بعد تشكيل اللجنة العليا، لن تصادق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات التي صادق عليها مجلس المفوضين لحين اتمام اللجنة لعملها ورفع توصياتها، وربما لن تصادق نهائيا ويبقى الامر متوقفا على ما سيُتخذ من اجراءات لحل كل الاشكاليات التي رافقت علمية الاقتراع
اثنا عشر يوما مرت على الانتخابات التشريعية في العراق والتي جرت يوم 12 آيار الجاري، وشكلت احداث يومي 23 و24 آيار تحولا مهما في مسيرة تلك الانتخابات بعد عقد جلسة مجلس النواب وجلسة مجلس الوزراء. فبعد ان صُمت الآذان عن الخروقات وعمليات التزوير والحرمان من التزوير التي شابت تلك الانتخابات في محافظات الانبار وصلاح الدين والموصل والسليمانية وكركوك وديالى وجزئيا بغداد، ورفض مفوضية الاتتخابات تسليم نسخة الكترونية من اوراق الاقتراع الى الكيانات السياسية، وعدم تمكن مجلس النواب من الانعقاد لمناقشة الموضوع الا بشكل تداولي، وظهور ادلة وثائقية من قبل بعض الجهات السياسية للإعلام، وبعد ان قدم جهازي الامن الوطني والمخابرات ادلة تثبت عدم صلاحية اجهزة العد والفرز وسهولة اختراقها وتغذيتها وسحب بيانات منها، وكذلك شبهات الفساد التي طالت التعاقد لشراء تلك الاجهزة. اصبحت الحكومة في حرج كبير، الامر الذي دفع مجلس الوزراء للانعقاد وكانت جلسة مهمة حضرها مسؤولي اجهزة المخابرات والامن الوطني وديوان الرقابة المالية والهيئة القضائية لمفوضية الانتخابات، واتُخذت فيها قرارات جريئة تخص العملية الانتخابية واهمها تشكيل لجنة عليا منحت صلاحيات واسعة للاطلاع على تفصيلات العملية الانتخابية لرفع توصيات الى مجلس الوزراء والمحكمة الاتحادية العليا والهيئة القضائية في مفوضية الانتخابات.
ما ذكر من روايات وقصص حول الانتخابات من قبيل بيع مراكز انتخابية وتشكيل اخرى وهمية لمصلحة مرشحين معينين في مناطق نائية والعدد الكبير الغير حقيقي لأصوات الخارج، وفقدان مرشحين حتى لأصواتهم في محافظة السليمانية على سبيل المثال لا الحصر، كان يتوجب على الحكومة والمفوضية والسلطة القضائية الوقوف عندها وتشكيل لجان بشأنها للوقوف على الحقائق، لا ان يصرح رئيس مجلس الوزراء بعد يوم من العملية الانتخابية بصحة اجرائها وتهنئة القوى الفائزه فيها في وقت كانت الاعتصامات والاحتجاجات في كركوك على أشدها.
يمكن حصر اهداف عمليات التزوير باشكالها المتعددة بهدفين: الاول، اقصاء مكونات معينة مثا العرب والتركمان في كركوك، والاخر هو قمع قوى سياسية جديدة ارادت التغيير وانقاذ ابناء محافظاتها من القوى الفاسدة التي عملت على التزوير كما حصل في بعض مناطق محافظات الانبار وصلاح الدين ونوعا ما ديالى.
لذا كان ينبغي الوقوف بجدية وموضوعية عند الحالات السلبية التي لازمت عملية الاقتراع، لأن كل تلك الحالات تتسبب بانهيار الشرعية التي يراد للنظام السياسي وعناصره ان يتحصل عليها عبر الانتخابات لا سيما اذا ما اُريد له ان يكون ذو مسار سليم يقود الى مبتغاه ويجعل قواعده وآلياته محققة لأهدافها في ادارة شؤون البلاد وتحقيق رفاهية الافراد.
