السلام... الغاية السامية التي ناضل من أجلها شعبنا العراقي وقدّم من أجلها الكثير من الشهداء خلال تاريخه السياسي، فمنذ عام 1920، كانت ثورته على الاحتلال لنيل الاستقلال وبعدها نكسة حزيران، ومن ثم الحرب العراقية – الإيرانية والتي لم يكن لها مبرر سوى إرضاء الإمبريالية العالمية وتلاها الحصار الاقتصادي الظالم الذي يعد من أقسى وأشد أنواع الحروب التي آلمت أبناء هذا البلد الصابر، وما إن سقط النظام البائد حتى استبشرنا خيراً واعتبرها البعض نقطة البداية لنهاية الأزمات السياسية والحروب بكل أنواعها... وسرعان ما صُدمنا بلهيب السيارات المفخخة ودوي العبوات الناسفة التي خطفت معها النساء والأطفال والرجال وبات العراق بالإضافة إلى جرحه الراعف يرثى أبناءه الواحد تلو الآخر جراء مصيبة لم يشهد مثلها التاريخ.
ولا يخفى على الجميع سواءً كانوا سياسيين أو مواطنين إن لكل حرب تجًارها، وهم الذين يعملون على قرع الطبول والتمهيد لأرضية يعلو فيها صوت البارود على بكاء الطفل حين يشتاق إلى أبيه الذي ذهب ضحية حرب كلها خسارة... لذا فإن المتابع لبعض القنوات الفضائية سوف يجدها تاجراً حقيقياً يقايض ألم الشعب العراقي مقابل حفنة من الأموال حيث بدأت هذه القنوات ببث إعلانات قد لا يتجاوز وقتها ألـ (10) ثوان لكنها كفيلة أن تعيد العراق إلى الوراء مبتعدة بذلك عن أخلاقيات مهنة الإعلام التي هي أشرف مهنة على أرض الوجود والإساءة لها عن طريق اتخاذها لتكون سيفاً مسلطاً بيد الأعداء ومن يريد بهذا الوطن التخريب والدمار فلما كان الإعلام يتمتع بالحرية والمصداقية في تناقله المعلومات والحقائق والتزامه بالحيادية من أجل كسب ثقة الجميع ليكون بحق سلطة رابعة تعكس وجه وطنها المشرق وتتجه به إلى بر الأمان فبالإعلام الصادق والنزيه يؤسس لدولة القانون ومرفئ الشعب الآمن وبعدمه فإننا أمام حروب لا تعد ولا تحصى وأزمات أخلاقية أكثر ما هي سياسية أو اقتصادية لكون الإعلامي حين يخون الأمانة فإنه بذلك قد تخلى عن دينه وشعبه وأمته.
وها هي بعض القنوات الفضائية المأجورة تطرب على أنين وويلات الشعب وتعمل جاهدة على أن تزيد الهوة بين العراقيين أنفسهم ومع دول الجوار وتحرض بشكل يثير التساؤل عن موقف الحكومة الوطنية من هذه الأحداث ومن هي الجهة التي تعمل على نشر هكذا إعلانات محرضة للعنف والقتال؟ وهل إن هذه القنوات حريصة فعلاً على مصالح الشعب العراقي أم إنها تلقت ثمناً يؤهلها لأن تكون في مصاف القنوات التي تنصلت عن ومواقفها الوطنية لتكون سلماً امبريالياً جديداً يغرس في قلب العراق الجديد كله؟
من هذا كله علينا كشعب أن نفكر ملياً بما يطرح علينا اليوم لأننا سوف ندفع ثمنه غالياً إذا ما سرنا خلفه ويجب أن لا تنطلي علينا لعبة سخيفة جديدة تعود بنا إلى حرب طاحنة ليس لنا فيها ناقة ولا جمل وعلى جميع الأطراف التي تريد الاقتتال أن تجعل في حساباتها بأن العراق ليس المكان المناسب لتصفية الحسابات وعليهم أن يغادروا أرضه اليوم قبل الغد وهيهات ساعة الندم.
كما إن على الحكومة مراقبة الوسائل الإعلامية ورعاية الإعلاميين دون تفرقة أو تمييز وتشجيع الحركة الإعلامية بما يخدم زيادة الوعي لدى المواطن بعيداً عن الأجندة الغربية المعدة سلفاً كون مهنة الإعلام على درجة من الخطورة والدقة والأهمية العالية خاصة في وقت الأزمات التي يمر بها العراق اليوم.