تعرضت أمريكا في 11 أيلول 2001، إلى هجوم في داخل أراضيها، لم تشهد مثله خلال تاريخها كدولة ، استخدمت فيه الطائرات المدنية لضرب برجي التجارة العالمية في نيويورك، والعاصمة واشنطن، وادي إلى مقتل عدة ألاف من المواطنين الأمريكيين، وأضرار مادية أخرى، على أثرها قامت أمريكا بمعاقبة الدول التي دعمت القاعدة في هذه العملية ومنها أفغانستان، إذ أقدمت أمريكا إلى احتلالها وإسقاط نظام طالبان المتطرف فيها، ثم بعدها وفي عام 2003، احتلت العراق، وألقت القبض على الآلاف العناصر المرتبطة بالقاعدة، وأجرت المخابرات الأمريكية تحقيقات موسعة عن الحادث، وعن الدول والإفراد والمنظمات التي ساعدت الذين نفذوا العملية وعددهم (19) شخصا، (15) سعوديون والآخرين من جنسيات أخرى، وتم تشكيل لجنة من قبل الكونغرس أيضا، جمعت المعلومات وقدمتها للكونغرس في (800) صفحة، بعدها ونتيجة لهذه المعلومات ومطالبة أهالي الضحايا بكشف الحقيقة ومعاقبة الجناة، دولا كانوا أم إفراد، أقر مجلس الشيوخ تشريعا في 17/5/2016 يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومات والإفراد والمنظمات التي تسببت بالكارثة طلبا لتعويضات، تبعه مجلس النواب الأمريكي بالتصويت على المشروع في 9 أيلول 2016، أي قبل يومين من الذكرى الـ 15 لهجمات 11 أيلول 2001، وتم رفع الطلب إلى الرئيس الأمريكي للمصادقة عليه، الذي استخدم النقض الفيتو ضده في 23/9/2016،، إلا إن الكونغرس عاد ورفض فيتو الرئيس على القرار بأغلبية الثلثين في 28/9/2016، وقد صوت مجلس الشيوخ الأمريكي أولا لمصلحة رفض فيتو الرئيس بـ 97 صوتا مقابل صوت واحد، ومن ثم صوت مجلس النواب أيضا على رفض الفيتو بأغلبية 348 صوتا مقابل 76، وبذلك يصبح القانون الذي يحمل اسم "العدالة ضد رعاة الإرهاب" ساريا، ويعدل التشريع الجديد قانون صدر في عام 1967 يعطي حصانة لبلدان أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يتيح هذا القانون، رفع قضايا مدنية ضد دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي لطلب تعويضات عن إصابات أو موت أو أضرار ناجمة عن عمل من أعمال الإرهاب الدولي، وقد نوقش هذا المشروع أول مرة في أيلول عام 2009، وأعيد مرة أخرى للنقاش في مجلس الشيوخ في 16/9/2015.
إن القانون الذي عبرت عنه المادة الأولى بتسميته "قانون العدالة ضد الإرهاب"، يتكون من عدة مواد وفقرات منها: المادة الأولى، تعتبر أن "الإرهاب الدولي" يعتبر مشكلة خطيرة تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، فيما اعتبرت المادة الثانية، أن الإرهاب الدولي يؤثر سلباً على حركة التجارة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره يلحق ضررا بالتجارة الخارجية وينسف استقرار السوق ويضيق على حركة سفر المواطنين الأمريكيين إلى خارج البلاد، وعلى قدوم الزائرين الأجانب إلى الولايات المتحدة،
أما المادة الثالثة، فاعتبرت بعض المنظمات الإرهابية الأجنبية (دون أن تسميها) تنشط من خلال أفراد أو مجموعات تابعة لها في جمع مبالغ ضخمة خارج الولايات المتحدة وتوظيفها لاستهداف الولايات المتحدة، والمادة الرابعة، أوضحت، أن من الضروري معرفة الأسباب الموضوعية وأبعاد المسؤولية القانونية حول الأفعال التي تحض على تقديم المساعدة وتدعو للتحريض والتآمر تحت الفصل "113 ب" من الباب "18" من القانون الأمريكي الخاصة بالحصانة السيادية للدول الأجنبية،المادة الخامسة قالت إن الأشخاص أو الجهات أو الدول التي تساهم أو تشارك في تقديم دعم أو موارد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأشخاص أو منظمات تشكل خطراً داهماً وارتكاب أعمال إرهابية تهدد سلامة مواطني الولايات الأمريكية أو أمنها القومي أو سياستها الخارجية أو اقتصادها ، يتوقع جلبها للمثول أمام المحاكم الأمريكية للرد على أسئلة حول تلك الأنشطة، واعتبرت المادة السادسة، أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مصلحة حقيقية في توفير الأشخاص أو الجهات التي تتعرض للإصابة جراء هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة بالمثول أمام النظام القضائي من أجل رفع قضايا مدنية ضد أولئك الأشخاص أو الجهات أو الدول التي قامت بتقديم دعم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أشخاص أو منظمات تعتبر مسؤولة عن الإصابات التي لحقت بهم.
