الفيدرالية هي نظام يقوم على اساس مركب بمعنى وجود ولايات عدة او مقاطعات او دول وهذه الاخيرة تنظوي جميعها تحت ادارة دولة اتحادية تتنازل عن بعض صلاحياتها لصالح الدولة الجامعة او الشاملة لهم لا سيما موضوع السيادة والعلاقات الخارجية والدفاعية والمالية احياناً ، الى جانب تمتع الولايات الفيدرالية بالاستقلالية في الامور الاخرى غير التي ذكرت اعلاه ، اي لها اطر قانونية وتشريعية وتنفيذية وبحسب طبيعة الاتفاق ما بين الدولة الاتحادية والولايات التابعة لها , كما وان هنالك دول تنجح فيها الفيدرالية واخرى تفشل على وفق عدة معطيات والعراق احدى هذه الدول التي تواجه صعوبة في تطبيق النظام الفيدرالي رغم الدعوات لذلك ورغم وجود اقليم كردستان كواقع حال فرض نفسه ما بعد 2003 الا ان التحديات تقف عائقاً امام تطبيق ذلك النظام ومنها ما يلي :
1- التحدي الديمقراطي :
تعتبر الديمقراطية من اهم ركائز تدعيم النظام الفيدرالي بل تعد متلازمة لإنجاحه والا لا طائل من نظام فيدرالي ديكتاتوري بعيد عن التداول السلمي للسلطة و الحريات العامة و الشخصية ، اضافة الى تقاسم الصلاحيات وتفويض الولايات بعدة امور تشريعية وتنفيذية وحتى قضائية في اطار الولاية ، كما وان وجود الديمقراطية يعزز من قدرة المؤسسات على استيعاب دورها المرسوم بما يتلاءم مع متطلبات النظام الفيدرالي ، اما في العراق وبالرغم من مضي خمسة عشر عاماً على التحول الديمقراطي الا ان العراق لا يزال في مرحلة الانتقال الديمقراطي دون الوصول لمرحلة تعزيز الديمقراطية ، اذ لا زلنا نشهد اخفاقات عدة على مختلف المستويات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية فضلاً عن تغلغل المحاصصة في مختلف مفاصل الدولة وقصور في النظام الانتخابي ووجود تداخل في الصلاحيات واستشراء الفساد السياسي وترهل الجانب الوظيفي وغيرها من المشاكل التي تحتاج الى حلها حتى يتسنى لنا الدخول في النظام الفيدرالي .
2- التحدي الثقافي والاجتماعي:
التغيير السياسي الذي حدث عام 2003 اشتمل على تغيير جذري طالت مؤثراته النظام الاجتماعي والاقتصادي والثقافي فضلاً عن السياسي ، وهذا التغيير قد ترك عدة بصمات سواء على الثقافة العامة او حتى الشخصية وبالرغم من اشاعة الاجواء الديمقراطية الا ان غالبية المواطنون لا يعون لدورهم المحوري سواء في الانتخابات او الفعاليات الاخرى ويظهر ذلك جلياً من عامل الدعاية الانتخابية او عبر اختيار شخوص بناءً على توجيه من زعيم الحزب او الطائفة او القومية ، اضافة الى تعبأة الشارع واستغلاله من قبل بعض النخب السياسية من اجل تحقيق غايات سياسية ، وفي ظل هذا الكم الهائل من المشاكل كيف يمكن ايجاد نظام فيدرالي ذات مسؤوليات كبرى تتحملها حكومات محلية في ظل مجتمع يميل للمركزية في اية توجه سياسي واجتماعي .
3- التحدي الاقتصادي:
في ظل التقسيم الجغرافي وطبيعة وجود الموارد فأنها فرضت ظهور النفط في جنوب العراق وبعض مناطق الشمال ، وفي هذه الحالة اذا ما قامت الفيدرالية وحصلت الولايات الجنوبية على نوع من الاستقلال المالي فأنها سوف تستحوذ على الحصة الاكبر وهذا ما يتخوف منه ساكني المناطق الغربية والصحراوية لكونهم المتضرر الاكبر ، فضلا ً عن التفاوت الاقتصادي ما بين الولايات او الاقاليم ستكون له ابعاد اخرى ربما تؤدي لنشوب حروب داخلية هدفها الاستيلاء قدر المستطاع على تلك الثروات في ظل غياب المركز القوي او حتى ان تم تضمينها فيما بعد كقانون او في الدستور الاتحادي ما هو الضامن للالتزام بها ، واقرب مثال ان اقليم كردستان يأخذ من حصة الموازنة العامة للدولة في حين يعرقل ايصال عوائده المالية للحكومة الاتحادية في بغداد .
4- التحدي الطائفي:
طرح مشروع الفيدرالية لمرات عدة ما بعد 2003 لا سيما الدعوة الى اقليم الوسط والجنوب ومن ثم الدعوة لإقليم البصرة ليتبعها الدعوة لإقليم المحافظات السنية او مشروع جو بايدين، واغلب هذه المشارع كانت تصطدم بالعنصر الطائفي باعتبار طبيعة تلك المناطق تميل لعنصر سكاني كما في اقليم الوسط والجنوب سيكون شيعياً واقليم الغربية سنياً ووجود اقليم كردستان الكردي وهذه التشكيلة ستؤجج الصراع الديني وهو اخطر ما موجود لا سيما وان العامل الخارجي سيكون حاضراً وبقوة لفرض رؤيته وبالتالي ربما نشهد حرباً بالوكالة او حتى صراع اقليمي .
وبصورة عامة فأن النظام الفيدرالي جاء للتخفيف من الضغط على الحكومات المركزية وبالتالي ملامسة مباشرة لمتطلبات المواطن في ظل الانظمة الفيدرالية وتوزيع للأدوار وهو نظام ناجح في اغلب دول العالم المتبع فيها كالولايات المتحدة وكند وسويسرا ، الا ان وضع العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي غير مهيأ في الوقت الراهن لوجود عراقيل وتحديات كبيرة جرى ذكرها في اعلاه ، وهنا تبرز الحاجة لوقت اطول حتى تنضج التجربة الديمقراطية والتغلب على الصعوبات التي تواجه تعزيز الديمقراطية ومن ثم بعدها الاخذ بالنظام الفيدرالي كنظام اداري وسياسي سوف يكتب له النجاح بعد تجاوز العوائق .