العجز والاستدامة في موازنة 2023

ولد إفراط الحكومات في الإنفاق العام وانحسار الايرادات الحكومية نموا متسارعا في معدلات الدين العام، وما يعنيه ذلك من اعباء على المالية العامة وضعف في الاستدامة المالية. فالسياسة المالية تكون غير مستدامة حين تنمو نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي بما يفوق الحدود المسموح بها، وبالتالي خروج معدلات الدين عن نطاق السيطرة وما يخلفه ذلك من عواقب اقتصادية خطيرة كالتضخم والبطالة والتقشف المالي والتشديد النقدي وغيرها من الاثار الاقتصادية والاجتماعية. وفي العراق عادة ما يعد مشروع الموازنة العامة خارج حدود الاستدامة والتخطيط الاقتصادي السليم. اذ انعكس الارتفاع الشاهق للإنفاق العام في موازنة 2023 في اتساع العجز المالي الى أكثر من (64) ترليون دينار، وبقرابة (25%) من الناتج المحلي الاجمالي، وهذه النسبة مخالفة لحدود العجز الى الناتج المحددة في قانون الادارة المالية رقم (6) لعام 2019 والتي حددت بـ (3%) فقط. اي اقرار الموازنة بعجز مالي يفوق (8) اضعاف العجز المسموح به وفقا للقانون المذكور. ناهيك عن تضخيم الايرادات العامة بشقيها النفطية وغير النفطية مما يعني امكانية اتساع العجز الفعلي لموازنة 2023 في حال لم تتحقق المعدلات المقدرة، وهو المتوقع، خصوصا إذا ما تراجعت اسعار النفط. 

وعلى الرغم من وجود رصيد مدور من العام الماضي بقرابة (23) ترليون دينار، الا ان الفجوة التمويلية بين الانفاق العام المخطط والايراد العام المخطط تبقى كبيرة وخارج حدود الامكانية المالية، فضلا عن كونها تزيد من هشاشة الاستدامة المالية وترفع من مخاطر تأثير تقلبات اسعار النفط في الاسواق العالمية على الاقتصاد العراقي من خلال قناة الموازنة العامة، التي تمثل محرك النمو والاستقرار لكافة القطاعات الاقتصادية والشرائح الاجتماعية في البلد.

ويبلغ اجمالي الدين العام في العراق قبل اقرار الموازنة العامة قرابة (95) ترليون دينار، يشكل الدين الداخلي قرابة (70) ترليون دينار والدين الخارجي نحو (25) ترليون دينار بحسب بيانات وزارة المالية العراقية. ومع اقرار موازنة 2023 يتوقع ارتفاع الدين العام بنسبة (43%) نظرا لإضافة (41) ترليون دينار لإجمالي الدين العام. 

كيف يمكن الحد من نمو الدين العام

يشكل الافراط في النفقات الحكومية والاعتماد الكلي على الموارد النفطية المتقلبة (الناضبة) في تمويل الموازنة وتحمل الديون المستقبلية ركيزة هشة تهدد استدامة الوضع المالي في البلد وتضعف معدلات النمو والاستقرار المستدام. وينبغي تبني حزمة من السياسات الاجرائية التي يمكن ان تكون مرشداً في تصميم وصياغة سياسة مالية تلائم دورات الرواج والكساد النفطي وبما يحقق المزيد من الاستدامة على مستوى المالية العامة والدين العام والنمو والاستقرار الاقتصادي، وكما يلي:  

1. استهداف العجز الاولي غير النفطي في تقييم الاداء المالي، كونه يعزل قرارات الانفاق عن التقلبات المستمرة لإيرادات النفط الخام، وبالتالي ضمان التوافق بين الاستدامة المالية طويلة الاجل مع تحقيق العدالة بين الاجيال في الاستفادة من الثروات النفطية.  

2. تركيز جهود الادارة المالية في العراق في البحث عن الفرص المعظمة للموارد غير النفطية التي تجعل مقياس الرصيد الرئيسي غير النفطي هدفا للتعزيز والتكيفات المالية المطلوبة على مستوى ضبط النفقات العامة والسيطرة عليها وتعظيم الايرادات غير النفطية. 

3. لأجل تحسين الضبط المالي ورفع كفاءة الإنفاق العام، ينبغي ان تقوم وزارة المالية باعتماد وتنفيذ قانون الإدارة المالية العامة، وإصدار التقارير المتضمنة لجداول المالية العامة بما يتوافق مع المعايير الدولية، وتقوية الضوابط الحاكمة لالتزامات الإنفاق، وتحسين إدارة النقدية، وإجراء عمليات مسح وتدقيق منتظمة لمراقبة المتأخرات والحد منها، وإصلاح إدارة الاستثمارات العامة، وتحسين إدارة الدين.

4. نظرا لتذبذب حجم الايرادات النفطية بسبب تقلب معدلات التصدير والاسعار، ينبغي انشاء قسم خاص في وزارة المالية لدراسة أسواق النفط العالمية والافاق المستقبلية للأسعار والتنبؤ بها، لبناء القدرات اللازمة للتعايش مع التقلبات النفطية والتصدي لتسلل دورات الركود والرواج التي تشهدها اسواق النفط العالمية الى الموازنة والاقتصاد.

5. على ضوء المعدل السريع لتراكم الدين العام في العراق، والخبرات المحدودة بشأن منتجات الدين الأساسية واحتياجات التمويل الكبرى، فإن تعزيز قدرات إدارة الدين لدى وزارة المالية والبنك المركزي يعد أمراً غاية في الأهمية. 

6. ضرورة انشاء صندوق لتعويضات الدين العام، تودع فيه اية زيادة ناجمة عن تحسن اسعار النفط بما يفوق المعدل المستهدف في الموازنة الاتحادية، يستخدم لإطفاء الديون الداخلية او الخارجية.

التعليقات