مخطط او يخطط لاحقا للعودة الى بلده خلالها ويكون تحت صلاحيات تلك السلطات.
فيما يتعلق بالمرشحين، نجد ان القانون في الفقرة (خامسا)/ المادة 8 اشترطت في المرشح " ان يكون من ابناء المحافظة او مقيما فيها". وهذا ما سمح للكثير من المرشحين ان يرشحوا خارج دوائرهم الانتخابية وحتى خارج محافظاتهم بسبب مرونة الفقرة اعلاه التي تضمنت (او) بدلا من (و). وهذا له تداعياته السلبية منها عدم قدرة سكان الدائرة من مساءلة النائب عنها بعدم انتخابه مجددا مثلا، اذا ما كان اداءه غير مقبول وبالتالي شلل في الرقابة الشعبية. فضلا عن عدم معرفة ناخبي الدائرة المرشح عنها به، وبالتالي يكون المال السياسي هو اداة التعريف الاساسية للمشح في الدائرة الجديدة.
اما ما يرتبط بالدعاية الانتخابية، هناك عدة ملاحظات منها:
انها المرة الاولى التي يمنح فيها قانون الانتخابات المرشحين من البدء بدعاياتهم الانتخابية بعد المصادقة على اسماء المرشحين اي قبل ثلاثة اشهر من موعد التصويت في حين سارت الدورات الانتخابية السابقة الى ان الدعاية الانتخابية تكون لمدة شهر واحد. وهذا ما اشر طول مدة الدعاية الانتخابية التي تربك الناخب وتخلق لديه التردد والتغيير المستمر في التصويت وصولا الى يوم الاقتراع.
كما ان طول مدة الدعاية الانتخابية سمح للمرشحين من النواب والمتنفذين من انفاق اموال كثيرة واستغلال مؤسسات الدولة بسبب توافر الوقت الكافي لتجديد وتغيير دعاياتهم ووسائلها، في وقت لم تكن طول المدة امراً ايجابياً للمرشحين المستقلين الذي لا يملكون القدرة على الانفاق على دعاياتهم الانتخابية. وهذا الامر اصبح واضحا لدى الناخب الذي ظهر له جليا حجم الاموال الهائلة التي ينفقها من هم في السلطة في دعاياتهم الانتخابية في ظل عدم وجود مساءلة قانونية عن مصدر تلك الاموال، وبالتالي يؤثر على قراره بالتصويت من عدمه.
كذلك ما يلاحظ على السلوك الانتخابي في جانبه الدعائي لبعض المرشحين والقوائم انه مشوه الى درجة ان يتعهد المرشح بتوفير الخدمات والتعيينات وكأنه مرشح لوزارة خدمية او جهة تنفيذية، كما انها لم تطرح برنامجا انتخابيا او على الاقل رؤية لما يمكن ان تعتمدها القائمة او المرشح في مجلس النواب في مهامه التشريعية والرقابية وبما يخدم المصالح الوطنية. وبدلا من ذلك، اعتمد الكثير المرشحين والقوائم عبارات عامة وخالية من المضامين والفهم، واستخدام اساليب رخيصة من توزيع وجبات غذائية مهينه وهدايا وضيعة مما ارسلت رسائل سلبية للناخبين الذين وجدوا فيها من الاستسهال ما يدفع الكثير منهم الى السخرية منها وبالتالي عدم المشاركة في التصويت.
خلاصة القول، يبدوا ان "القوى السياسية والتيارات والحركات السياسية" المؤثرة والكبيرة عملت منذ قرار اجراء الانتخابات المبكرة على عدم وجود نظام انتخابي يؤدي الى ايجاد تمثيل حقيقي للجماهير بقدر ما عملت على ترسيخ وجودها بالسلطة والحفاظ على قوتها وتأثيرها السياسي على الاقل لما يترتب عليه من مكاسب مادية والافلات من المحاسبة والمساءلة.