أن قانون الدعم الطارئ للامن الغذائي والتنمية لايمكن أن يكون بديلاً عن قانون الموازنة العامة، وحتمية غياب قانون الموازنة العامة لهذا العام سيؤدي الى نتائج وخيمة على الاقتصاد العراقي لاسيما وأن الكشوفات التي تصدر من دائرة المحاسبة بوزارة المالية في بداية السنة المالية من العام القادم لا يمكن أن تغطي جميع الايرادات العامة والنفقات العامة، فضلاً عن أنعدام مبدأ " شفافية الموازنة العامة " بالأفصاح عن اليآت جمع وأنفاق الأموال العامة
تتعدد التعاريف التي تناولت موضوع الموازنة العامة لكنها لاتخرج عن كونها خطة مفصلة للايرادات العامة والنفقات العامة للسنة القادمة يحدد من خلالها ما تنوي الدولة القيام به في حدود إمكانياتها المادية.
فقد عرفت من الجانب المالي " هي البيان الذي يتم فيه تقدير ايرادات الدولة ونفقاتها خلال فترة مالية قادمة، عادة ما تكون سنة وتتطلب إجازة من السلطة التشريعية ". فضلاً عن كونها " وثيقة تتضمن تقديراً لنفقات الدولة وإيراداتها خلال مدة قادمة غالباً ما تكون سنة واحدة ويتم هذا التقدير في ضوء الأهداف التي تسعى اليها السلطة السياسية “.
أما من الجانب القانوني فقد عرفت حسب قانون أصول المحاسبات رقم (28) لسنة 1940 المعدل " بإنها الجداول المتضمنة تخمين الواردات والمصروفات لسنة مالية واحدة تعيَن في قانون الميزانية " وعرفت حسب قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 المعدل بإنها "خطة مالية تعبر عما تعتزم الدولة القيام به من برامج ومشروعات وتتضمن جداول تخطيطية لتخمين الايرادات وتقدير النفقات بشقيها الجارية والأستثمارية لسنة مالية واحدة " .
وما يميز الموازنة العامة في العراق انها تشغل أهتمام غالبية الأفراد بتفاصيلها المختلفة، فاذا ما تأخر اقرار قانون الموازنة العامة سيدور الحديث عن أسباب ذلك التأخير وهل سيتم اقرار قانون الموازنة العامة من عدمه. وهنا يثار التساؤل عن أسباب عدم اقرار قانون الموازنة العامة لعام 2022 وهل سيتكرر سيناريو الأعوام 2014 و2020؟
وكما نعلم أن العراق قارب على انهاء السنة المالية بدون اقرار الموازنة العامة نتيجة للخلافات والنزاعات السياسية، وقد اقرت الحكومة قانون الدعم الطارئ للامن الغذائي والتنمية رقم (2) لسنة 2022 المنشور بجريدة الوقائع العراقية بالعدد (4681) في الرابع من تموز/ 2022.
بــــــــــــــــــــــــــــــوادر الأزمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
ان الاحداث الناتجة عن النزاع السياسي حول تشكيل الحكومة من جانب والخلاف بين الحكومة المركزية والاقليم والفوضى الناتجة حول قيام منظمة الاوبك بلاس بخفض انتاجها من النفط الخام الى مستويات قاربت 100 الف برميل يومياً بعد المطالبات برفع سقوف انتاجها ، ومن ثم عودة التقلبات في أسعار النفط الخام سيؤدي الى صعوبة في تحديد سعر ثابت للنفط الخام في موازنة العام القادم ، يضاف الى ذلك غياب الموازنة العامة لهذا العام والاكتفاء بقانون الدعم الطارىء للامن الغذائي والتنمية المذكور آنفاً الذي انشئ له حساب خاص يسمى ( دعم الامن الغذائي والتنمية والتحوط المالي وتخفيف الفقر ) بتخصيص مالي قدره (25) ترليون دينار ، توزعت في القانون على جدوليين ( أ ) و (ب) متضمنة 24 مفردة لكل منهما، كما مدرج في الجدول إدناه :-
{img_1}
{img_2}
{img_3}
{img_4}
{img_5}
{img_6}
ومما لا شك فيه، أن القانون مدار البحث أعلاه لايمكن أن يكون بديلاً عن قانون الموازنة العامة، وحتمية غياب قانون الموازنة العامة لهذا العام سيؤدي الى نتائج وخيمة على الاقتصاد العراقي لاسيما وأن الكشوفات التي تصدر من دائرة المحاسبة بوزارة المالية في بداية السنة المالية من العام القادم لا يمكن أن تغطي جميع الايرادات العامة والنفقات العامة، فضلاً عن أنعدام مبدأ " شفافية الموازنة العامة " بالأفصاح عن اليآت جمع وأنفاق الأموال العامة. وبذلك سيرافق عدم اقرار قانون الموازنة العامة النتائج الآتية: -
1- تهميش دور الدولة الاقتصادي نتيجة الاعتماد شبه التام على الايرادات النفطية نتيجة للطبيعة الريعية للإقتصاد العراقي مع محدودية الايرادات غير النفطية جراء ضعف الايرادات الضريبية في العراق بسبب هشاشة النظام الضريبي وتقادم قوانيته ، فضلاً عن كثرة الاعفاءات الضريبية وأتساع حجم التهرب الضريبي جراء الفساد الاداري والمالي مما جعل الاخير لا يشكل أسهامها في الايرادات العامة للموازنة العامة الا نسبة (8%) في أحسن حالاتها .
2- الزم قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 المعدل السلطة التنفيذية في العراق أعتماد المادة (13) / ثالثاً ( في حالة عدم اقرار مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة مالية معينة تعد البيانات المالية النهائية للسنة السابقة أساساً للبيانات المالية لهذه السنة وتقدم الى مجلس النواب لغرض أقرارها ) وهذا ما يجعل من بيانات السنة السابقة مصدراً لبيانات موازنة هذا العام ، وبشكل عام لم يتطرق القانون الى الاختلاف الحاصل في أتجاهات كل من النفقات العامة والايرادات العامة بين السنوات المختلفة لاسيما وأن سلعة النفط الخام التي تبنى عليها ايرادات الموازنة العامة متذبذبة وتخضع للتحكم السعري من الخارج من ثم صعوبة التوقع في أسعار النفط الخام في ظل التغييرات الدولية العالمية .
3- تجاوز سقوف المصروفات لما يفوق نسبة 1/12 من اجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية التي اقرها قانون الادارة المالية الاتحادية المعدل في المادة (13) / أولاً ، فضلاً عن التمويل وفق ما جاء به قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية بالصرف على فئات محددة ، وهذا مدعاة لغياب الرقابة والمسائلة على المصروفات العامة وأن فرض القانون الاخير على ديوان الرقابة المالية تقديم تقرير فصلي بالانفاق .
4- ضعف الانضباط المالي إذ من المتوقع أن يشهد هذا العام هدر في المال العام نتيجة عدم متابعة حركة الانفاق العام .
5- أستمرار الاختلال في هيكل النفقات العامة نتيجة غلبة النفقات التشغيلية على النفقات الاستثمارية إذ تم توزيع الانفاق حسب ماهو مخصص في جداول القانون المذكور آنفاً وليس حسب الحاجة الفعلية للوزارات والقطاعات مع شمول ثلاث محافظات بتنمية الاقاليم حصراً، فضلاً عن تأجيل بعض المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية ذات الجدوى الاقتصادية للعام القادم وهذا من شأنه أن يؤدي الى التأثير سلباً في المشاريع التنموية
6- عدم التعرف على العجز المخطط في الموازنة العامة ، فالعجز يعني تجاوز التخصيصات المالية المحددة للانفاق على الايرادات ، ومن عدم معرفة مقدار الفوائض المالية في هذا العام .
7- عدم تحديد سعر الصرف الرسمي في الموازنة العامة في هذا العام سيؤدي الى الاحتكام الى سعر الصرف للعام السابق .
8- من المتوقع أستمرار تعثر ديوان الرقابة المالية الاتحادي في أنجاز الحسابات الختامية للميزانية المتأخرة منذ عام 2014.
9- التأخر في تسديد التزامات وتعهدات الحكومة تجاه الجهات المدينة مثل الديون القابلة للسداد جراء الاقتراض، وقد أكتفى القانون بالاشارة الى الاستمرار بالاقتراض من الداخل والخارج لتمويل المشروعات التنموية المستمرة والممولة من القروض المصادق عليها في قوانين الموازنات السابقة دون الدخول بتعاقد جديد ، فضلاً عن التأخر في تسديد التزامات الحكومة للشركات والمقاولين .
مــــــــــــــــــــــــــــن يحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل الازمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
ونحن على أعتاب نهاية السنة المالية الحالية وبداية سنة مالية جديدة لا بد أن تكلل رؤية الحكومة في إعداد ستراتيجية واضحة للموازنة العامة تعتمد على آسس قانون الادارة المالية الاتحادية مع الالتزام بمبدأ شفافية الموازنة العامة .
وتقع على السلطة التشريعية المتابعة والرقابة على عملية سير قانون الدعم المذكور سابقاً في ظل غياب قانون الموازنة العامة لهذا العام . ولابد من الإشارة الى هذا القانون الذي خرج من رحم قانون الموازنة العامة قد سلط الضوء على نجاح وزارة المالية في إيجاد حلول لعدم اقرار قانون الموازنة العامة أسهمت في تسيير جميع مفاصل الدولة .
ونقترح من أجل تجاوز مثالب عدم اقرار الموازنة العامة وحل الازمة الراهنـة تحقيق الآتـي: -
1- أن يحدد سقف زمني يلزم الوزارات العمل بالمادة (2)/ ثالثاً من قانون اصول المحاسباب المذكور آنفاً بتحضير تخمينات لمصروفاتها وايراداتها وارسالها الى وزارة المالية قبل نهاية شهر تموز من كل سنة وتقوم الاخير بتسليم الموازنة الى السلطة التشريعية والاقرار قبل نهاية السنة المالية ليتم التنفيذ في بداية السنة المالية القادمة .
2- الاستمرار بالعمل على تغيير أسلوب إعداد الموازنة من موازنة البنود الى موازنة البرامج والاداء القائمة على خطط وبرامج أستثمارية ذات جدوى اقتصادية من أجل ضمان الرقابة والمتابعة.
3- الاستفادة من الفوائض المالية الناتجة عن تزايد الايرادات النفطية في ظل الارتفاع في أسعار النفط الخام عالمياً في هذه السنة في جانبين:
أ- رسم سترايجية لموازنة العام القادم تهدف الى تحقيق الاهداف التنموية ومعالجة حالات البطالة والفقر وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي للبلد.
ب- استحداث صندوق الثروة السيادي الذي يسهم في استثمار الفوائض المالية الناجمة عن الارتفاع في أسعار النفط في تنمية القطاعات الحقيقية في البلد.
اضافةتعليق