الدبلوماسية النفطية وفرص تعافي الاسعار

شارك الموضوع :

تدخل اسواق النفط العالمية منعطفاً خطيراً مع دخول الاتفاق العالمي لتثبيت انتاج النفط حيز التنفيذ. خصوصاً مع استجابة الاسواق خلال الأيام القليلة التي أعقبت اتفاق أوبك عبر ارتفاع أسعار النفط العالمية بنحو 20% ليتجاوز مزيج برنت مستوى 55 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ 16 شهراً. وينص الاتفاق الجديد، بقيام اوبك، التي تمثل ثلث المعروض العالمي من النفط الخام، على خفض مجمل انتاجها بقرابة 1.2 مليون برميل يوميا، عبر تقليص انتاج النفط في الدول الاعضاء من المستويات الجارية والبالغة 33.64 مليون برميل يوميا إلى قرابة 32.5 مليون برميل يوميا بدءاً من أول يناير/كانون الثاني 2017 ولمدة ستة أشهر. وتحملت المملكة العربية السعودية نصيب الأسد عبر خفض إنتاجها بنحو 0.5 مليون برميل يوميا ليصل الى 10.06 مليون برميل يوميا. وسيخفض حلفاء المملكة الخليجيون -الإمارات والكويت وقطر-إنتاجهم بما مجموعه 300 ألف برميل يوميا. وعلى نحو غير متوقع وافق العراق الذي كان يصر على حصة إنتاجية أعلى لتمويل حربه ضد تنظيم داعش على خفض إنتاجه بواقع 200 ألف برميل يوميا. وجرى السماح لإيران بزيادة إنتاجها قليلاً عن مستواه في أكتوبر تشرين الأول الماضي، وهو انتصار كبير لطهران التي دأبت على القول بأنها في حاجة إلى استعادة حصتها في سوق النفط العالمية والتي فقدتها منذ سنوات في ظل العقوبات الغربية. كما قررت المنظمة اعفاء كلاً من ليبيا ونيجيريا من التخفيضات المرتقبة نظراً لظروفهما الاستثنائية، في حين طلبت إندونيسيا تعليق عضويتها في المنظمة لتجنب تخفيض حصتها الانتاجية في الاسواق. اعقب ذلك، عقد اجتماع بين دول منظمة أوبك والدول المنتجة غير الأعضاء في الدوحة في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، لأجل خفض إنتاج الاخيرة بمقدار 600 ألف برميل يوميا، وهو ما يعني خفض الإنتاج العالمي إجمالاً بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا لاستعادة التوازن بين العرض والطلب. وقد وافقت روسيا، وهي منتج رئيسي خارج أوبك، للمرة الأولى منذ 15 عاما على خفض انتاجها النفطي بمقدار 300 ألف برميل يومياً لمساعدة دول اوبك على دعم أسعار النفط مع تعهد منتجين آخرين غير اعضاء في المنظمة بخفض انتاجهم بنفس المقدار (300 الف برميل يوميا). ومن المقرر عقد الاجتماع المقبل للمنظمة في 25 مايو/أيار 2017 لتمديد الاتفاق النفطي العالمي ستة أشهر أخرى. ويمثل الخفض المشترك للإنتاج النفطي من جانب أوبك والمنتجين غير الأعضاء بواقع 1.8 مليون برميل يوميا نحو 2 بالمئة من الإنتاج العالمي مما قد يسرع في امتصاص التخمة النفطية التي دفعت الأسعار للانهيار من مستويات مرتفعة بلغت 115 دولارا للبرميل في منتصف 2014 الى قرابة 30 دولار للبرميل. محاذير نجاح التوافق النفطي العالمي ان اتفاق كبار منتجي النفط الخام في العالم على خفض مستويات الانتاج، من داخل وخارج اوبك، خطوة طويلة للوصول الى تفاهم جيواستراتيجي بين كبار النفط (المملكة العربية السعودية وروسيا تحديداً)، ومن شأن ذلك ان يهدأ على الاقل من الاضطراب السعري الذي تشهده الاسواق النفطية منذ شهور ويعجل من توازن الاسواق عند السعر العادل للنفط. كما ان بدء بلدان منظمة اوبك وروسيا وعدد من البلدان النفطية من خارج اوبك بتخفيض مستويات الانتاج بالنسب المتفق عليها للحد من تخمة المعروض النفطي وإنعاش الأسعار قد يزيد من صدقية الاتفاق وتأثيره في اسواق النفط العالمية. مع ذلك يشكك عدد من المراقبين بإمكانية تعافي الاسعار بالشكل المأمول ولعدة اسباب لعل أبرزها: 1- امكانية تخلف عدد من البلدان النفطية في اجراء تخفيض حقيقي في طاقاتها الانتاجية والاستفادة من تحسين الاسعار في تعظيم الايرادات النفطية. وفي هذا السياق، يتوقع عقد الاجتماع الأول للجنة المكلفة بمراقبة تنفيذ الاتفاق العالمي لخفض إنتاج النفط في أبو ظبي لأجل مراقبة كيفية تطبيق اتفاق خفض إنتاج النفط المبرم بين أوبك والمنتجين المستقلين والنظر في البيانات التي تقدمها الدول النفطية. وتتألف اللجنة المقترحة (بحسب رويترز) من خمسة أعضاء هم الكويت والجزائر وفنزويلا (من أوبك)، وروسيا وسلطنة عمان (من خارج أوبك). 2- تحسن الاسعار قد يحفز تدفق النفط الصخري من جديد نحو اسواق النفط العالمية خصوصاً مع بلوغ عتبة 60 دولار للبرميل ودخول عدد كبير من حقول الانتاج ضمن دائرة الجدوى الاقتصادية. مما يهدد بتخمة اضافية قد تفوق في معدلاتها التخفيض الانتاجي المرتقب من لدن البلدان النفطية عام 2017. 3- تزايد الغموض بشأن معدلات نمو الاقتصاد العالمي نظراً لعدم اليقين بشأن سياسات الإدارة الأمريكية القادمة وتداعياتها العالمية. ومن أبرز المخاطر التي قد تتسبب في تعثر معدلات النمو وضعف الاستقرار الاقتصادي إمكانية التحول نحو الحمائية واعتماد البرامج القائمة على سياسات انغلاقيه وتضييق الأوضاع المالية العالمية بدرجة أكثر حدة من السيناريو المتوقع مع إمكانية تفاعل هذا الضيق مع أوجه الضعف التي تشوب الميزانيات العمومية في عدد من بلدان منطقة اليورو وبعض اقتصادات الأسواق الصاعدة فضلاً على احتدام التوترات الجيوسياسية واستمرار تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي في الصين. هذه العوامل وغيرها تزيد القلق حول مسار معدلات الطلب العالمي على النفط الخام، والذي يعد العنصر الاساسي الثاني في تحديد مستويات الاسعار.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية