يعد النظام البرلماني من أرقى الانظمة السياسية على مستوى العالم بما يحتويه من اسس وقواعد ومفاهيم علمية وعملية تعزز وترسخ الديمقراطية وتفسح المجال للتداول السلمي للسلطة، اضافة الى كونه يتيح الفرصة امام مشاركة الشعب في ممارسة السلطة عبر اختيار من ينوب عنهم لتمثيل مطالبهم وطموحاتهم ورغباتهم، وسواء كان مجلس او مجلسين بحسب الصيغة المعمول بها في كل دولة. ما تقدم ينطبق على الدول الديمقراطية التي تعمل بمبدأ التداول السلمي للسلطة وعدم تركيزها بشخص واحد والا تتحول مؤسسة البرلمان الى شكلية تتبع السلطة التنفيذية وهو مخالف للأسس العامة التي تقوم على التعاون والموازنة ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية واستقلالية القضاء.
وفي دراسة حالة العراق باعتباره يسير بخطوات الانتقال نحو النظام الديمقراطي للوصول نحو تعزيز الديمقراطية وهي العامل الثالث المكمل للتحول الديمقراطي ، فقد ظهرت هفوات وعراقيل تحول دون بلوغ النموذج الثالث وهي متعددة الا ان موضوع المقالة هنا يدور حول تأثير المال السياسي او كما يعرف بالمال الاسود في العملية الانتخابية سواء كانت قبيل الانتخابات او حتى خلال مسيرة مدة الحكومة لأربع سنوات ، وبالتالي المال السياسي هو كل ما يتم الحصول عليه خلال خدمة الشخص الحكومية عبر وظيفته او بتعبير ادق استغلال وظيفته للكسب المالي وسواء كان بمفرده او حتى بصفته الحزبية عبر توظيف امكانيات الوزارة او الدائرة او المؤسسة كنافذة لتعزيز موارده الاقتصادية ، وهذا الامر بات واضحاَ للعيان لا سيما قبيل المواسم الانتخابية عبر استغلال نافذة الفقر والبطالة وسوء الخدمات التي تعاني منها شرائح كبيرة في المجتمع العراقي الذين هم احوج ما يكون لأية نافذة او بصيص أمل يلوح في الافق ، لذلك تمكنت بعض القوى من الولوج للناخب عبر اغرائه او خداعه سواء بوعود توظيف او القيام بحملات تنظيف او اعمار وصيانة بعض الطرق والجسور او استخدام الماكنة الاعلامية لا سيما في الحملات والدعاية الانتخابية وربما هي الفرصة الاكبر لاستخدام المال السياسي وكشف التفاوت الحاصل ما بين الاحزاب والقوى السياسية او الافراد المستقلين ، اذ يلجأ البعض الى تسخير قنوات فضائية بكل امكانياتها الاعلامية لإبراز نفسه او حتى لتسقيط الاخرين اي الخصوم والحال ينطبق على كافة وسائل الاعلام لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي او نصب لافتات مبالغ فيها جداً اذ وصل الحال الى حد شراء ذمم الناخبين او شراء بطاقاتهم الانتخابية وهو ما كشفته هيئة النزاهة مؤخراً واعلنه السيد العبادي .
هذا المال الاسود يقوض التجربة الديمقراطية ويقف عارضاً امام صعود طبقة سياسية جديدة ما دام بعض السياسيين يمتلكون أداوت المنافسة الغير شرعية واضفاء طابع الشرعية عليها وايهام الناخب بطرق شتى وتحقيق هدفهم في حصد أكبر عدد من المناصب الحكومية والسياسية، وهو امر يشكل خطورة كبيرة جداً يحتاج الى اجراءات حكومية ورقابة شعبية عبر وسائل عدة اهمها التالي:
1- تفعيل قانون الاحزاب بصورته الكاملة وليست الانتقائية لا سيما المواد التي تتعلق بمتابعة ومعرفة طرق تمويل كل حزب او قوى سياسية مما يساهم في مراقبة ومعرفة مصادر تلك الاموال.
2- مسائلة جميع النواب والمسؤولين الرافضين لكشف ذممهم المالية وهو اجراء عملت عليه هيئة النزاهة وديوان الرقابة في توزيع استمارة كشف الذمة المالية لا سيما بعد تسلمهم مناصبهم الحكومية او النيابية فيما لاتزال نسبة من عمل بها ضعيفة جداً وهو مؤشر يثير الشكوك.
3- متابعة ملف عمليات غسيل الاموال سواء داخل العراق او خارجه.
4- توعية المواطن والناخب بشكل خاص بضرورة معرفة ان صوته لا يقدر بثمن وهي مسؤولية شرعية واخلاقية وهذه التوعية لا تأتي بيوم او يومين وانما عبر برامج مكثفة تستهدف مختلف الشرائح الاجتماعية.
5- ان تعمل مفوضية الانتخابات والجهات المعنية بتحديد ضوابط اعلانية ودعائية للمرشحين بحيث تحجم من المال السياسي وتنصف جميع المتنافسين بنسب متقاربة.