ان كفاءة المنظومة القانونية في أي دولة لا تنبع فقط من صياغة نصوصها بطريقة محكمة وواضحة، بل بقدرة هذه النصوص على التكيف والاستجابة لمتطلبات التطور للناس المعنيين بها. فكثير من القوانين واجهت النفور والرفض اما لأنها تعبر عن مصالح الطبقة الحاكمة التي شرعتها، واما لأنها عفا عليها الزمن وتجاوزتها حركة التاريخ فعجزت عن تلبية حاجات المجتمع الذي تطبق فيه. وفي الحالة الأولى نجد أن عجز النص القانوني هو جزء لا يتجزأ من عجز السلطة التي شرعته، وهذا ليس غريبا فهي في الغالب سلطة فاسدة ومستبدة وتتجاهل الهدف الذي من اجله وجدت القوانين الا وهو تحقيق العدالة، لكن في الحالة الثانية نجد ان المشكلة تكمن في عدم كفاءة المشرع وبعده الكامل عن استيعاب التطور الاجتماعي لتضمينه في النص القانوني، ليغدو نصا منسجما مع عصره.
ان نقص كفاءة المشرع تخلق مشاكلا جمة للحكومة والمجتمع، فالقوانين مرهونة بزمانها ومكانها ولا يمكن لقانون جامد اكتساب قاعدة الرضا الشعبي التي تمنحه الشرعية اللازمة لتسهيل مهمة تطبيقه، نعم قد لا ترتبط المشكلة بذات المشرع احيانا، وانما بظروف الصراع الاجتماعي والسياسي السائد، لكن النتيجة واحدة. ومن متطلبات التكيف والتجديد في النص القانوني هو تلافي العيوب اللغوية والتنفيذية في صياغة القوانين، ووضوحها الكامل لتشير بشكل مباشر الى الهدف الذي من اجله وجدت، فالغموض واختلاف التأويلات من أبرز المثالب المثارة على أي نص قانوني، ويمكن ان تجعله نصا مشلولا مشكوكا بعدالته.
كذلك يحتاج التجديد الى استيعاب النص القانوني لمجتمعه السياسي بكافة اثنياته ومشاربه الفكرية والثقافية، وهذا المطلب هو الذي يعلي شأن القانون ويجعله مصدرا من مصادر وحدة المجتمع وتماسكه، وبخلافه يصبح أداة تهديم للوحدة الوطنية والسلم الأهلي. نعم ان معظم دول العالم تضم طيفا واسعا من الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية والفكرية... وليست مهمة المشرع تشريع قوانين تنسجم مع كل هذه الانتماءات، بل تشريع قوانين قادرة على الالمام بالقواسم المشتركة بينها وتعميقها وتضخيمها لتكون أكبر من عوامل الاختلاف والصراع، فوحدة النص القانوني النافذ لجميع المواطنين تؤكد قاعدة كونهم متساوين امامه.
وهناك قضية أخرى لابد من الالتفات اليها من قبل صناع السياسات والمشرعين عموما وهي الحرص على توحيد المنظومة القانونية التي تنظم حقوق وحريات الافراد، لأنه من أكثر العوامل المنتجة للفوضى هي شعور الافراد بأنهم غير محكومين بقانون واحد، وان حقوقهم وحرياتهم تختلف اختلافا شاسعا بين منظومة قانونية وأخرى.
هذه الإشارات الموجزة عن العلاقة الوثيقة بين قوة النص القانوني واستجابته لمتطلبات التجديد الاجتماعي المستمر تعد من الركائز المهمة الواجب اخذها بالحسبان من قبل المشرع العراقي وهو يمضي في مسيرة بناء عراق ديمقراطي موحد.