بداية لابد من توضيح المفاهيم أعلاه التنمية.. والاعمار.. وإعادة الاعمار فإننا نعي إن ثمة خلطاً لدى عامة العراقيين بين المفاهيم الثلاثة، فهم وفي ظروف حياتهم اليومية الحالية يتطلعون إلى عودة الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وعناية صحية، ضمن الحد الأدنى المقبول إنسانياً، وينادون بالتعجيل في إعادة اعمار ما دمر بأسرع وقت ممكن، ولذلك يركزون في مطالبهم على مفهوم إعادة الاعمار.
أما المدركون للأمور فيعلمون إن إعادة الاعمار ليست سوى اللبنة الأولى لتتبعها عملية الاعمار التي تعتبر جزءاً من مسار التنمية الشاملة بمفهومها الاقتصادي وصولاً إلى تحقيق مستويات تضع العراق في مصاف الدور الأول الأكثر تقدماً وبما يتناسب مع ما يمتلكه من ثروات بشرية ومادية كبيرة.
إذ تستهدف السياسات الاقتصادية المعاصرة تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لأفراد المجتمع، وفي سبيل تحقيق الأهداف تصميم الخطط والإجراءات التي تتبناها هذه السياسات، وفي طليعتها رفع معدل النمو الاقتصادي والتسريع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتخصيص وتوزيع الموارد لإشباع الحاجات الإنسانية. وترتكز على زيادة الإنتاج الإنتاجية، والذي يكون له الأثر الإيجابي في الحد من الفقر وتحقيق التنمية البشرية بوصفها وجهان لعملة واحدة.
ويعد حجم الموارد المادية والمالية والبشرية المحور الرئيس للسياسات الاقتصادية، وتضطلع الموارد البشرية بالعبء الأكبر بوصفها الوسيلة والهدف، إذ تؤثر على مسار النشاط الاقتصادي بجوانبه كافة. وإذا ما أرادت الحكومات تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، فإنها يجب أن تولي الموارد البشرية اهتماما خاصاً كونها تحتل مركز الأهمية من بين الموارد الاقتصادية الأخرى، وأحدى الدعائم الأساسية للاقتصاديات.
وقد عانت محافظة كربلاء وسكانها –بفعل النظام السابق- من اختلالات هيكلية اقتصادية واجتماعية تمثل في مجموعها عقبات في طريق التنمية الشاملة المستدامة، وتجلت بصورة واضحة في السنوات الأولى لتسعينات القرن الماضي، وتمثلت في تراجع معدلات الأداء الاقتصادي العام وارتفاع معدلات البطالة وتدني الإنتاجية ومن ثم مستوى المعيشة، ويعيش اليوم حوالي (60-70)% من أبناء المحافظة دون مستوى الفقر المحدد عالمياً، كما وتشير سجلات وزارة شؤون المرأة العراقية بأن هناك (30000 أرملة في كربلاء) وأكثر بضعفين على الأقل يوجد أطفال أيتام، يعيشون في كنف هذه الأرامل، ومعظمهم يعاني من المرض والعوز والفقر، وهذا يتنافي مع ما تمتلكه المحافظة من موارد وفرص استثمارية اقتصادية وسياحية دينية وأثرية.
فالخطوة الأولى تبدأ بإعادة الاعمار لكل الخدمات والبنى التحتية ومن ثم تأتي خطوة الأعمار والتي بالنتيجة توصلنا إلى التنمية المنشودة والتي أساساً تعنى بالأجل المتوسط والطويل، إلا إن هناك مجموعة من العقبات التي تقف دون الإسراع بالخطى فما زال الطريق طويلاً وغير معبد إذ يشكل الفساد الإداري والمالي خطراً يهدد إعادة الاعمار والاعمار والتنمية في المحافظة خاصة والدولة بصورة عامة لكونه يؤثر سلباً على كفاءة توزيع الموارد الاقتصادية، وكما يؤثر على أنماط الإنتاج والاستهلاك، وخصوصاً إن الاستثمارات ترتبط بأنشطة التجارة والمقاولات والمضاربات العقارية، في حين نلاحظ الركود في الأنشطة الإنتاجية الذي انعكس بدوره على مستوى توزيع الدخول والثروات، نتيجة ضعف فرص التوظيف المنتج وخفض مستويات الدخل والادخار للغالبية العظمى وإن وجدت فإنها توجهه نحو الاستهلاك نتيجة ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك.
وانطلاقاً من هذه الأوضاع كان لابد من دور للسياسة الجديدة في التغلب على العقبات وتوجيه تلك المتغيرات إلى المارات التي تكفل إنجاز الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، إذ للحكومة دور فاعل وقوي في إمكانية تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضمان كفاءة فاعلية استخدام الموارد مع تحقيق نمط أفضل لتوزيع الموارد وضمان وصولها إلى الأفراد.