بعد سقوط النظام المصري الذي كان يترأسه ( محمد حسني مبارك ) بعد حراك شعبي قام به الشباب المصري وشريحة من المثقفين في 25 / يناير / 2011م ، وان كان هذا الحراك قد خرج عن مساره الصحيح بسبب انضمام الخارجين عن القانون بين صفوف الثوار من البلطجية وغيرهم ، وبعد استمرار الحراك لفترة ليست بقليلة وصل إلى سدة الحكم في مصر جماعة الأخوان المسلمين وهم أقدم جماعة دينية سياسية تم تأسيسها على يد ( حسن ألبنا ) وكان ذلك في عام 1928م .
لقد ساعدت الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية مجتمعة على تسلم الأخوان للحكم في مصر ومحاولتهم تطبيق رؤيتهم للإسلام في منهجهم لحكم مصر ، لكن ادآئهم السياسي أثار حفيظة المصريين وخلق الكثير من الرفض الداخلي لهم مما سبب نوع من التمرد النخبوي والشعبي عليهم ، فضلا عن بعض الرفض الإقليمي والدولي انتهى بإزاحتهم عن السلطة . أن ما تشهده مصر اليوم من أحداث هو نتيجة حتمية لما حدث سابقا _ أي قبل ثلاثين عاما _ وخصوصا في الفترة الأخيرة من حكم مبارك للبلاد عندما دمج السلطة بالمال ومشروعه في توريث الحكم لنجله الأكبر ( جمال مبارك ) أضف إلى ذلك الأوضاع السيئة والمتردية التي تشهدها البلاد حيث كانت تعيش في عصر الجهل والفساد والاستبداد ، ففي ظل وجود هكذا أوضاع نمت حركات أسلامية بعضها تقف في تضاد مع العلم والحداثة والديمقراطية ، في ظل هذه الظروف كانت الأجواء مهيأة لوصول الأخوان للحكم وحصد الأصوات الكثيرة لان الشعب لا يعيش ضمن ظروف حياتية كريمة ولم يتلقى تعليما يساعده على تفعيل منهج العقلانية وتحسين عملية اختيار الحاكم .
إن مجيء الأخوان وتسلمهم للحكم كان بدعم أمريكي منظم وبالتحديد عندما بدأ الاتصال ما بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 / سبتمبر / 2011م حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتوجس خوفا من مواقفها اتجاه الإسلاميين في تلك الفترة فكانت بين أمرين وجب عليها أن تختار أحداهما :
الأول // أتباع سياسة المواجهة .
الثاني // أتباع سياسة الاحتواء .
فاختارت سياسة الاحتواء عن طريق احتواء الإسلاميين والتعامل معهم بما يخدم مصالح الطرفين ، وبذلك بدأت واشنطن الاتصال بالإخوان عن طريق بعض سياسيها وأبرزهم ( سعد الدين إبراهيم ) وكان أساس الاتفاق بين الطرفين كالأتي : تقوم واشنطن بدعم الأخوان مقابل أن تسيطر الأخيرة على حركة حماس الفلسطينية _ لكونها تهدد امن إسرائيل _ وبالتالي سوف يؤدي ذلك إلى إيقاف العمليات الإرهابية في الدول الغربية ، ومما تجدر الإشارة إليه أن الأخوان كانوا على اتصال بإسرائيل واعتبروا صعودهم للحكم مكسبا لهم بصرف النظر عن تبعات علاقتهم بأمريكا وإسرائيل .
إن تجريم الأخوان واعتبارهم منظمة إرهابية وفقا لإعلان صادر من قبل المملكة العربية السعودية ومنعهم من ممارسة أي عمل سياسي داخل المملكة ، واعتبارهم وفقا لحكم القانون في مصر منظمة إرهابية تعد إجراءات صحيحة على اعتبار أن الأخوان شجرة تتفرع منها تنظيمات إرهابية أخرى مثل : تنظيم القاعدة والسلفية الجهادية ، وان الفرق ما بين القاعدة والجهاد والجماعة الإسلامية والوهابية والأخوان والسلفيين وجماعات التكفير أنما هي فوارق على المستوى التكتيكي وليس الاستراتيجي ، وتمسك الأخوان بالحكم في مصر ليس الهدف منه تطبيق الشريعة الإسلامية بل لأجل الهيمنة والسلطة والثروة ، فهم لا يستطيعون تلبية ما يطمح إليه شعب مصر في بناء دولة مدنية ديمقراطية أساسها المواطن .
وبعد كل هذا من المستحيل أن يعود الإخوان لتسلم منصب أو حكم البلاد من جديد فهذه الفكرة غير متوقعة في الوقت الحاضر وفي الأجل القريب ، لان الشارع المصري نافر منهم ، وهو تقريبا منجذب لانتخاب ( عبد الفتاح السيسي ) القائد العسكري الذي أطاح بحكم الإخوان والذي يتوقف عليه مستقبل مصر في التحول من دولة استبدادية إلى دولة مدنية ديمقراطية ، لكن التحدي غير سهل وهو محفوف بالمخاطر ، فالسيسي كما أشار في خطاب استقالته من المؤسسة العسكرية لا يمتلك عصى سحرية لحل جميع مشاكل مصر ، لكنه هل يكون رجل مصر القادر على تحمل مسؤولية المرحلة القادمة من تاريخ هذا البلد ؟.