التداعيات المحتملة لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الامريكي على امريكا والسعودية

يبدو أن شبح المسؤولية عن هجمات 11 أيلول/2001 ، ما يزال يطارد السعودية، رغم أنها سخرت إمكانيات هائلة لمحاربة الإرهاب جنبا إلى جنب مع حليفتها الولايات المتحدة، وأن العلاقة التاريخية بين أميركا وحليفتها السعودية تمر بأسوأ حالاتها، خاصة بعدما أوصل وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بنفسه رسالة "تهديد" إلى واشنطن الشهر الماضي، مفادها بأن الرياض ستبيع أصولها المالية المقدرة بـ 750 مليار دولار في الولايات المتحدة إذا مرر الكونغرس مشروع قانون عن هجمات نيويورك، فقبل يومين من الذكرى الـ 15 لهجمات 11 ايلول 2001 ، أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعا يوم الجمعة 9 أيلول 2016 يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية طلبا لتعويضات، اذ تم رفع الطلب الى الرئيس الامريكي للمصادقة عليه، وقد استخدم الرئيس النقض الفيتو من قبل الرئيس في 23/9/2016، الا ان الكونغرس عاد ورفض فيتو الرئيس على القرار بأغلبية الثلثين في 28/9/2016، وقد صوت مجلس الشيوخ الأمريكي أولا لمصلحة رفض فيتو الرئيس بـ 97 صوتا مقابل صوت واحد، ومن ثم صوت مجلس النواب أيضا على رفض الفيتو بأغلبية 348 صوتا مقابل 76، وبذلك يصبح القانون الذي يحمل اسم "العدالة ضد رعاة الإرهاب" ساريا، ويعدل التشريع الجديد قانون صدر في عام 1967 يعطي حصانة لبلدان أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يتيح هذا القانون، رفع قضايا مدنية ضد دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي لطلب تعويضات عن إصابات أو موت أو أضرار ناجمة عن عمل من أعمال الإرهاب الدولي، وقد نوقش هذا المشروع أول مرة في ايلول عام 2009، واعيد مرة اخرى للنقاش في مجلس الشيوخ في 16/9/2015، ثم اقر في مجلس الشيوخ في 17/5/2016. ان تحميل السعودية مسؤولية الهجمات في هذا القانون، وتقديم دعاوى ضدها ليست الاولى، فقد اقامت عائلات الضحايا دعوى قضائية ضد السعودية في أيلول/سبتمبر 2015 والتي رفضها القضاء الأميركي، حيث قال قاضي المحكمة الجزائية الأميركية في مانهاتن حينها (جورج دانيلز)، إن السعودية لديها حصانة سيادية من مطالب التعويض من عائلات حوالي 3000 شخص قتلوا في تلك الهجمات، ومن شركات التأمين التي غطت الخسائر التي مني بها أصحاب برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وشركات أخرى، وقد استند المحامون وعائلات الضحايا في اتهامهم للسعودية على شهادة احد المتهمين بالمساعدة في التفجيرات وهو (زكريا مصطفى)، كما ان هناك 15 سعودي من بين ال (19) المشتركين بالتفجير، لهذا فان اتهام السعودية عن دورها في الهجمات جاء بعد جمع الأدلة الكافية لإدانتها، سواء كانت مشتركة فعلا فيها، او انها ورطت فيها من قبل مخابرات دولة اخرى. إن تمرير هذا القانون في الكونغرس يعد ضربة لإدارة الرئيس أوباما وللسعودية التي تعد من اهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، سيكون له تأثيرات هائلة على المنطقة بشكل عام وعلى السعودية بشكل خاص، وسيكون على السعودية لتفادي الكارثة ان تقدم تنازلات وتدفع تعويضات كبيرة لأسر الضحايا، ومن هذه التأثيرات هي: 1- تدهور العلاقات بين السعودية وامريكا، اذ أكدت العديد من وسائل الإعلام الغربية أن السعودية متهمة بالدرجة الاولى بالهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول/ 2001م في واشنطن ونيويورك، فقد قالت صحيفة التلغراف البريطانية قد نشرت تقريراً حول الوهابية السعودية وعلاقتها بنشر الإرهاب في مختلف دول العالم، مؤكدة أن هذا الفكر المتشدد استطاعت أيديولوجيته أن تغزو عدداً من البلدان في العالم، وأن جذور "داعش" تعود إلى الوهابية، ذلك الفكر المتطرف المحافظ من الإسلام السُني الذي يمارس في السعودية منذ القرن الـثامن عشر الميلادي والوهابية لها الآن تأثير في جميع أنحاء العالم، وتم تحديد الوهابية من قبل البرلمان الأوروبي في "ستراسبورغ" كمصدر رئيسي للإرهاب العالمي في تموز 2013. 2- تراجع الدعم الاوربي للسعودية: كما ان عدد من الدول الاوربية، مثل هولندا وغيرها قد دعت الى وقف تصدير السلاح الى السعودية لانها مشتركة فعليا في جرائم الابادة التي قام بها داعش في العراق وسوريا، فقد طلب البرلمان من الحكومة الهولندية تطبيقاً صارماً لحظر السلاح، وعدم منح تراخيص للصادرات ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن تستعمل لانتهاك حقوق الإنسان، مستندا في ذلك إلى تقرير أصدرته الأمم المتحدة، في 22 كانون الثاني الماضي عن لجنة الخبراء بشأن اليمن، ومواصلة السعودية تنفيذ أحكام الإعدام كأسباب للحظر، اضافة الى ان زعيم حزب العمال البريطاني (جيريمي كوربين)، هو الاخر دعا الى وقف تزويد السعودية بالاسلحة لدورها في انتهاك حقوق الانسان في اليمن. 3- يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن التهديد السعودي ببيع اصولها المالية في امريكا غير قابل للتطبيق لما له من تداعيات مدمرة على الاقتصاد السعودي ذاته، لأنه سوف يؤدي إلى انخفاض العملية الرسمية للرياض والتي ترتبط قيمتها بالدولار الأميركي الذي سيتأثر في حال نفذت الرياض تهديداتها، كما ان الاصول السعودية نفسها معرضة للمصادرة والتجميد في حالة رفع دعاوى من قبل ذوي الضحايا، وقال وزير الخارجية السعودي في مقابلة اخرى، إن بلاده حذرت فقط من انهيار ثقة المستثمرين السعوديين بالولايات المتحدة، وهذا اول تراجع سعودي عن التهديدات السابقة. 4- ان القانون الذي يسمح للضحايا بمقاضاة الدول التي تسببت بالكارثة، يعني ضمنا اجبار هذه الدول على دفع تعويضات لذويهم، وبالفعل تم رفع دعوى من قبل احدى ارامل الضحايا لمقاضاة السعودية عن هذه العمليات، وهذا يعني من حق كل الدول التي تعرضت لهجمات المجموعات المرتبطة بالوهابية والمدعومين من نظام الحكم السعودي، ومنها الشعوب العربية والاسلامية في العراق سوريا اليمن البحرين لبنان مصر الجزائر افغانستان ايران دول اوربا افريقيا آسيا ودول اخرى من حقها ان تطالب السعودية بدفع تعويضات عن الاضرار التي لحقت بها وبمواطنيها، اضافة الى احتمال فرض عقوبات دولية عليها احتمال غير بعيد التطبيق. 5- ان هذا القرار يعد ضربة امريكية قوية للسياسة السعودية المتخبطة في المنطقة، اذ ان امريكا تعمل في المنطقة بأجندة محددة ومدروسة، بحيث لا تجعل لها تأثير على امنها القومي او على مصالحها في المنطقة، ومن خلال بعض التحليلات التي بدأت تخرج إلى العلن من مراكز الأبحاث والدراسات في أميركا، أنّ هناك مشروعاً أميركياً جديداً بدأ برسم سياسات جديدة للتعامل مع الملف السعودي، والأكثر وضوحاً هو أنّ هناك دعوات صريحة تصدر اليوم من داخل دوائر صنع القرار الأميركي تدعو إلى اختيار الوقت المناسب للانقضاض على السعودية التي من المتوقع، بحسب الرؤية الأميركية، أن تخرج من حرب اليمن أكثر ضعفاً وهشاشة، والمطلوب هو تقسيمها إلى دويلات طائفية وديموغرافية، وبالطبع هذا الموضوع بدأ يلقى رواجاً كبيراً داخل دوائر صنع القرار الأميركي، ويعلم السعوديون وبعض دوائرهم الرسمية كلّ هذه التفاصيل، وهم متيقنون من ذلك، فهم يدركون جيداً معنى أن يظهر إلى العلن مخطط كهذا، جلُّ القائمين عليه من صناع القرار الأميركي، وهؤلاء أنفسهم كان لهم الدور الأكبر في رسم سيناريوهات غزو العراق وأفغانستان والتحرك في ليبيا وسورية، وهم من يرسمون الآن خطوط واتجاهات ما يسمى الربيع العربي، وهم أنفسهم الذين يخططون ويرسمون شكل العالم الجديد، ولكن في هذه المرحلة يبدو أنّ النظام السعودي في عهد ملكه الجديد، ما زال يمارس مزيداً من المغامرات التي ستكون لها انعكاسات وارتدادات على السعودية حتماً في الأيام المقبلة، ومنها تأثيرات وارتدادات الحرب العدوانية الأخيرة على اليمن على الداخل السعودي، إنّ الحديث الأخير للرئيس الأميركي باراك أوباما لصحيفة "نيويورك تايمز" مطلع النصف الثاني من العام الماضي والذي قال فيه "إنّ أكبر خطر يتهدد دول الخليج ليس التعرض لهجوم من إيران، وإنما السخط داخل بلادهم، بما في ذلك سخط الشبان الغاضبين والعاطلين عن العمل والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم، جاء هذه المرة بنبرة وصيغة مختلفة كلياً عن أحاديث سابقة، وهذه هي المرة الأولى تقريباً التي يتطرق فيها مسؤول أميركي رفيع إلى ضغوطات ومشاكل الداخل السعودي، وهذا ما يؤكد قطعاً أنّ هناك صراعاً خفياً يدور خلف الكواليس بين أركان الإدارة الأميركية وصُنّاع القرار حول سبل التعاطي مع الملف السعودي. 6- إن مخاوف السعودية ليست من القانون في حد ذاته أو من الملاحقات القضائية المنتظرة ضدها، ولكن القلق متأت أصلا من السلوكي الأميركي المتغير بشكل يبدو راديكاليا في العلاقة بين البلدين الحليفين، والذي أوصل علاقتهما الى هذا المستوى من الشك، لا سيما في ظل الإدارة الديمقراطية الحالية التي يعتقد انها تخلت عن كل الإرث التاريخي لعلاقات تحالف استراتيجي بسرعة وعلى نحو مفاجئ لفائدة دول معادية للسعودية كإيران الخصم اللدود للسعودية في المنطقة، وجاء القانون بعد خلافات سابقة بين الدولتين على ملفات عديدة منها الملف النووي الإيراني والملف السوري وحتى في الملفين اليمني والعراقي، اذ لم تراع واشنطن مخاوف حليفها التقليدي من برنامج ايران النووي وقد رفعت العقوبات الاقتصادية عن طهران مع ما يعني ذلك من تمكن ايران من موارد مالية ضخمة لمزيد تسليح قواتها ودعم المجموعات التابعة لها في الدول العربية. أن القانون في الوقت الذي يؤثر على السعودية، فان له عواقب على صاحبة القرار وهي امريكا، ومنها: 1- قد يسبب هذا القانون الفوضى الدولية، ويعرض الشركات والمسؤولين والقوات الأمريكية إلى دعاوى قضائية محتملة خارج البلاد، فقد ارتكبت امريكا العديد من الجرائم الدولية ضد اشخاص ودول وضد شركات اجنبية اخرى، فقد غزت وهاجمت وشاركت في دمار عدد من دول العالم بحجج واهية، مثل بنما وغرينادا وكوسوفو والعراق وليبيا وسوريا، لهذا فان هذا القانون سلاح ذو حدين، فليس من الصعب تصور أن تستخدم دول أخرى هذا القانون ذريعة لجر دبلوماسيين أميركيين أو جنود أميركيين أو حتى شركات أميركية إلى المحاكم في أنحاء العالم. 2- ان مبدأ الحصانة السيادية مبدأ يحمي المسؤولين الأمريكيين في الخارج، وهو مبدأ مبني على التبادلية مع الدول الاخرى، وان تخلي امريكا عن حماية مسؤولي واموال الحلفاء والدول الاخرى يعني ضمنا ان مسؤوليها واموالها هي الاخرى عرضة للمخاطر، وهذا ما قاله الرئيس الامريكي ( أوباما) في دفاعه عن استخدام حق النقض ضد القانون، "بأنه سيقوض العلاقات الأمريكية السعودية، وانه سيسمح برفع قضايا قضائية انتقامية ضد المسؤولين وعناصر القوات المسلحة الامريكية في أماكن أمثال أفغانستان والعراق. 3- ان هذا القانون سوف يزيد الصراع والتنافس بين المؤسسات الامريكية، ففي الوقت الذي يصر البيت الأبيض والجهة التنفيذية على رفض القانون لانهما مهتمان جدا بالاعتبارات الدبلوماسية، فان الكونغرس بنوابه وشيوخه مهتمون أكثر بالشؤون الداخلية الامريكية ومنها عوائل الضحايا وتطبيق العدالة. 4- يؤكد عدد من المختصين أن مشروع القانون الأمريكي تميزي وغير منصف، حيث لا يوجد هناك أي دليل على تورط مسؤولين من السعودية في العمليات التي ضربت امريكا عام 2001، وإذا كان 15 من مجموع 19 شخصا شاركوا فيها من مواطني السعودية، فإن ذلك لا يعني انها هي من حرض على العمليات، فهؤلاء الارهابيون قد يكونوا جندوا من قبل مخابرات دولة اخرى بحجة الوقوف بوجه الاعمال الامريكية في المنطقة كما انهم يعملون ضد الحكم في السعودية، فإذا رفع هذا القانون إلى مستوى الدول فستكون عواقبه سلبية جدا للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول، وأن إدارة أوباما لا تتخوف فقط من تفاقم العلاقات مع السعودية، فكما أعلن المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض جوش إرنست، ستتمكن حينئذ بلدان عديدة من استخدام هذا القانون كحجة في ملاحقة الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين وحتى الشركات الأمريكية في العالم. 5- ان قيام السعودية بسحب اموالها من امريكا، ووقف الاستثمارات، مع دعم من دول الخليج الاخرى، سيقود حتما الى زلزلة اسواق المال الامريكية التي تعتمد اغلبها على الاموال الخليجية وهي تقدر بألاف المليارات من الدولارات، كما ان أي تعاون بين السعودية ودول الاوبك على تقليل الانتاج الى مستويات متدنية فانه سيقود حتما الى رفع الاسعار بشكل عالي جدا، وحتى لو ان امريكا لا تتضرر منه فانه في نهاية المطاف سيقود الى فوضى في اسواق النفط العالمية، خاصة وان دول منتجة مهمة مثل روسيا وفنزويلا والمعادية لأمريكا تنتظر مثل هذه اللحظات لتلحق الضرر بأمريكا باي وسيلة كانت. خلاصة القول، ان هذا القانون وان كان له تأثير معنوي على السعودية، الا انه لن يكون له تأثير كبير عليها، لأنه بموجب القانون الحالي، لا يمكن لضحايا الإرهاب سوى مقاضاة الدول التي تصنفها وزارة الخارجية الأميركية رسميا دول راعية للإرهاب مثل إيران وسورية وكوريا الشمالية، ولم يثبت بعد أي ضلوع رسمي للسعودية في الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة، إضافة إلى أنها ليست مصنفة ضمن الدول الراعية للإرهاب، لهذا فان امريكا قد تكون تحضر لعملية اخرى على اراضيها تتهم فيها دولا تعدها خطرا على مصالحها وامنها القومي، كإيران او سوريا، لان السعودية تعد تابع وحليف لأمريكا، ولا يمكنها مخالفة تعليماتها او الخروج عن سياساتها في المنطقة، كذلك امريكا ملزمة وحسب الاتفاقيات الموقعة مع السعودية على حمايتها من أي تهديد ومن أي جهة كان، لهذا فان هذا القانون جاء لتحذير السعودية من مغبة الخروج على السياسة الأمريكية، او مخالفة سياساتها في المنطقة، وهو لم يكن موجها بالكامل ضد السعودية بل لعدد من دول المنطقة المتهمة بالإرهاب، ويعد هذا القانون التحذير الاول لهذه الدول. كما ان هذا القانون يخالف مواثيق الامم المتحدة بشأن سيادة وحصانة الدول، وذلك لأن مبدأ حصانة الدول مبدأ أقرته كثير من المواثيق والمعاهدات الدولية التي تعتبر أمريكا طرف بها، فهذا القانون يتضمن أحكاما لا تتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، أو مع القواعد المستقرة في القانون الدولي، كما أنه لا يستند إلى أي أساس في الأعراف الدولية أو القواعد المُستقرة للعلاقات بين الدول، ولا تُقر تحت أية ذريعة، فرض قانون داخلي لدولة على دول أخرى، وهذا ما يدفع بعدم شرعية القانون. ان قانون العدالة ضد رعاة الارهاب لا يتضمن أحكاما تخول للمحاكم الفيدرالية حق إجبار الدول ذات السيادة الأجنبية على تسليم أصولها في الولايات المتحدة للوفاء بأحكامها، وأن هذه الأحكام كانت موجودة في النسخة الأولى من القانون، أما النسخة المعدلة فلا تسمح بذلك، وأن الحصول على تعويضات لأهالي الضحايا تكاد تكون معدومة بموجب هذا القانون.
التعليقات