العراق: هل تكون المشاركة السياسية اسيرة ارادات حزبية؟

شارك الموضوع :

ان تلك "القوى" لا تريد للتدهور ان يتوقف، وللخراب ان ينتهي، وللأمن ان يتحقق، ولا التنمية الاقتصادية ان تتحقق. وبالنتيجة ستتعزز حالة الرفض الشعبي وستتعزز حالة عدم الشرعية للنظام والمنظومة السياسية. وسيكون من الطبيعي التعبير عن حال الرفض متوافرة، كما حصل بعد انتخابات ايار/2018. فالأسباب المباشرة لإعلان حال الرفض متوفرة وهي الازمة المتعددة الابعاد التي تخيم على النظام السياسي والدولة منذ 2003 ولغاية الآن

تعد مرحلة الانتخابات التشريعية من أكثر المراحل صعوبة وحرج للدول وانظمتها وشعوبها في الدول الغير مستقرة سياسيا وامنيا، فما بالك في البلدان التي تعش تراجع وتدهور في كافة مناحي الحياة وفي كل القطاعات كما هو الحال في العراق. هكذا بلدان تعيش نوع من القلق من الوصول الى حالة من التدهور والفشل التام او الانهيار في مرحلة ما قبل اجراء الانتخابات او مرحلة ما بعد اعلان النتائج. وكثيرا ما يم التغاضي عن اية سلوكيات سلبية في كلا المرحلتين وحتى في عملية الاقتراع بهدف الحفاظ على الاستقرار النسبي المتحقق وعدم انحداره الى الفوضى، كما حدث في الانتخابات التشريعية العراقية في ايار 2018.

العراق مقبل على انتخابات تشريعية مبكرة، وهي المرة الاولى التي يتم فيها اقرار اجراء انتخابات مبكرة بعد التغيير السياسي الذي أعقب الغزو الاميركي للعراق عام 2003، بعد أشهر من الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في تشرين الاول 2019 وشملت كل محافظات الفرات الاوسط وجنوب العراق. واليوم تعيش البلاد حالة من التسابق بين "القوى او التيارات او الاحزاب السياسية" نحو فرض واقع كل منها تريد منه ان يكون لصالحها في وقت تعمل تلك القوى وفق منطق المصالح الضيقة، لا وفق مصالح بناء الدولة ومؤسساتها.

وتجسد هذا التسابق بصور مختلفة، فتارة يكون في صورة مواقف وتصريحات اعلامية كما حصل مع التيار الصدري الذي يكوّن مع قوى مدنية (تحالف سائرون) وهو أكبر كتلة نيابية بعدد اعضاء 54 نائب مع أكد المتحدث باسمه الشيخ صلاح العبيدي بأنه التيار الصدري سيحصل على 100 مقعد نيابي. ومقابل ذلك تصريح لكتلة فتح النيابية بأن الكتلة سترشح السيد هادي العامري ليكون رئيس الوزراء القادم، في رسالة الى أن الكتلة ستحصل على الاغلبية النيابية في الانتخابات المبكرة القادمة. واشارات ومواقف وتصريحات اخرى لقوى اخرى يمكن وضعها بذات السياق. كل هذه الصور هي رسائل سياسية بين هذه "القوى والاحزاب السياسية". كما انها رسائل للرأي العام الداخلي مفادها: "انها قوى سياسية لها الخبرة في ادارة الدولة ولها منجزاتها وقدمت التضحيات في مواجهة ارهاب القاعدة وداعش. وهذا يؤهلها لتكون في موقع الصدارة في قيادة البلاد رغم حالة الرفض وعدم المقبولية التي تواجهها في الحركة الاحتجاجية الاخيرة، وانها لن تنسحب من المنظومة السياسية لمجرد وجود تظاهرات ضدها". هذه الرسالة هي من دفعت تلك القوى مسبقا لإلصاق التهم والتوصيفات بحق الحركة الاحتجاجية والاساءة للناشطين والذين يعتقدون بهم منافسا انتخابيا لهم في المستقبل، تمهيدا لهذه الرسالة.

إذا ما ركزنا الكلام أكثر نقول، ربما ان التيار الصدري بخروج انصاره مؤخرا الى الشوارع واستعراضهم للقوة، هو صورة من صور فرض الارادات إذا ما أردنا التفكر بمضامين الرسالة الموجهة للرأي العام الداخلي، المراد لها ان تصل من هذا الاستعراض. 

هذه الاشارات وغيرها والتي تهدف الى فرض الارادات والتمهيد لواقع جديد سابق لنتائج الانتخابات لها تأثيراتها على طبيعة المشاركة السياسية في الانتخابات المبكرة القادمة سواء من جانب الترشيح او من جانب الاقتراع (عملية التصويت). 

فما تمتلكه تلك "القوى من امكانيات سياسية، وتأثير أمنى، وامكانيات مالية لها وقعها على مسيرة العملية الانتخابية بأركانها الثلاثة (الناخب، الادارة الانتخابية، النظام الانتخابي). كما لها وقعها على نسبة المشاركة في التصويت يوم الاقتراع وكذلك طبيعة التصويت. فاستمرار بعض القوى على ترسيخ مشهد مراد له ان يكون واقعا بعد الانتخابات سيدفع الى عزوف كثير من الافراد (من غير المؤيدين لتلك القوى والرافضين لواقع الحال) عن التصويت يوم الاقتراع، وسيدفع مناصري ومؤيدي تلك القوى، أيا كانت، الى المشاركة في التصويت بقوة، وهذا سيغير من طبيعة التصويت واتجاهاته، وبالنتيجة نكون امام نتائج انتخابية قريبة نسبيا مما نحن عليه اليوم زيادة او نقصان. 

كما ان تلك السلوكيات تدلل على ان تلك "القوى" لا تريد للتدهور ان يتوقف، وللخراب ان ينتهي، وللأمن ان يتحقق، ولا التنمية الاقتصادية ان تتحقق. وبالنتيجة ستتعزز حالة الرفض الشعبي وستتعزز حالة عدم الشرعية للنظام والمنظومة السياسية. وسيكون من الطبيعي التعبير عن حال الرفض متوافرة، كما حصل بعد انتخابات ايار/2018. فالأسباب المباشرة لإعلان حال الرفض متوفرة وهي الازمة المتعددة الابعاد التي تخيم على النظام السياسي والدولة منذ 2003 ولغاية الآن.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية