القطاع المصرفي في العراق وتحديات الإصلاح والتطوير

شارك الموضوع :

يلعب قطاع المصارف دوراً بارزاً في حشد الموارد الاقتصادية وتمويل النمو الاقتصادي فضلاً عن دوره في تحقيق الاستقرار المالي والنقدي للاقتصاديات الحديثة. وعلى الرغم من أن القطاع المصرفي العراقي يعد من النظم العريقة في المنطقة العربية، إلا أنه يبقى نظاما تقليديا في عمله بطيئا في تطوره، إذ ألقت ظروف الحرب التي مر بها العراق منذ العام ١٩٨٠ والحصار الاقتصادي عام ١٩٩١ والفلسفة الاقتصادية التي كانت سائدة في الاقتصاد العراقي بظلالها على القطاع المصرفي في البلد تاركة موروثا وأطر بشرية وسياقات عمل وقوانين خلقت فجوة كبيرة بينه وبين النظم المصرفية السائدة في المنطقة والعالم. ويتكون الجهاز المصرفي العراقي من البنك المركزي العراقي، إضافة إلى (54) مصرفا، منها ستة مصارف حكومية هي ) الرافدين، الرشيد، المصرف العراقي للتجارة، الزراعي التعاوني، الصناع، العقاري) فضلا عن (30) مصرفا خاصا إضافة إلى (15) فرعا لمصارف أجنبية، كما توجد سبعة مشاركات عربية وأجنبية في رؤوس أموال المصارف العراقية، حيث سمح قانون المصارف رقم 94 لسنة 2004 والتعليمات الصادرة بموجبه مشاركة المصارف الأجنبية في رؤوس أموال المصارف العراقية، وقد تراوحت هذه المشاركة ما بين 45% وحتى أكثر من 85% في بعض المصارف . ملامح التخلف المصرفي في العراق يعاني القطاع المصرفي في العراق من عدد كبير من أوجه التخلف والقصور التي تحد من إمكانية نهوض هذا القطاع ومواكبته للنظم المصرفية العربية والعالمية، وأخذ دوره في دعم عملية النمو والاستقرار المالي والاقتصادي. وفي هذا السياق يمكن إبراز عدد من الملاحظات والمشاكل التي يعانيها الجهاز المصرفي العراقي وكما يأتي: 1- انخفاض الكثافة المصرفية التي تبلغ حاليا بحدود فرع مصرف واحد لكل (35000) نسمة، وهي نسبة منخفضة قياسا بالنسبة المعيارية العالمية البالغة مصرف واحد لكل(10000) نسمة . 2- غياب الاستراتيجيات المصرفية الفاعلة والخطط التفصيلية السنوية لدى غالبية المصارف والتي ينص عليها قانون المصارف بمادته السادسة والعشرين . 3- غياب المؤسسات الساندة للجهاز المصرفي، مثل شركة للتأمين على الودائع، وأخرى للتأمين على القروض الكبيرة، وشركة لدراسة مخاطر السوق، وغيرها. 4- عدم تناسب الخدمات المصرفية مع المتطلبات والحاجات الاقتصادية للعراق في ضوء توجهات نمو اقتصاد السوق، حيث يبلغ عدد الخدمات بحدود (20) خدمة مقارنة بما أتاحته المادة (27) من قانون المصارف والتي بلغت أكثر من (50) خدمة مصرفية، وهي أقل مما تقدمه المصارف العربية والأجنبية. 5- ترهل الهيكل الإداري في الكثير من المصارف وخصوصا في المصارف الحكومية . 6- سياسة التمييز الحكومي في التعامل مع المصارف الخاصة والتي تتمثل بمنع دوائر الدولة وشركات القطاع العام من إيداع أموالها في تلك المصارف، وعدم قبول الصكوك المصدقة والعادية وخطابات الضمان الصادرة عنها إلا ضمن حدود معينة لا تسمح بالمنافسة مع المصارف الحكومية . 7- الإجراءات الروتينية التقليدية التي تعتمدها دائرة مسجل الشركات، والتي تتسبب بتأخير المصادقة على القرارات المتخذة من الهيئات العامة للمصارف، ومنها زيادة رؤوس الأموال، وعقد اجتماعات هيئاتها العامة. 8- تأخر إعادة تداول أسهم المصارف الخاصة في جلسات التداول الجارية في سوق العراق للأوراق المالية، مما يسبب أضرارا وخسائر للمساهمين والمستثمرين على السواء. 9- تأخر المصارف الحكومية وبعض المصارف الخاصة في اقتناء أنظمة مصرفية شاملة أو ربط فروعها بشبكة اتصالات مع إداراتها العامة، وعدم قيامها باتخاذ الإجراءات المناسبة لتطبيق الصيرفة الالكترونية بما فيها الصكوك الالكترونية . 10- تدني نسبة الائتمان الممنوح إلى الناتج المحلي الإجمالي، إذ تتراوح هذه النسبة بين 9 ـ 10% من هذا الناتج مقارنة بنسبة 55% في مجموع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وإذا نسبنا حجم الائتمان إلى رؤوس أموال المصارف واحتياطياتها السليمة فإنه لا يتجاوز 2,1 مرة، في حين تسمح تعليمات البنك المركزي بأن يبلغ الائتمان ثمانية أضعاف رأسمال المصرف واحتياطياته السليمة . 11- ـ توفر سيولة عالية لدى المصارف تقترب من 60%، الأمر الذي يعكس عجز القطاع عن تشغيل واستثمار موجوداته وودائعه بما يخدم الاقتصاد الوطني من جهة ويؤثر سلبا في ربحية المصارف من جهة ثانية بإضاعة فرص الاستثمار المتاحة. 12- ـ ثمة تفاوت كبير بين سعري الفائدة الدائنة والمدينة في سوق العراق، فسعر الفائدة على الودائع الثابتة والتوفير يتراوح بين 1 ـ 7%، فيما تتراوح الفائدة على الائتمان بين 10 ـ 15%، مما يترك هامشا بنحو 8% بين السعرين، وهو هامش كبير إذا ما قورن بنسبة 5% السائدة في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وما من شك في أن لارتفاع أسعار الفائدة هذا آثارا سلبية على حجم الائتمان الممنوح، بل يشكل عائقا للاقتراض للأغراض التنموية. 13- التباطؤ في إصدار تشريعات تعمل على تحريك عجلة الإصلاح المصرفي، وما زال عدد من مشاريع الإصلاح المصرفي على رفوف الحكومة ومجلس النواب بانتظار المناقشة والإقرار. 14- عدم وضوح الرؤى والسياسات الاقتصادية وعدم التنسيق بين السياستين المالية والنقدية في إقرار الخطط الداعمة للإصلاح المصرفي، فضلا على ضعف العلاقة البينية بين السلطات المختلفة ذات العلاقة (البنك المركزي، وزارة المالية، المصارف الحكومية منها والأهلية)، ومثال على ذلك صدور تعليمات من وزارة المالية تتعلق بعدم قبول الصكوك وخطابات الضمان من المصارف . 15- الفساد الإداري والمالي والسلوكيات البيروقراطية في الهرم الإداري للمؤسسات المصرفية الحكومية منها والأهلية. 16- التشريعات والتعليمات السارية التي تحجّم عمل المصارف وتحدّ من توسع وتطور القطاع المصرفي في البلد، ومنها التعقيدات البيروقراطية المصاحبة لمنح القروض الاستثمارية لرجال الأعمال. 17- انعدام الرؤية المستقبلية الخاصة بالواقع المحلي لعملية الإصلاح المصرفي من قبل القائمين عليها في وزارة المالية والبنك المركزي، إذ إن خصوصية وضع القطاع المصرفي وما يعانيه من مشاكل يحتم وضع تصور خاص يتناغم مع الواقع الحالي ومع التجارب المتطورة في الخارج.
شارك الموضوع :

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية