تُعد مسألة الطاقة من الانشطة المهمة عالمياً لما لها من دور في النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة وتعزيز العلاقات الدولية.
تتكون الطاقة في العادة من الطاقة الناضبة والطاقة المتجددة، فقد كان وما زال العالم يعتمد بشكل كبير على الطاقة الناضبة فيما يعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة أقل بكثير.
مزيج الطاقة العالمي 2021
في الوقت الذي شكّل الوقود الاحفوري 80.2% من مزيج الطاقة العالمي عام 2021 شكّلت الطاقة المتجددة ما نسبته 19.8% منه حسب موقع الطاقة.
ونظراً للمشاكل التي رافقت الطاقة الناضبة اخذ العالم يتجه نحو الطاقة المتجددة، مما سيجعل البلدان التي تعتمد الطاقة الناضبة أساساً لها في موقف لا تُحسد عليه مالم تتدارك الامر سريعاً.
تمثلت تلك المشاكل في التلوث البيئي الناجم عن انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون، التي تتزايد نتيجة حرق الوقود الاحفوري وصناعة الاسمنت؛ فقد ارتفعت تلك الانبعاثات من 20 تريليون طن عام 1990 إلى 34 تريليون طن عام 2019 حسب بيانات البنك الدولي.
انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون أدت الى زيادة الاحتباس الحراري الذي انعكس سلباً وسينعكس أكثر في قادم الايام على صحة الانسان والحيوان والنبات والارض ما لم يتم اتخاذ الاجراءات اللازمة للحد منها.
مزيج الطاقة العالمي 2045
تشير التوقعات إلى ان مزيج الطاقة العالمي سيظل أكثر اعتماداً على الطاقة الناضبة وخاصةً الوقود الاحفوري على حساب الطاقة المتجددة، لكنّ الاتجاه العام لهذا المزيج يسير بشكل مثير للاهتمام والملاحظة.
فعلى الرغم من احتلال الطاقة الناضبة(الوقود الاحفوري) حصة الأسد 80.2% في مزيج الطاقة العالمي في عام 2021 إلا أنّ التوقعات تشير الى انخفاض مسار الوقود الاحفوري إلى 69.6% عام 2045.
وفي المُقابل ورغم المساهمة القليلة للطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي 19.8% عام 2021 إلا انّ التوقعات تشير لارتفاع اتجاه مسار مساهمة الطاقة المتجددة إلى 30.4% في مزيج الطاقة العامي عام 2045.
باختصار، ان مزيج الطاقة العالمي سيكون 69.6% للطاقة الناضبة(الوقود الاحفوري) و 30.4% للطاقة المتجددة في عام 2045.
وعلى افتراض تحقق هذه التوقعات فإنّ نسبة التغيّر ستكون 53% ارتفاعاً بالنسبة للطاقة المتجددة وانخفاضاً بالنسبة للوقود الاحفوري، خلال مدة 24 سنة.
توقعات افتراضية 2069، 2093
وعلى افتراض انّ مزيج الطاقة العالمي سيميل لصالح الطاقة المتجددة بالنسبة نفسها من حيث التغيّر والمدة الزمنية أعلاه، بعد عام 2045، عندها سترتفع حصة الطاقة المتجددة لتبلغ أكثر من 46% في مزيج الطاقة العالمي فيما ستنخفض حصة الوقود الاحفوري إلى أقل من 54% عام 2069.
وعلى افتراض تحقق هذا الافتراض الاخير واستمرار ترجيح مزيج الطاقة العالمي لصالح الطاقة المتجددة وبالنسبة نفسها والمدة أعلاه، عندها سترتفع حصة الطاقة المتجددة أكثر من82% فيما ستنخفض حصة الوقود الاحفوري إلى أقل 18% في مزيج الطاقة العالمي عام 2093.
وما يُبرر تحقق هذه الافتراضات في التحول الكبير في مزيج الطاقة العالمي عاملان هما التطور التكنولوجي المتسارع والتغيرات المناخية، علماً أنّ كلا العاملين قد يجعلا نسبة التغيّر أكبر ومدة التغيّر أقل، وسيصبح التحول الكبير في وقت أقرب من الافتراضات أعلاه.
بمعنى آخر، إنّ مزيج الطاقة سيصبح بعد أكثر من سبعة عقود، في عام 2093؛ وفق الافتراضات أعلاه، هو صورة مُعاكسة لمزيج الطاقة العالمي في عام 2021 ولكن بالنسب نفسها تقريباً.
مزيج الطاقة العالمي عام 2021=الوقود الاحفوري 80.2% +الطاقة المتجددة 19.8=100%
مزيج الطاقة العالمي عام 2093= الوقود الاحفوري18+ الطاقة المتجددة 82%= 100%
البلدان النفطية واستشراف مزيج الطاقة العالمي
السؤال المطروح هل تُدرك البلدان النفطية -ومن بينها العراق- لما سيكون عليه مزيج الطاقة العالمي؟ وكيف يمكن تجنب آثار تحقق التحول الكبير في مزيج الطاقة العالمي؟
من الواضح أن البلدان النفطية ومن بينها العراق لم تُدرك كيف سيتغيّر مزيج الطاقة العالمي بحكم استمرار تركيزها على النفط سواء كمصدر للطاقة أو كمصدر للتمويل بالتزامن مع عدم سعيها لبناء مجتمع واقتصاد قويين يستطيعان مواصلة المسير إذا ما انخفضت أهمية النفط الاقتصادية أو نفدت كميته.
ولأجل تجنب الآثار التي سيتركها التحول الكبير لصالح الطاقة المتجددة على حساب الطاقة الناضبة في مزيج الطاقة العالمي لابُد من العمل على توظيف الثروة النفطية الحالية في المجتمع والاقتصاد لكي يكونا قادرين على مواصلة المسير حتى بعد انتهاء عصر النفط. كيف يُمكن ذلك؟
يُمكن ذلك من خلال توجيه الثروة النفطية نحو ثلاثة جوانب مهمة وهي:
- البنية التحتية التي تمثل القاعدة الاساس لانطلاق القطاع الخاص والاقتصاد.
- التعليم الذي يمثل القاعدة الاساسية لخلق المهارات التي يتطلبها سوق العمل.
- الصحة التي تعمل على خلق قوى عاملة نشطة ذهنياً وبدنياً.
وهناك مبررات لتوجيه الثروة النفطية نحو هذه الجوانب مبررات انسانية تتمثل في كون الانسان هو هدف التنمية ووسيلتها، مبررات أخلاقية تتمثل في أنّ الثروة النفطية ثروة عامة مما يستلزم توزيعها على الافراد والاجيال بشكل عادل، ومبررات اقتصادية تتمثل في خلق فرص العمل للأيدي العاملة، ومبررات اجتماعية تتعلق في تقليص التفاوت الطبقي.
خلاصة القول
ان مزيج الطاقة العالمي سيتغيّر بشكل جذري بعد سبعة عقود من الزمن، وقد تكون أقل بسبب التطور التكنولوجي المتسارع والتغيّرات المناخية، وستكون البلدان النفطية في موقف لا يُحسد عليه ما لم تتدارك الأمر من الآن من خلال توظيف الثروة النفطية في المجتمع والاقتصاد.