لذا لو استمرت الحكومة والاجهزة القضائية والرقابية بغض النظر عن حالات التزوير تلك باشكالها المتعددة، وظهور ادلة وثائقية دامغة فيما بعد تثبت حصولها، لأصبحت الادارة السياسية لما بعد الانتخابات فاقدة لجزء كبير من الشرعية في ممارستها للسلطة لاسميا في المناطق التي حصلت فيها تلك الحالات، وسيكون للناخبين المسروقة اصواتهم موقفا رافضا لسلطة الدولة واداء مؤسساتها هناك بدون أدنى تدقيق بعملها، ناهيك عن فقدان الثقة بين الجمهور والادارة السياسية. وهنا يكون النظام السياسي في مواجهة ازمة شرعية تنخر اساساته تدريجيا لحين الاطاحة به لاسيما في ظل اوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مزرية، وبيئة اقليمية مضادة في اغلبها لفكرة التغيير السياسي نحو الانتقال الى الديمقراطية ونظام الحكم الديمقراطي وعلى راسها الانتخابات. هذا من جانب،
من جانب آخر، وسياسيا، يتبادر الى الذهن السؤال التالي: لما ترفض اغلب القوى السياسية وتشكك باجراءات مفوضية الانتخابات وتصف الانتخابات الاخيرة انها الاسوأ في العراق بعد 2003، وهي ذاتها أي (القوى السياسية) من ساهمت في تشكيل المفوضية على اساس محاصصاتي قومي طائفي حزبي بعدما رفضت مقترح حل المفوضية وتشكيل لجنة من القضاء لادارة الانتخابات كما هو ساري في اغلب الديمقراطيات العتيدة؟ الم يكن من المتوقع ان يرافق الانتخابات كل ذلك التزوير ومصادرة وتحريف ارادة الناخبين في ظل مفوضية غير مستقلة فعلياً؟
انقسمت القوى السياسية بين مؤيدة لاجراءات مفوضية الانتخابات ووصفتها بانها سارت بشكل جيد، وأخرى رافضة كليا لادائها ووصفتها بانها مسؤولة عن التزوير والتلاعب باصوات الناخبين. القوى المؤيدة سلمت بنتائج الانتخابات لانها حصلت على عدد من المقاعد مايؤهلها للحصول على مراكز تنفيذية في الدولة وخاضت حوارات ولقاءات لرسم صورة معالم الحكومة القادمة، في حين بقيت القوى السياسية الرافضة للنتائج مطبقةً على موقفها في اعادة الفرز والعد بالطريقة اليدوية واحالة المتسببين بالتزوير الى القضاء لمحاسبتهم ودعت بعضها صراحة لتشكيل مليشيات لحماية الديمقراطية كما في محافظة السليمانية!!
عليه حسناً فعلت الحكومة والاجهزة الرقابية والقضائية بخطوتها الاخيرة – مع انها متأخرة -وهي تحاول الخروج من الازمة بأقل الخسائر. اذ بعد تشكيل اللجنة العليا، لن تصادق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات التي صادق عليها مجلس المفوضين لحين اتمام اللجنة لعملها ورفع توصياتها، وربما لن تصادق نهائيا ويبقى الامر متوقفا على ما سيُتخذ من اجراءات لحل كل الاشكاليات التي رافقت علمية الاقتراع.
وبذلك نكون امام ثلاث مشاهد: الاول، اقرار صحة جميع اجراءات مفوضية الانتخابات ومن ثم المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية وتتوالى باقي الخطوات الدستورية لتشكيل الحكومة وهذا يعني غض النظر عن ما جرى من تحريف لإرادة الناخبين في المحافظات المذكورة اعلاه، الامر الذي يعرض النظام لنقص كبير في الشرعية – كما اسلفنا- وسيواجه الكثير من المشاكل ولن يكون بعيدا ظهور اعمال عنف لان عملية التزوير استهدفت مكونات معينة كما حصل مع العرب والتركمان في كركوك تارة، وتيارات سياسية معارضة داخل المكون هدفها ازاحة الكتل المتنفذة التي سببت الويلات لابناء المكون كما حصل في محافظات الموصل وصلاح الدين والانبار. ومع ذلك، تبقى احتمالية حدوث هذا المشهد ضعيفة لان ادلة التزوير بكل اشكاله بدأت تظهر وبغزارة وبالتالي لايمكن غض النظر عنها لاسيما وأنها اصبحت قضية جماهيرية عامة.
المشهد الثاني، الغاء نتائج الانتخابات كليا واعادة الانتخابات على ان يحدد لها موعد جديد. اذ رجح كثير من اعضاء مجلس النواب ان حصول الغاء لنتائج الانتخابات ليس ببعيد مع ما حصلت عليه اللجنة العليا المذكورة من صلاحيات واسعة وما عرضه بعض النواب من وثائق تثبت التزوير امام القضاء وداخل مجلس النواب وفي الاعلام. ولكن مضاعفات تحقق هذا المشهد ستكون أصعب. اذ ستنتهي صلاحية البرلمان يوم 30 حزيران القادم وستحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال. كما ان بعض القوى السياسية الفائزة في الانتخابات ستعارض هذا التوجه وهي تمارس هذا الدور عبر ابتزاز وترغيب بعض النواب لعم حضور جلسات مجلس النواب لمناقشة نتائج الانتخابات، ناهيك عن ان نسبة المشاركة الفعلية المتدنية جدا لا يمكن أن توفر حافز على وجود مشاركة واسعة في انتخابات قادمة إذا ما تم اتخاذ قرار بالغاء النتائج. وهنا ستدخل البلاد في ازمة عدم استقرار سياسي يعزز من هشاشة الوضع الامني. وهنا لابد لصانع القرار ان يدرك ويحيط بما سيترتب على ذلك من مضاعفات.
المشهد الثالث: هو اعادة الفرز والعد اليدوي واجراء مراجعة من قبل اللجنة العليا التي شكلها مجلس الورزاء يوم 24 آيار الجاري في الدوائر الانتخابية التي حصل فيها التزوير (المحافظات) وكذلك انتخابات الخارج ويجري تصحيح النتائج بموضوعية. ويبدوا ان هذا الاجراء هو الاقرب والسبب هو في صعوبة تحقق المشهدين اعلاه.
اضافةتعليق