السلطات و"القوى السياسية" العراقية بحاجة لتملّك رؤية للعمل الاجرائي اذا ما كانت فعلا مريدة لهدف بناء الدولة وتصحيح المسار في ترميم ما يمكن ترميمه في المرحلة الحالية مستفيدة من ضغط الجماهير كمساند قوي ضد قوى الاعتراض على الاصلاح والتغيير
تشهد العاصمة بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق استمرار لحركة الاحتجاج وتوسع تلك الاحتجاجات وزيادة يومية في اعداد المنضمين لها، فضلا عن التعاطف الشعبي الكبير لها والذي ظهر جليا في تحدي وكسر قرارات حظر التجول التي اعلنتها الحكومة، وقيام موظفي بعض الدوائر والمديريات لبعض الوزارات بالإضراب عن العمل في تلك المحافظات على الرغم من توجيهات من الوزارات الاتحادية بالالتزام بالدوام ومحاسبة المخالفين، حتى وصل الامر الى اعلان العصيان المدني في عدد من المحافظات كما في محافظات واسط والنجف وبابل وغيرها.
الاحتجاج دائما هدفه احداث التأثير وتصعيد الضغط على السلطات لتستجيب لمطالب المحتجين وتحقيق اهدافهم. وما شهده بلدنا العراق منذ بداية تشرين الاول الماضي هو تطور طبيعي لحركة الاحتجاج بدءا من التظاهر ثم توسعها افقيا وزيادة المشاركين فيها، تبعها اضراب لبعض النقابات الفاعلة كنقابة المحامين والمعلمين حتى وصلت الى ماهي عليه اليوم بوجود اضراب عام وعصيان شمل معظم محافظات وسط وجنوب البلاد.
وإذا ما عدنا الى هدف تحقيق التأثير، فالمحتجين غالبا ما يبحثون عن وسائل وطرق جديدة تحقيقه، ولكن عدم إدراك عدم تحقيق الهدف عندها تلجأ الجماهير الغاضبة الى ابتكار وسئل اكثر تصعيدية. وهذا امر طبيعي تشهده معظم الاحتجاجات الى مستوى العالم بما فيها الدول الاكثر رفاهية اقتصادية وذات النظم الديمقراطية.
الى الآن هذه المسارات طبيعية، ولكن ما هو غير طبيعي تعامل السلطات بوحشية وارهاب مع المحتجين في والذي قاد الى مقتل ما يقارب من 300 مواطن وجرح ما يقارب 12 الف آخرين. ولذلك نجد ان مسارات التظاهر اتسعت اكثر واتسمت بأنضمام فئات اجتماعية اكثر مثل العشائر وباقي النقابات المهنية، فضلا عن تزايد المنضمين لها من الطبقة الوسطى و طلبة الجامعات والمدارس الثانوية.
استمرار التجاهل لمطالب الجماهير والتعامل معها بقسوة يُفشل تحقيق هدف التظاهر الا وهو تحقيق التأثير، كما انه عامل اساس في تصاعد مسارات الاحتجاج ويدفعه للتحول الى غضب عام وعندها قد تكون وسيلة استخدام العنف هي الوسيلة الأنجع من وجهة نظر المحتجين. وهذه المرحلة ستكون سماتها الفوضى والاقتتال الداخلي والذي سيفضي الى الحرب الاهلية وسيتعرض الامن والسلم المجتمعي لخطر الانهيار وانعدام مظاهر الدولة والامن. لاسيما مع معاناة العراق الازلية من امرين اساسيين وهما انتشار السلاح لدى مجموعات وجهات متعددة، والضعف الكبير في القدرة والكفاءة على انفاذ القانون لدى المؤسسات الامنية والقضائية
ولذلك تسعى السلطات في الدول التي تشه تظاهرات الى ادارة الازمة بحكمة وواقعية لتجنب التصعيد في مسارات الاحتجاج. ولكن في العراق لازالت السلطات ومن انجبها من "القوى السياسية" لاتعي خطورة الموقف ووقعت في فخ سوء تقدير الموقف وقراءة المسارات التي تبلورت منذ بداية تشرين الاول الماضي. وقادة الى التصعيد التي تشهده البلاد حاليا.
السلطات و"القوى السياسية" العراقية بحاجة لتملّك رؤية للعمل الاجرائي اذا ما كانت فعلا مريدة لهدف بناء الدولة وتصحيح المسار في ترميم ما يمكن ترميمه في المرحلة الحالية مستفيدةً من ضغط الجماهير كمساند قوي ضد قوى الاعتراض على الاصلاح والتغيير. وبخلاف ذلك فان التصعيد المفضي الى استخدام العنف ليس ببعيد وحينها لا يمكن ادارة الازمة باتجاه تحويلها الى فرصة وستُثقل تلك "القوى" والسلطات بمهام ايجاد نوع من توازن القوى الحامي لمصالحها الفئوية الضيقة وسط مشاهد ضياع الدولة والمجتمع وسيكون الجميع في خانة الخسارة.
اضافةتعليق