تتصاعد مواقف " القوى السياسية" في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الايام الاخيرة حول سحب الثقة عن الحكومة الحالية برئاسة السيد عادل عبد المهدي بعد عقد النية على استجواب عدد من وزرائها مع قرب نهاية السنة الاولى على عمرها. والتصريحات والمطالب تختلف حول اسباب سحب الثقة، والبعض من التصريحات التي تبحث عن دعم للحكومة الحالية ومنحها فرصة اخرى توحي برغبة مخبئة بإمكانية تحقيق مصالح حزبية أكثر في الفترة المقبلة.
معروفة للجميع كيفية تشكل الحكومة الحالية. اذ شكلت عبر توافق سياسي اتخذ طابعا شخصيا بين السيد مقتدى الصدر الداعم لتحالف سائرون والسيد هادي العامري زعيم تحالف الفتح في طريقة لتجاوز عقدة الكتلة النيابية الاكثر عددا والتي اثير الخلاف حولها انتخابات آيار 2018. الامر الذي جعل الحكومة الحالية اسيرة ارادتين سياسيتين اول ما نتج عنهما تجاوز الدستور هو تكليف السيد عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة. ولأن الاخير لم يكن مرشح في اي من القوائم الانتخابية، لذا افتقدت الحكومة ميزة الكتلة النيابية الكبيرة التي يمكن ان تسندها، وهذا ما جعلها تختلف عن الحكومات السابقة.
لم يكن الاحراج الحالي للحكومة بسحب الثقة هو الاول، فعلى الرغم من تأييد كتل سياسية لرئيس الوزراء المكلف لتشكيل حكومته من دون فرض شخصيات حزبية، الا ان رئيس الوزراء وقع اسير التوافقات السياسية وبمستوى أكثر تعقيدا مقارنة بالحكومات السابقة بعد 2003. فاستكمال تشكيل الحكومة – والذي لم يتحقق لحد اليوم – شهد صراعات سياسية على وزارتي الداخلية والدفاع في حين بقيت وزارة التربية شاغرة الى اليوم بسبب هذا الاسر ان صح التعبير.
كما نتج عن هذا الاسر تعقد الوضع السياسي وتصاعد قوة وتأثير فاعلين على الساحة السياسية من غير الحكومة كان لهم تأثيرهم في السياسة الخارجية للدولة ولازال البعض منهم يمارس تأثيره على العلاقات الدولية للعراق وأصبح يوازي الحكومة في صنع السياسية الخارجية في ظل التوترات الامنية والسياسية التي تشهدها المنطقة.
كذلك احراج اخر شهدته الحكومة الحالية هو تبني بعض القوى السياسية لخيار المعارضة كتيار الحكمة وتهديد البعض بتبني الخيار ذاته كما في تحالف النصر وسائرون. ورغم ان تبني خيار المعارضة للحكومة لا يمكن ان تكون بالمستوى المعروف في النظم السياسية، وإدراك رئيس الوزراء بعدم بروز معارضة حقيقة، الا ان ابتعاد تلك القوى عن الحكومة يجعلها في وضع هش. وهذا ما خشي منه رئيس الوزراء في رسالته الطويلة للسيد عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الوطني. وما زاد من الفجوة بين الحكومة وتلك الكتل السياسية هو التماهي الكبير الذي ابدته الحكومة تجاه اقليم كردستان في ملف الامن في كركوك والمناطق المتنازع عليها وملف تسليم نفط الاقليم الى الحكومة الاتحادية في تجاوز واضح لقانون الموازنة الاتحادية لعام 2019.
من دعم تشكيل الحكومة مع هذا الخرق الدستوري يطالب اليوم بسحب الثقة عنها. ويرى الكثيرين ان ذلك ممكن، وهذه نتيجة متوقعة لحكومة بدون سند نيابي مؤثر. لكن واقع الحال والاشكاليات السياسية التي رافقت تشكيل الحكومة والى اليوم تنبئ ان سحب الثقة عن الحكومة بحاجة الى ذات التوافق السياسي -الذي اتخذ طابعا شخصيا كما ذكرنا – الذي جاء بالسيد عادل عبد المهدي ودعم تشكيل حكومته. وهذا ما تدركه جميع الكتل النيابية والداعين الى سحب الثقة عن الحكومة؟
لكن إذا كان هذا هو المدرك، لماذا هذا التأكيد والتكرار على موضوعة سحب الثقة؟
أبرز دعوات سحب الثقة عن الحكومة والدعوة الى انها فشلت تأتي من قوى (تيار الحكمة الوطني، تحالف سائرون، تحالف النصر) وجميعهم ينتمون الى تحالف الاصلاح والاعمار. اما القوى السياسية في التحالف المقابل (تحالف الاعمار والبناء) الذي يكتفي نوابه بالدعوة لاستجواب بعض الوزراء ومنح الحكومة فرصة اخرى وتقديم الدعم لها.
بالنسبة لتيار الحكمة الوطني الذي أعلن عن تبنيه خيار المعارضة يهدف الى تجسيد خيار المعارضة على ارض الواقع لاظهار التزامه بما أعلن عنه امام جماهيره وناخبيه. اما تحالف سائرون والذي هدد مراراً بأمكانية اعلانه كتحالف معارض داخل مجلس النواب، فهو يحاول ان يفي بتعهداته الصارمة بعدما منح الحكومة فرصة لاكمال التزاماتها خلال السنة الاولى، ويريد فعلا ان يخرج من حرجه امام جماهيره وناخبيه. وعلى الرغم من عدم نجاح الحكومة في الملفات الرئيسة التي تعهدت بها مثل ملف مواجهة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة وتقديم الخدمات، الا ان التحالف لا يمكنه محاسبة الحكومة وسحب الثقة عنها مع عدم بلورة رؤى واضحة عن البديل المناسب. كذلك الحال مع ائتلاف النصر، اذ ظهر زعيمه السيد حيدر العبادي في مواقف عدة منتقدا اداء الحكومة وأنها ضيعت المكتسبات التي حققتها حكومته، كذلك ظهور بعض نواب الائتلاف منددين بالأداء الحكومي. ولكن مع فشل الحكومة الواضح، الا انهم ايضا امام التزام جماهيري وناخبين مع اعلانهم تبني خيار " المعارضة التقويمية".
عليه لا يمكن لتحالف الاصلاح والاعمار النجاح في مهمة سحب الثقة عن الحكومة من دون دعم تحالف البناء بقيادة السيد هادي العامري ومن دون اتفاق سياسي بين قيادات أبرز قوتين في ادارة السلطة السياسية في البلاد وهما تحالف سائرون وتحالف المحور لان تجاوز قضية الكتلة النيابية الاكثر عددا لا يقيد الحكومة والرقابة على ادائها فحسب، بل يجعل قرار مصير الحكومة اسير زعامات معينة بعيدا عن مجلس النواب.