الحكومة العراقية والحشد الشعبي: إشكاليات مؤجلة وفرضيات معقدة

شارك الموضوع :

ربما نكون امام سيناريوهات خطيرة جداً، ولاسيما في حال اصرت القوى السياسية الشيعية على مفاهيمها الايديولوجية الضيقة ومواقفها المتشددة اتجاه الدولة بشكل عام، وستبقى علاقة الحكومة مع الحشد الشعبي، علاقة يشوبها الكثير من الغموض والاشكاليات المؤجلة

كثيرةٌ هي الاشكاليات التي تُربك الوضع العام في العراق، ولاسيما الوضع السياسي، وهناك الكثير من الاشكاليات المركبة التي تتعّقد بتعدد اطرافها المحليين والدوليين، ولعل وجود السيد الكاظمي كرئيس وزراء العراق، هي اشكالية بحد ذاتها، فضلاً عن اشكالية الحشد الشعبي التي بدأت تعّقد المشهد السياسي والأمني في العراق، ولاسيما بعد حادثة منطقة الدورة، حينما احتكت بعض عناصر تلك القوات والفصائل المسلحة، بمقر قوات مكافحة الإرهاب على خلفية اعتقال الاخيرة بعض عناصرها المتهمة في اطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء والقواعد العسكرية والسفارات الاجنبية ‘‘حسب بيان قيادة العمليات‘‘. أذ اخذت بعض العناصر المسلحة التي تُنسب نفسها إلى قوات الحشد الشعبي، بالاستعراض العسكري في العاصمة بغداد، قرب بوابة المنطقة الخضراء المحصنة، مهددةً باقتحامها في حال لم تطلق القوات الحكومية سراح المعتقلين، واخذت تهتف بشعارات ضد رئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي، وقد تمردت تلك القوات وتجاوزت كل الأعراف والقوانين العسكرية والمدنية بعد ان أطلق سراح المعتقلين، حينما وضعت صور رئيس الوزراء العراقي تحت اقدامها. فضلاً عن ذلك، فأن تفاصيل تلك الاشكالية تكمن في مشاكل الحكومة العراقية المستمرة مع بعض عناصر الحشد الشعبي أو الفصائل المنضوية تحت قيادة الحشد الشعبي أو بعض العناصر التي ما زالت خارج الحشد الشعبي، لكنها تتحرك بصفة انتمائها للحشد، وتقوم بعمليات قصف على المنطقة الخضراء والسفارات الاجنبية والقواعد العسكرية. 

لو اخذنا أصل الاشكالية بين الطرفين قبل الدخول في متن المشكلة، لرأينا بأن مشكلة الحشد الشعبي، مثلت اشكالية كبيرة للحكومات السابقة، ولاسيما لحكومة السيد العبادي والحكومة الحالية، وهي مشكلة نابعة من أصل تكوين هذه القوات وطبيعة ربطها بالدولة والقانون العراقيين، فضلاً عن الاشكالية العقائدية والأيدولوجية التي تنتمي لها هذه المؤسسة. وهنا ربما يمكننا الإشارة، إلى أن المشكلة ليست في كل مفاصل المؤسسة وعناصرها، وإنما في اغلب قيادات المؤسسة، وربما لا نبالغ إذا قلنا بأن هذه القيادات غير راغبة في اخضاع قوات الحشد الشعبي إلى منظومة الأمن العراقي، وقيادة القوات المسلحة، المتمثلة في رئاسة الوزراء. بموازاة ذلك، تظهر لنا اشكالية السيد الكاظمي، بانها اشكالية عامة، ليس للحشد فقط، وإنما لأغلب القوى السياسية العراقية، ولاسيما القوى الشيعية القريبة من طهران، التي اُجبرت على القبول به؛ من اجل قطع الطريق على تكليف السيد رئيس الجمهورية للنائب عدنان الزرفي. هذه الاشكالية اظهرت للجميع حجم الفجوة بين الحكومة من جهة وقيادات الحشد الشعبي وفصائلها والقوى السياسية الساندة لها، من جهة أخرى، التي من شأنها أن تضع الحكومة العراقية في حرج كبير إمام الرأي العام الدولي والعالمي، وتؤثر في طبيعة علاقات العراق الخارجية (الإقليمية والدولية). 

هذه الاشكالية مدفوعة بإشكالية سياسية (إقليمية – دولية) أعمق وأكبر من الاشكالية الداخلية بين الحكومة والحشد، فبعض فصائل الحشد الشعبي تتهم رئيس الوزراء بانه رجل أمريكا في العراق، ولم تتم تبرئته بعد من تهمة حادثة المطار ‘‘حادثة مقتل سليماني والمهندس‘‘، في حين أن القوى والفصائل التي تتهم السيد الكاظمي وتقف بالضد منه سياسياً، تربطها علاقة قوية (سياسية وايديولوجية) مع إيران؛ وهذا ما يجعلنا إمام معادلة أمريكية – إيرانية معقدة للغاية في مسيرة بناء الدولة العراقية، التي انعكست تداعياتها بشكل واضح على الساحة العراقية، وربما تكون انعكاساتها أكثر راديكالية في المستقبل القريب؛ الأمر الذي يجعل عملية الحفاظ على مكتسبات مرحلة ما بعد عام 2003، بالنسبة "للقوى السياسية الشيعية"، فضلاً عن مسألة الحفاظ على العملية السياسية بشكل عام، محل شك وجدال كبيرين، ولاسيما في ظل حالة الانقسام السياسي والمجتمعي والفجوة الكبيرة التي خلّفتها القوى السياسية العراقية بين السلطة والمجتمع. 

إن تمرد الفصائل العراقية وبعض عناصر وقوات الحشد الشعبي على الدولة العراقية، وعدم خضوعها لمنظومة الأمن والقانون العراقي، سيضع البلد والحكومة في موقف ضعيف جداً؛ لأن العراق كدولة وتاريخ، لا يمكنه أن يكون تابعاً لجهة دون أخرى، وإنما يجب أن يكون له دور سياسي فاعل في أحداث المنطقة، وأن وقوفه مع هذا الطرف أو ذلك، لابد أن يكون نابعاً من مصالحه القومية والوطنية ومبادئ العلاقات الدولية وحسن الجوار؛ لأن الدول لا تبنى بالمقاربات المذهبية والقومية والدينية، ولا بالعداءات السياسية والأيديولوجية وإنما تبنى برؤى ومصالح وطنية مشتركة. وأن التجارب الحكومية السابقة في العراق، سواء ما قبل عام 2003 أو ما بعدها، تعطينا دلالات ومؤشرات واقعية واضحة في صحة تلك الفرضيات، فالنظام العراقي السابق فشل وانهار "على الرغم من قوته وصلابته السياسية والأمنية"؛ لأنه لم يُحسن التعامل مع العالم الخارجي، وفشل في أقامة علاقات متوازنة مع المحيطين الإقليمي والدولي، وكان عرضة لسلسة من الحروب والحصار والتدخلات الخارجية التي اطاحت به في عام 2003. ولعل فرضيات تشكيل الحكومات العراقية بعد عام 2003، لم تختلف كثيراً عن نظريات النظام السابق، فكثيرًا ما كانت تلك الحكومات تحسم إقليمياً ودولياً، ومن ثم تطرح على الشعب العراقي، كحكومة وطنية منتخبة. واذا ما اخذنا الحكومات التي سبقت حكومة السيد الكاظمي بنظر الاعتبار، فأننا نرى، بأن الحكومة أو رئيس الوزراء الذي لا يوازن بين طرفي النزاع سيكون قريب من خط النهاية، وسيُطاح به وبحكومته، وهذا ما حدث مع السيد المالكي في ولايته الثانية والسيد عادل عبد المهدي، وربما لذات الاسباب ايضاً تراجعت بعض القوى السياسية عن دعم السيد العبادي لولاية ثانية، وامتعضت بعض القوى السياسية الشيعية من تكليف السيد رئيس الجمهورية للنائب عدنان الزرفي. لهذا سيكون السيد الكاظمي إمام معادلة سياسية (إقليمية ودولية) صعبة للغاية، ولاسيما في ظل الصراع الأمريكي – الإيراني، وتمرد الفصائل المسلحة على الحكومات العراقية وعدم احترامها السيادة العراقية، التي انتهكت بشكل متكرر في الآونة الأخيرة من قبل الجانبين، على الرغم من تأكيد السيد رئيس الوزراء المستمر، بأن علاقات العراق الخارجية يجب أن تكون علاقات ناجحة ومتوازنة. 

بالرغم من ذلك، نعتقد بأن عملية إدارة التوازن في العلاقات الخارجية، ولاسيما بين طرفي النزاع (أميركا وإيران)، تبدأ من خلال إدارة العملية السياسية الداخلية بشكل صحيح، عن طريق إدارة اللعبة السياسية داخلياً، مع القوى الشيعية المتشددة اتجاه مفهوم الدولة؛ لأن اغلب تلك القوى تحاول أن تلتهم الدولة وتضع مقاسات محددة لها وللحكومة في إطار تعاملها مع العالم الخارجي، وفقاً لنظريات ايديولوجية (مذهبية – طائفية)، وبعيداً عن واقع ومنطق الدولة القومية الحديثة. وإذا ما اصرت تلك القوى على فرضياتها السياسية ورؤيتها الضيقة، ربما نكون امام سيناريوهات خطيرة جداً، ولاسيما في حال اصرت القوى السياسية الشيعية على مفاهيمها الايديولوجية الضيقة ومواقفها المتشددة اتجاه الدولة بشكل عام، وستبقى علاقة الحكومة مع الحشد الشعبي، علاقة يشوبها الكثير من الغموض والاشكاليات المؤجلة، أن لم تأخذ الحكومة على عاتقها حل تلك الاشكاليات وفض الشراكة بينهما لصالح الدولة والقانون واخضاعها لفرضيات الأمن الحديثة، التي تخول الدولة وتمنحها حق استخدام العنف الشرعي. 

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية