يحتاج صانع القرار العراقي لممارسة دور ريادي معتدل يخدم مصالح البلد اولاً بعيدًا عن سياسة المحاور والمحافظة على توازن القوى من دون الإضرار بحليف على حساب اخر
في ظل تراكم الأزمات التي شهدها العراق طوال الحقب الماضية ولا سيما ما بعد الاطاحة بالنظام الملكي وإعلان الجمهورية والتي على اثرها استمرت الاضطرابات الداخلية إذ عملت الجهات السياسية المختلفة على تصفية خصومها من أجل الحصول على مكاسب تعزز سلطتها ونفوذها، هذا إلى جانب ادارك الدولة لأهمية احكام قبضتها على مناطق العراق كافة، فكان من نتائج ذلك الحرب مع الكرد في السبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي وانتفاضة الشيعة 1991 وقمعها. أما على المستوى الخارجي فحرب الثماني سنوات مع إيران وحرب اجتياح الكويت مطلع التسعينيات فضلا عن التوتر السياسي مع تركيا وسوريا باستثناء الاردن الذي احتفظ بعلاقة طيبة مع النظام العراقي آنذاك.
من جهة أخرى فإن قراءة تاريخ علاقة العراق مع السعودية يُشير الى عدم استقرارها باستثناء مدة الحرب مع ايران والتي انتهت بانتهائها ثم تصاعدت العلاقة مرة أخرى وأصابها التوتر مع أزمة اجتياح الكويت، ليستمر هذا التوتر بعد انهيار النظام العراقي 2003 ورفض المملكة الاعتراف بالعملية السياسية العراقية . إذ أعلنت في بداية العملية السياسية الجديدة إن العراق اصبح تحت الهيمنة الإيرانية، وادارت وجهها للعراق كما حثت العديد من الدول العربية والخليجية ان تحذو حذوها . ولعل هذا التوجه السياسي من قبل المملكة تجاه العراق لم يكن توجهًا سياسيا سليما وقد أدركت المملكة مؤخرًا ذلك بوصفها سمحت لإيران أن تملأ الفراغ الناجم عن ذلك الانسحــــاب.
وعندما ارادت السعودية منافسة ايران في العراق شرعت بتمويل بعض الجماعات الارهابية او انها غضت النظر عنها بداعي محاربة الامريكان كما قامت بتمويل بعض الجماعات السنية لإيجاد نوع من التوازن مع دعم ايران لجماعات شيعية ، لكنها فقدت السيطرة على هذه الجماعات الأمر الذي أدّى إلى تحولهم في ما بعد إلى جماعات تتبنى الفكر التكفيري الذي ساهمت بعض الاطراف السعودية باستفحاله وتلقى دعمًا من بعض الجهات المتشددة في السعودية هذا إلى جانب الدعم الاعلامي من بعض المتعصبين السعوديين .
السعودية ادركت اهمية العراق
بعد ان لمع نجم محمد بن سلمان وتسلمه لولاية العهد هناك ابتدأت المملكة بإعادة النظر في مجمل سياساتها ولا سيما مع العراق، ولعل هذا الأمر يعود إلى عوامل عدة في مقدمتها إن المملكة ترى إن العراق يمثل الممر الرئيس لها نحو ممارسة دورها الشرق اوسطي المرتقب وبدون العراق تبقى حبيسة عدم القدرة على التصرف. من جهة أخرى فإن المملكة أدركت إن الوسائل الصلبة لا تجدي نفعًا مع العراق ولا بأس بالتضحية ببعض الحلفاء السنة من الذين خذلوها أو تحوم حولهم الشبهات والتحول باتجاه كسب أصدقاء شيعة ممن لا يظهرون الولاء لطهران واطراف سنية يغلب عليهم الاعتدال والقبول المحلي ، وهذا ما حصل من خلال تقربهم من التيار الصدري والحكمة والوفاق الوطني فضلا عن بعض قادة العرب السنة ، ويبدو إن هذه السياسة الجديدة للمملكة هي محاولة لمزاحمة النفوذ الايراني وادراك الخطأ الذي اقترفه قادة السعودية مسبقًا والذي نجم عن ضعف التمثيل السياسي والدبلوماسي والحضور الاقتصادي والخطاب الإعلامي من دون تحقيق غاية تلك القطيعة .
خطوة الMBCعراق القوة الناعمة هي الحل !
تعد مجموعة ال mbc السعودية والتي تضم مجموعة كبيرة من الفضائيات وهي ذات حضور مؤثر وتحظى بنسب مشاهدة كبيرة على المستوى العربي على وفق طبيعة البرامج التي تعمل عليها، إذ إن غالبيتها ذات طابع ترفيهي فضلا عن طابعها الربحي.
وبعد نجاح تجربتها في مصر عام 2012 وبروز نجمها في أعقاب الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين هناك ووصول العسكر للسلطة ، اتجهت المجموعة نحو الإعلان عن mbc العراق في محاولة لإعادة الحضور السعودي على خطى الطريقة المصرية ومحاولة لمصالحة الجمهور العراقي ، وقد ظهر ذلك واضحًا عبر حجم الحملة الدعائية التي سبقت الافتتاح على الرغم من إن الهدف المعلن هو إيصال الفن للعراق وللدول العربية وإعادة أواصر الترابط العربي ، وأيا كانت أهدافها فإنها تظل جزءًا من القوة الناعمة التي اتبعتها السعودية مؤخرًا تجاه العراق .
استنتاج
اقتنعت السعودية إن العراق القوي بإمكانه صد النفوذ الايراني وايقافه من التمدد الى بقية المناطق العربية ، لذلك هي تعمل على اعادة احياء العلاقات مع العراق وعقد صلح مجتمعي مع الشعب العراقي لإزالة الصورة السوداوية الناجمة عن المواقف التراكمية السابقة في اذهان المجتمع العراقي ، كما ان العراق يعد المنفذ الجغرافي والمجتمعي الأكبر لإيران ناهيك عن ما تمثله أهمية العراق السياسية والاستراتيجية لمحيطه العربي، ويظهر إن أزمة السعودية مع قطر وموقف العراق المحايد منها عزز من الصورة الايجابية للعراق ولا سيما خلال مدة تولي العبادي رئاسة الحكومة ، إذ انتهج سياسة الانفتاح على دول الجوار فضلا عن موقفه المعتدل على مستوى السياسة الخارجية واعادة احياء اواصر العلاقة مع المملكة السعودية ، وأخيرًا يحتاج صانع القرار العراقي لممارسة دور ريادي معتدل يخدم مصالح البلد اولاً بعيدًا عن سياسة المحاور والمحافظة على توازن القوى من دون الإضرار بحليف على حساب اخر ولا بأس بتقبل الانفتاح السعودي الاخير على ان تكون مصالح العراق في مقدمة ذلك التقارب .
اضافةتعليق