معظم ما تحقق في مؤتمر الكويت هو عبارة عن قروض ميسرة يتوقع ان تزيد اعباء الدين العام، الذي لامس قرابة 117 مليار دولار حتى نهاية العام 2017. وبالتالي لن يستفيد العراق كثيرا من القروض المقدمة، خصوصا وأنها خاضعة لإجماع وموافقة مجلس النواب الذي أخفق لغاية الان في اقرار موازنة العراق عام 2018
عقد مؤخرا في الكويت مؤتمر اعادة اعمار العراق بتحالف مالي واقتصادي دولي يهدف الى بناء ما دمرته الحرب وتحقيق الاستقرار والسلام بعد سنوات من الحروب الشرسة التي خاضها البلد نيابة عن العالم. وشارك في المؤتمر قرابة (1850) شركة و(76) دولة، وهو ما يؤكد على اهمية العراق الاستراتيجية ومستقبله الاقتصادي الواعد، خصوصا مع تصدر العراق قائمة الدول المصدرة للنفط في اسواق الطاقة العالمية. وقد وصل حجم تعهدات الدول المانحة في المؤتمر قرابة 30 مليار دولار، ويقل هذا المبلغ عن نصف حاجة العراق الفعلية التي قدرها مسؤولون حكوميون بأكثر من 88 مليار دولار لازمة لإعادة تأهيل وإعمار المدن المحررة. وجاء ترتيب أبرز الدول والمنظمات التي ساهمت بمبالغ في إعادة إعمار العراق، سواء على شكل قروض أو منح أو فرص استثمارية كالتالي:
1- تركيا: خمسة مليارات دولار على شكل قروض واستثمارات.
2- الولايات المتحدة: ثلاثة مليارات دولار على شكل قروض.
3- دول الخليج : الكويت (مليار دولار) على شكل قروض ومليار دولار على شكل استثمارات، السعودية (مليار دولار) مخصص لمشاريع استثمارية و(500) مليون دولار لدعم الصادرات السعودية، قطر (مليار دولار) قروض واستثمارات، الإمارات العربية المتحدة (500) مليون دولار.
4- بريطانيا: مليار دولار لدعم الصادرات البريطانية الى العراق على مدى 10 سنوات.
5- ألمانيا: مساعدات بـقيمة (350) مليون يورو تقدم للعراق في العام 2018.
6- إيطاليا :(260) مليون يورو على شكل قروض ميسرة .
7- الاتحاد الأوروبي: (400) مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية.
8- منظمات غير حكومية: ( 330 ) مليون دولار على شكل مساعدات، (500) مليون دولار يقدمها البنك الإسلامي للتنمية للمساهمة في إعمار العراق، كما أعلن الصندوق العربي للإنماء التوصل إلى تسوية مع العراق تتيح له الاستفادة من تمويل الصندوق بمقدار مليار ونصف المليار دولار.
النتائج المتحققة
نجحت الحكومات العراقية المتعاقبة (ما بعد 2003) في هدر وضياع مئات المليارات من الدولارات خلال السنوات الماضية، ولا يستغرب اطلاقا اخفاق الحكومة بمختلف مؤسساتها في جني الفوائد المتوقعة من مؤتمر الكويت للمانحين. خصوصا مع بلوغ معدلات الفساد في البلد نسب مرعبة، تكبح الجهود الدولية والاممية في مساعدة العراق على تجاوز الازمة الراهنة. وينبغي الاشارة الى ان معظم ما تحقق في مؤتمر الكويت هو عبارة عن قروض ميسرة يتوقع ان تزيد اعباء الدين العام، الذي لامس قرابة 117 مليار دولار حتى نهاية العام 2017. وبالتالي لن يستفيد العراق كثيرا من القروض المقدمة، خصوصا وأنها خاضعة لإجماع وموافقة مجلس النواب الذي أخفق لغاية الان في اقرار موازنة العراق عام 2018. من جانب اخر فان الاقتصاد العراقي لا يمتلك الطاقة الاستيعابية لاستثمار اموال تلك القروض بكفاءة في مشروعات اعمار وبنى تحتية. ويمكن ايجاز أبرز اسباب اخفاق مؤتمر الكويت بتحقيق اهدافه المرجوة بما يلي:
1- لم يكن الاعداد الحكومي لمؤتمر الكويت بالمستوى المطلوب، لا من حيث الوفد الحكومي ولا من حيث اوراق العمل المعدة. ولم تقدم رؤى واليات جديـدة ضامنة لإنفاق اموال المانحين باتجاه مشروعــات البناء والاعمار، وانما اكتفت الجهات ذات العلاقة بتقديم الكلف التقديرية لإعادة اعمار المدن المحررة وسط شكوك كبيرة حول دقة ومصداقية الارقام المقدمة ومصير تلك الاموال حال استلامها من لدن الحكومة العراقيــــة.
2- جاء انعقاد مؤتمر الكويت في وقت ارتفعت فيه معدلات الفساد والمحسوبية في مختلف مؤسسات الدولة، بما فيها السلطات التشريعية والرقابية والقضائية، واستمرار العراق في تصدر قائمة الدول الافسد عربيا وعالميا بحسب مؤشر منظمة الشفافية العالمية لعام 2018، فضلا على ضعف معدلات الشفافية وسيادة القانون.
3- اخفاق الدبلوماسية العراقية بشكل مريع في تحقيق الحدود الدنيا من التنسيق والتعاون المطلوب مع الدول الصديقة للعراق. اذ كان ينبغي ان تسبق جهود السفارات العراقية، في معظم بلدان العالم، انعقاد المؤتمر بشهور، من خلال عقد مؤتمرات واتفاقيات تضمن تامين المساعدات المالية والفنية المطلوبة، وان يتم الاعلان عنها في المؤتمر الكويت.
الدروس المستفادة
خيبت نتائج مؤتمر الكويت الحد الادنى من التوقعات الحكومية في تحقيق التخصيصات المالية اللازمة لإعادة اعمار وبناء ما دمرته الحرب وارساء قواعد السلام والرفاه في المدن المحررة. ولم يختلف مؤتمر الكويت كثيرا عن مؤتمر مدريد للمانحين عام 2003 ومؤتمر العهد الدولي عام 2007، ومختلف مؤتمرات الاستثمار التي عقدت داخل العراق وخارجه. مع ذلك، فقد حقق العراق عدة من مكاسب لعل اهمها:
1- التمهيد لتقوية العلاقات العراقية الخليجية وتصفير الملفات العالقة على ارضية علاقات التعاون والتراضي والشراكة، وبما يدعم امن واستقرار وازدهار العراق.
2- تلزم النتائج التي تمخض عنها مؤتمر الكويت اعادة النظر في المناخ الاستثماري في العراق، وأدراك الحكومة بان توفر الفرص الاستثمارية لا يكفي لجذب الاستثمار الاجنبي، وانما يتطلب الامر ايضا جهودا استثنائية في تحسين البيئة الاستثمارية والتشريعية في البلد، والبدء بخطوات جدية لتسهيل ودعم الاستثمارات وإزالة العوامل الطاردة للاستثمار كالحلقات الروتينية والبيروقراطية المؤطرة لعمل المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.
3- تؤشر نتائج مؤتمر الكويت واحجام الدول عن منح العراق مبالغ نقدية انعدام الموثوقية في نزاهة الحكومة العراقية بكافة مؤسساتها، مما يتطلب العمل الجاد على اعادة النظر في الاساليب التقليدية في مكافحة الفساد المالي والاداري وتفعيل الاجراءات الكفيلة بكبح جماح الفساد المستشري في معظم مؤسسات ودوائر الدولة عبر الاستعانة بخبرات وتجارب مؤسسات الرقابة والتدقيق الدولية.
اضافةتعليق