السؤال الجوهري هو، هل يستطيع العراق إن يطرح قانونا مشابها لقانون جاستا لاسترداد الحقوق من دول وأفراد ومنظمات ساهمت ومولت بشكل مباشر أو غير مباشر في قتل وسبي مئات الآلاف وتهجير الملايين وعشرات الآلاف من المفقودين العراقيين، نساءً ورجالاً وأطفال، وإنصافهم وأسرهم؟
إن العراق من أكثر دول العالم والمنطقة قد أنكوى بنار الإرهاب، فإذا كانت أمريكا قد خسرت في إحداث 11 أيلول عدة بنايات وثلاث الآلاف من القتلى، علما إن الدوافع والأسباب الحقيقية للحادث لم تعرف لحد ألان، لان بعض التقارير وهي كثيرة تحدثت عن دور للمخابرات الأمريكية في الحادث، من اجل نشر إستراتيجيتها في احتلال دول معينة في العالم، وقد احتلت دولتين بشكل مباشر، وتسببت في دمار عدة دول أخرى، من خلال نشر الدمار فيها، فان العراق قد خسر بنيته التحتية بأكملها من طرق وجسور ومحطات كهرباء وماء، ومراكز بحوث ومنشات صناعية وعسكرية ومؤسسات حكومية، وهي تقدر بآلاف المليارات من الدولارات، كما انه قدم أيضا مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين نتيجة العمليات الإرهابية التي ضربت البلد من عام 2003 إلى ألان، وكان أكثرها قسوة وإيلاما هي أحداث حزيران 2014، عندما اجتاح تنظيم داعش الإرهابي شمال وغرب العراق واستولى على عدة محافظات بأكملها، وبالإضافة إلى الدمار المادي الذي خلفه هذا التنظيم والذي يقدر بمئات المليارات، وتدميره للإرث الحضاري للعراق من خلال تفجيره لأثار الحضر والنمرود ومراقد الأنبياء والمساجد الأثرية والتي لاتقدر بثمن، كذلك عمليات الإبادة ضد السكان الذي ارتكبها التنظيم الإرهابي، فقد قتل الآلاف واسر أضعاف هذا العدد من النساء والأطفال، وقد تم بيع عدد منهم لدول الجوار وتحت علم المنظمات الدولية، كما إن جرائم تنظيم داعش الإرهابي وتمويله في العراق تتم من قبل أشخاص ودول إقليمية وعالمية معروفة، وبعضها مجاورة للعراق، فقد دخل التنظيم من سوريا المجاورة بدعم سعودي قطري تركي واضح المعالم، وتنسيق وتوجيه من قبل دول غربية أكدت الوثائق المسربة صلتها بالتنظيم، لهذا فان قانون (جاستا) أو ، هو قد يكون فرصة ثمينة للعراق بإصدار قانون مشابه له من اجل محاسبة ومحاكمة الدول التي رعت ومولت ودربت الإرهابيين، فقد نفذ العديد من عرب الجنسية وأفغان وشيشان هذه العمليات الإرهابية، من خلال تفجير السيارات والأحزمة الناسفة والعبوات، كذلك وجود أدلة تربط بين هؤلاء الانتحاريين والدول التي يحملون جنسيتها، فقد قام العديد من المسؤولين وخطباء الدين في هذه الدول بتشجيع هذه العمليات علنا من خلال القنوات الفضائية والإعلام والمصحف وغيرها، كذلك قيام هذه الدول بنصب مواكب العزاء للانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم أو يقتلون في العراق، منه مواكب العزاء في الزرقاء مسقط رأس الإرهابي أبو مصعب ألزرقاوي الذي قتل في العراق بقارة أمريكية، ومثلها حدثت في الضفة وتونس وغيرها، إضافة إلى إن مسؤوليين رسميين في السعودية شجعوا بشكل علني الحرب الطائفية في العراق ، والتحريض ضد طائفة واحدة، فقد أفتى عدد من رجال الدين في السعودية ومنهم مفتي السعودية الذي يعد اعلي سلطة دينية في الدولة لأكثر من مرة على تكفير الشيعة، والتحريض على قتلهم بشكل علني وعلى القنوات الفضائية، وهذا دليل ملموس على دور هذه الدول في قتل العراقيين، وانه من حق العراق محاسبة هذه الدول، واخذ تعويضات علة اقل تقدير.
في الوقت الذي تقدر كل القوانين الدولية بحق العراق في محاسبة الدول والأفراد والمنظمات التي كانت السبب بشكل مباشر أو غير مباشر عن عمليات الإرهاب وقتل العراقيين، والقصاص منهم، أو اخذ التعويضات على اقل تقدير، إلا إن هناك عدد من الأمور الداخلية والخارجية التي تحول دون تمكن العراق حاليا من اخذ هذه المبادرة أو الاستفادة من القانون الأمريكي بقانون مماثل له، من اجل إعادة حقوقه وحقوق شهدائه وغوائلهم، ومنها:
1- أقرت الحكومة العراقية قانون رقم (20) لسنة 2009، الخاص بتعويض ضحايا الإرهاب من أموال الدولة، وعلى الرغم من إن القانون هو التفاتة حكيمة من قبل الحكومة العراقية لإنصاف الضحايا وعوائلهم من خلال مبالغ تعويضات ورواتب تقاعدية، إلا إن ما يأخذ على القانون أن مبالغ التعويضات رمزية لا تتناسب وحجب الضرر والجريمة، لهذا فان على المشرع العراقي إن يؤكد في نص القانون على حق عوائل الضحايا بتقديم طلبات تدين الدول والأفراد التي ساهمت ومولت قتل ذويهم، والتأكيد على حقهم برفع دعاوى دولية ضد الدول التي تسببت بالإرهاب في العراق، وعلى ضرورة حصولهم على تعويض مجزي من هذه الدول.
2- عدم الحزم تجاه الإرهابيين في الداخل، هناك الكثير من العمليات الإرهابية نفذت من قبل أشخاص عراقيين، وقد تم إلقاء القبض عليهم، إلا إن الإجراءات القضائية المعقدة لا زالت تأخر اخذ الحق منهم، وإذا اخذ هذا الحق يكون بشكل سجن مؤبد أو إطلاق سراحه لعدم كفتية الأدلة، وحتى حالات الإعدام وهي قليلة جدا، فان حق الضحية في التعويض المادي من ذوي القاتل مفقود، لهذا فإذا كانت الحكومة غير قادرة اخذ الحق من الإرهابيين في الداخل، كيف لها إن تكون فاعلة في دول الإقليم، وفرض اخذ حقوق الضحايا منها؟
3- التوافقات السياسية داخليا وخارجيا، إن إصدار البرلمان لقانون العفو العام للمحكومين العراقيين هو انتكاسة ثانية في العراق، لان القانون صدر بالتوافق السياسي بين الكتل السياسية من اجل إخراج شخصيات وإفراد متهمين بالإرهاب بحجة إعادة المحاكمة وعم كفاية الأدلة، علما إن بعضهم ارتكبوا أعمال إرهابية ضد العراقيين، إضافة إلى دعوة بعض الأطراف داخل العراق، ومن بعض دول الجوار والضغط على الحكومة العراقية لإطلاق سراح الإرهابيين الأجانب، وإصدار عفو عنهم بحجة عقد اتفاقيات تسليم المجرمين، علما إن اغلبهم جاءوا للعراق ونفذوا عمليات إرهابية بعلم وتمويل من دولهم، أو منظمات وإفراد فيها، ومنهم سعوديون وشيشان وأفغان وغيرهم.
4- ضعف التماسك الداخلي، فقد عانى العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 إلى ألان من التشتت الداخلي، وعدم وجود توافق عام ضد العمليات الإرهابية في العراق، فقد كان بعض الأشخاص سواء من السياسيين ورجال الدين من يشجعون العمليات الطائفية والإرهاب بشكل علني، بل منهم من قام بتنفيذ أعمال قتل طائفي في العراق، ومنهم من كانوا بمناصب عليا في البلاد، مثل نائب الرئيس الهارب (طارق الهاشمي) وأعضاء في البرلمان العراقي منهم (محمد الدايني) إذ تم إطلاق سراحه رغم إن عدة قضايا إرهابية سجلت ضده بالأدلة التي لاتقبل الشك، فإذا كان البيت الداخلي بهذا الوهن والضعف فليس من المستطاع إن يقدم العراق على خطوة محاسبة مسؤولي وإفراد من دول أخرى تملك تأثير اكبر في القرار السياسي العراقي.
5- إن أمريكا بإصدارها قانون جاستا هي قادرة على تطبيقه، وذلك بما تملكه من وسائل سياسية واقتصادية وعسكرية، فقد أجبرت ليبيا مثلا عام 1986، بحادثة لوكوربي بدفع تعويضات للضحايا تقدم بملياري دولار، مع تسليم المتهمين بالعملية، وهي قادرة ألان على إجبار إي دولة يثبت تورطها بأعمال إرهابية في أمريكا بدفع تعويضات عن هذه الأعمال، إلا إن العراق بوضعه الحالي وهو يجابه الإرهاب بمساعدة أمريكا ودول صديقة أخرى، لا يملك عوامل القوة الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية التي تمكنه من فرض إرادته وإجبار الدول الداعمة للإرهاب في العراق من دفع تعويضات للضحايا.
إن ما تم طرحه من معوقات أمام الحكومة العراقية أمام المطالبة بتعويضات للمتضررين من الإرهاب ومحاكمة الدول والأفراد الداعمين للإرهاب، لايعني إن الحكومة العراقية قاصرة في المطالبة بهذا الأمر وبعدة طرق منها، إن لم يستطيع العراق من اخذ حقوق ضحاياه وهم بالملايين، من دول ساهمت وساعدت في قتلهم وتجيرهم وبيعهم، فان بالإمكان على اقل تقدير إصدار قانون مشابه لقانون جاستا، لمكافحة الإرهاب ومموليه الخارجيين، وإتباع كل السبل الممكنة لجلبهم أمام القضاء العراقي لمحاسبتهم واخذ التعويض منهم، إن سنحت الفرصة لذلك، وعدم إضاعة القضية، وعلى الحكومة العراقية دعوة الأمم المتحدة على عقد مؤتمر دولي تحضره جميع الدول المنطوية تحت منظومة الأمم المتحدة للكشف عن الجرائم الإرهابية المرتكبة في العراق من قبل القاعدة وتنظيم داعش الإرهابي والدول التي تمولها، مع تسليط الضوء على ظاهرة الإرهاب المستشرية في العالم، والدعوة لإقرار عقوبات صارمة على الدول الراعية للإرهاب والتي تموله، دعوة جامعة الدول العربية بان يكون لها موقفاً واضحاً تجاه الإرهاب في المنطقة العربية، حث البرلمان العراقي على اتخاذ الإجراءات التشريعية اللازمة على اعتبار الجرائم المرتكبة من قبل المجموعات الإرهابية بعد لاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، الإسراع بانضمام العراق إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية اللاجئين لسنة 1951 والبروتوكولات الملحقة بها، المطالبة بانضمام العراق إلى نظام روما الأساسي والمحكمة الجنائية الدولية، دعوة الحكومة العراقية على تأسيس مركز يتولى إعداد قاعدة بيانات تضم جميع الانتهاكات المرتكبة من قبل المجموعات الإرهابية وحصر أسماء المتضررين وأماكنهم ونوع الانتهاك المرتكب بحقهم ولجميع فئات المجتمع، تمهيدا لعرضها على الأمم المتحدة والمحكمة الدولية لمحاكمة مرتكبي هذه الأعمال.