المعارضة هي مصطلح يحمل ما بين طياته جوانب عدة الا ان اشمل مفهوم لها عندما تكون في المجال السياسي وغالباً ما تكون متلاصقة معه حتى تعرف " بالمعارضة السياسية " وغالباً ما يكن ميدانها الاساس في الدول ذات النظام البرلماني عندما تظهر جماعة سياسية او احزاب او قوى تختلف مع الحكومة في البرامج والاهداف والاساليب وحتى التنفيذ وطبعاً نتكلم هنا عن الانظمة الديمقراطية ، كما هو الحال في بريطانيا فهناك حكومة قوية ومعارضة قوية والتي يطلق عليها بحكومة الظل نظراً للدور والتأثير الايجابي الذي ينعكس على واقع النظام ودفع عجلة التقدم للأمام وبالتالي تنتظر المعارضة دورها في استلام زمام الامور عبر الانتخابات وهنا الحديث عن المعارضة السلمية وفي الدول الديمقراطية ، اما في الدول الدكتاتورية فالأمر يختلف لكون المعارضة تتشكل اما في السر او خارج حدود الدولة ويجري التغيير اما بثورة مسلحة او انقلاب عسكري او تدخل خارجي بعكس الدول ذات الانظمة الديمقراطية والتي يشترط فيها حرية التعبير وابداء الراي وتكوين الاحزاب السياسية التي تنقسم ما بين الاحزاب الماسكة للسلطة واخرى معارضة للسلطة وهنا تكون الحالة على اتمها .
اما في حالة العراق ما بعد 2003 فالموضوع مختلف جذرياً ويثير الاستغراب في حل المعادلة المعقدة التي جوهرها الجميع يحكم والجميع يعارض وهي ظاهرة تكاد تكون فريدة فبعض الاحزاب و القوى السياسية تجدها في الحكومة وفي الوقت عينه في المعارضة ، وهذا الامر يتبع المصالح والنفوذ والحصول على المكاسب مع غياب الارادة الحقيقية لولادة معارضة ايجابية تعمل على تشخيص الخلل وتنبيه الحكومة عليه او كشف حالات الفساد ولعب دور الرقيب و محاسبة ومسائلة المقصرين ، اضافة الى مخاطبة الجماهير وتثقيفهم وحثهم على المشاركة الفعالة في مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية وتحويلهم الى طاقة ايجابية ، وهناك اسباب عدة لغياب تلك المعارضة منها ما يتعلق بتجربة نظام صدام وما لاقته المعارضة من ظلم واضطهاد وتصفية وتهجير خارج البلد مع تضائل فرصتها في تحقيق اي تغيير وسط احكام النظام قبضته على السلطة قبل ان يجري اسقاطه عام 2003 ، وهذا الشيء بقى عالق في اذهان تلك القوى السياسية خوفاً من تكرار التجربة كما وان اغلب القوى التي كانت في خانة المعارضة لا تود تكرار التجربة لكونها صبرت ونالت بحسب ما يدعون فليس بالسهولة ان تفرط بكل هذه الامتيازات السياسية والاقتصادية التي اكتسبتها عقب سقوط النظام ، وهذا ما يفسر تمسكها بأن تكون جزء من الحكومة وحتى القوى الاخرى تخشى التوجه للمعارضة في حين ميزة النظام البرلماني في ايجاد معارضة قوية وليس التشبث بالمناصب او المحاصصة السياسية وتنتهي مدة معارضة بعض الكتل ما ان تحصل على منصب او اعفاء مسؤوليها من المسائلة وهذا خلل يؤشر على مجمل العملية السياسية عقب التغيير السياسي عام 2003 .
والامر اعلاه قد يبقى ملازم لأية حكومة جديدة حتى وان رفعت بعض الاحزاب شعار المعارضة الا انها لا تصمد كثيراً اما المغريات السياسية او يجري استمالة بعض اعضائها لصالح صف الحكومة وبالتالي تجري الانشقاقات ، وحتى في ظل مباحثات تشكيل الحكومة الجديدة وبالرغم من وجود فرصة كبيرة مع تقارب نتائج الكتل السياسية وكثرة الاخلافات ما بينها ووجود صفين يختلفان مع بعضها وكلاً يحاول تشكيل الحكومة بعيداً عن الاخر وهي فرصة لولادة معارضة جادة قد تتكلل بالنجاح هذه المرة في حالة الابتعاد عن المحاصصة والمضي بالأغلبية المريحة لإسناد الحكومة في مشاريعها وبالتالي يبقى الامل معلقاً بانتظار الكتلة الاكبر لولادة حكومة قوية مع معارضة قوية على ان يكون دورها ايجابي وليس معرقل لعمل الحكومة بحجة انها معارضة .