العلاقات العراقية-الاميركية: مقتضيات المصالح الامنية الوطنية في المرحلة الراهنة

مع بداية العام الجاري، تعرضت العلاقات الاميركية العراقية لتحولات كبيرة عقب عملية اغتيال قاسم سليماني وجمال جعفر المهندس يوم 3/ كانون الثاني الماضي، وما اعقبها من تباين المواقف السياسية بين رافضة للعملية من قبل" القوى الدينية والسياسية الشيعية" المؤثرة في المشهد العراقي تكللت بتصويت تلك القوى في مجلس النواب على قرار يتضمن توصية لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة (حكومة تسيير الامور اليومية ) لجدولة انسحاب القوات الاميركية من العراق، وأخرى التزمت الصمت كما في بعض "القوى السنية"، واخرى رفضت بوضوح قرار مجلس النواب كالتحالف الكردستاني الذي يتعامل بمنهجية براغماتية تراعي مصالح الاقليم بعيدا عن المركز.

وبصرف النظر عن الدوافع وراء سلوك "القوى السياسية الشيعية" الانفعالي الجزئي المدفوع بإرادة خارجية اقليمية (إيران)، وانعكاس تلك الارادة سلبا على علاقات بغداد وواشنطن لتجعلها غير واضحة ومعدومة الهدف من جانب بغداد رغم اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين، فأن صانع القرار العراقي مطالب برعاية مصالح العراق بشكل اساسي في المرحلة المقبلة. 

إذا ما بحثنا المسألة بموضوعية وبما يعزز مصالح العراق وفق ارادة وطنية، بعيدا عن الانفعالية وتأثير الارادة الايرانية – نرى ان العراق لازال بحاجة الى علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الاميركية ولاسيما في ظل الاوضاع الراهنة وعلى صانع القرار العراقي ان يضع ثوابته ويستجمع اوراقه قبيل الحوار الاستراتيجي مع الادارة الاميركية المقترح في حزيران المقبل من قبل وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو.

نناقش هذا الموضوع في مرحلة نشهد فيها إلتفاف " القوى السياسية الشيعية" على رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي ومطالبته بسحب القوات الاجنبية من العراق ليكون اول الملفات التي تعمل عليها الحكومة القادمة، وذلك بعد ان وافقت على تكليفه وشهدت مراسم التكليف.  

في هذه السطور نحاول مناقشة الاوضاع الامنية في العراق، والاجابة على تساؤل، هل العراق بحاجة الى علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وفقا لمقتضيات تعزيز الامن الوطني، ومن ثم تعزيز التعاون مع التحالف الدولي لمكافحة داعش الذي تقوده الولايات المتحدة وبمعيتها 82 دولة؟ وحتى الان، ووفقا للتحالف الدولي، فأنه انسحب من (6) قواعد ومواقع عسكرية 

على مستوى المواجهة العسكرية والتنسيق مع القوات العراقية لمواجهة مع بقايا داعش،

إذا ما اخذنا مرحلة ما بعد هزيمة داعش عسكريا وانهاء وجوده الظاهري على الاراضي العراقية وهي مرحلة ما بعد كانون الاول 2017، التحالُف الدولي أخذ يُزود معلومات هامة الى القوات العراقية تخص تحركات بقايا داعش، ورصدهم عبر طائرات. ونقلا عن جهاز مكافحة الارهاب فان العمليات التي نفذها الجهاز كان يعتمد في بعض المعلومات على التحالف الدولي بنسبة كبيرة. وما يدلل على ذلك، اخذت بقايا داعش في الفترة الاخيرة تتحرك وتضرب وتشن تعرضات من دون علم مسبق لدى القوات العراقية بعد غياب دور المعلومة التي كان يوفرها التحالف الدولي. 

وهذا الامر يدعونا الى اعادة التفكير والاستفادة من الفرصة التي يوفرها التحالف الدولي وتأكيداته على الاستمرار في مساعدة العراق. ففي 23 اذار الماضي، أعلن التحالف الدولي في بيان له " ان عمله لم ينته بعد إذ لا يزال تنظيم داعش يشكل تهديداً كبيراً. وسيواصل التحالف الدولي جهوده الشاملة في العراق وسوريا، وعلى الصعيد العالمي، لمنع تحقيق طموحات داعش وأنشطة فروعه وشبكاته، حتى يتم إنجاز المهمة". وان " إن التحديات غير المسبوقة التي فرضها وباء كورونا (COVID-19) على مهمتنا، أدّى الى تعديلات مؤقتة لحماية قواتنا خلال هذه الفترة، بالتنسيق الكامل مع السلطات العراقية". 

ان التعرضات التي شنتها مجاميع داعش الارهابية تدعوا الى استثمار الجهود الدولية في إطار التحالف الدولي الذي أكد انه اعاد تمركز قواته في قاعد عسكرية تحت سيطرة القوات العراقية. ففي بيان للتحالف في 20 اذار الماضي أكد على، " بفضل النجاحات التي حققتها قوات الأمن العراقیة في قتالها ضد داعش، یقوم التحالف بإعادة تمركز قواته في عدد قلیل من القواعد الصغیرة. ان ھذه القواعد تبقى تحت السیطرة العراقیة وسنواصل شراكتنا في المهمة الإستشاریة لتحقیق الهزيمة الحتمیة لداعش من قواعد عسكریة عراقیة أخرى – وتوفیر الدعم المتخصص الذي تشتد الحاجة اليه، وسنبقى شركاء من خلال التعاون الوثیق مع قوات الأمن العراقیة في المقر العام، من أجل أمن القاعدة المشتركة وتبادل المعلومات التكتیكیة والعملیات ضد داعش".

على مستوى التدريب، لا يمكن انكار جهود التحالف الدولي في تدريب العديد من عناصر قوات الامن العراقية. اذ قام التحالف بتدريب 126,500 من قوات الأمن العراقية، بما في ذلك التدريب على تقنيات مكافحة العبوات الناسفة، حتى تتمكن القوات العراقية من مساعدة الناس على العودة الى مناطقهم والبدء في إعادة بناء حياتهم بسرعة – وبشكل آمن – قدر الإمكان. كما وفر شركاء التحالف مدربين ومعدات إضافية كجزء من البرنامج. وحتى اللحظة الراهنة، تلقى ما يزيد عن ألف ضابط شرطة من الشرطة المحلية والوطنية في العراق تدريبًا من خلال هذه المبادرة.

على مستوى اعادة النازحين وجهود اعادة الاستقرار،

بدعم من التحالف، عاد أكثر من 3.2 مليون شخص إلى ديارهم في العراق. ويقوم مشروع تمويل المرافق لتحقيق الاستقرار التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والممول جزئياً من قبل التحالف، بتمويل أكثر من (1100) مشروع في 28 موقعاً في جميع أنحاء العراق لدعم هؤلاء الأشخاص. 

وفي إطار ذلك، تأسس صندوق تمويل الاستقرار الفوري (FFIS) في حزيران/ 2015 لمساعدة الحكومة العراقية في تلبيتها لأولويات الاستقرار التي تم تحديدها في المناطق المحررة من سيطرة داعش. وبدعم من أكثر من اثنتي عشرة دولة من شركاء التحالف، اتاح الصندوق للحكومة العراقية آلية حيوية لتلبية الاحتياجات الفورية للمواطنين في أعقاب العمليات العسكرية والتحرّر من سيطرة داعش. استُخدم الصندوق في محافظتي صلاح الدين ونينوى، وتوسع نشاطه في محافظات اخرى. ويهتم الصندوق تمويل الخدمات العامة الحيوية ومنها توفير المياه الصالحة للشرب، وإصلاح الشبكات الكهربائية، وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية وإطلاق مبادرات الأشغال العامة لإصلاح البنية التحتية العامة والمساعدة على تحفيز الاقتصاد.

هذه المهام لازال العراق بحاجة لها، كما انه بحاجة الى الجهود الدولية لإعادة النازحين وتعزيز الاستقرار ولاسيما مع اعداد النازحين الكبيرة، اذ كشفت وزارة الهجرة والمهجرين في شباط 2020 إن "عدد مخيمات النازحين في العراق حالياً يبلغ (86) مخيماً بعدما كان العدد (184) ويقطنها نحو (68) ألف نازح، موزعون بصورة متفاوتة بين (40) و(4000) عائلة في كل مخيم من تلك المخيمات المقامة في كل من إقليم كردستان ونينوى والأنبار بشكل رئيس وفي محافظات أخرى على نحو أقل". 

خاتمة القول، مع الظروف الاقتصادية والتي حتما لم تمكن الحكومة العراقية من توفير متطلبات الدفاع الوطني وتعزيز الامن الوطني والاستقرار، والحد من هجمات خلايا داعش السرية، والاوضاع الصحية التي قد تتجه نحو الخطر المتزايد، ومن رؤية براغماتية تضع مصالح البلاد اولا، تتأكد حاجة العراق للمساندة الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي لمكافحة داعش، وتملك التأثير الاقوى في المنظمات الدولية العاملة في العراق. وبالتالي فأن المطالبة بأنسحاب القوات الاجنبية لا يكون ذو جدوى خاصة إذا علمنا ان الولايات المتحدة بإمكانها القيام بعملياتها العسكرية من دون الحاجة الى قواتها المتواجدة في القواعد العسكرية العراقية كما حدث في عملية اغتيال المهندس وسليماني الاخيرة، هذا من جانب.

ومن جانب آخر، تلافي فشل حكومة عادل عبد المهدي في حماية القواعد العسكرية العراقية التي تضم القوات الاميركية وتصحيح المسار بتوفير السلامة لها، ووضع اسس ثابتة للتعاون الامني يعزز حماس الادارة الاميركية لإقرار "صندوق التدريب والتجهيز" لمكافحة تنظيم داعش المقرر للسنة المالية 2021، كما يدفع الادارة الاميركية الى تذليل الشروط الصارمة حول توفير الأسلحة والتدريب والدعم اللوجستي الأمريكي للعراق.

التعليقات