الامن في العراق: اشكالية ازدواجية الارادة والتعامل مع التهديدات

خلال الاشهر السابقة، شهدت البلاد تصعيد خطير في حوادث امنية متعددة تراوحت بين هجومات على ثكنات عسكرية، وعلى قرى في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، واقتياد ابنائها وقتلهم، وكذلك حوادث اختطاف واغتيال لناشطين في تظاهرات في احتجاجات تشرين، وقصف مناطق سكنية فضلا عن القصف الذي يطال المنطقة الخضراء ومحيط السفارة الاميركية باستمرار. وهذه الحوادث توزعت على مناطق مختلفة من العراق، كما انها بمجملها هي تهديدات للأمن الوطني العراقي.

نحاول هنا مناقشة الاشكالية الجديدة في الامن الوطني العراقي. والاجابة على تساؤل مهم وهو، هل تتمكن الحكومة الاتحادية واجهزتها ومؤسساتها الامنية في تحسين الوضع الامني وارساء الاستقرار وانفاذ القانون في البلاد؟

التعامل الحكومي من خلال اجهزتها الامنية مع هذه التهديدات الامنية الخطيرة باختلاف صورها وانماطها والجهات التي تتبناها او المشتبه بها، يعتريه الازدواجية سواء في التعامل الوقائي او قبل الحدث (التهديد) من قبل الاجهزة الاستخبارية كما يجري في مناطق غرب وشمال غرب العراق من القاء قبض وتفكيك خلايا ارهابية نائمة، او حتى معالجة الاجهزة الامنية لمرحلة ما بعد الاختراق الامني، اذ يلاحظ قيام القطعات الامنية في قواطع المسؤولية بشن عمليات عسكرية. على خلاف ما يجري في مناطق اخرى، كما في بغداد ووسط وجنوب العراق، اذ لا نجد اكتراث حكومي وأمني مع التهديدات سواء قبل وقوع الحدث او الاختراق الامني الخطير او بعد الحدث الامني المتمثل بالاغتيال او الخطف والتغييب او اي اختراق للسلم والامن المجتمعي. وعدم الاكتراث هذا يصل الى درجة عدم التعامل مع الحدث حتى كقضية الجنائية.

كما ان الارادة السياسية الدافعة لمواجهة التهديدات نجدها ايضا اسيرة ازدواجية واضحة. فبعد اي منجز أمنى في مناطق شمال وشمال غرب العراق نلاحظ اشادة بهذا المنجز الامني اعلاميا وسياسيا وحكوميا ويكون التعاطي معها كأعمال ارهابية. في حين نلاحظ صمت اعلامي وسياسي تجاه تهديدات امنية خطيرة تحدث في بغداد ووسط وجنوب العراق، وتردد حكومي في التعامل الحكومي تجاه هذه التهديدات، وهذا التعامل لا يمكن ان يتطور الى أكثر من تشكيل لجنة تحقيقية يتم تسويفها لاحقا. والشواهد كثيرة على ذلك، كما حدث في محافظة ذي قار. اذ وعلى الرغم من وجود القائد العام للقوات المسلحة وجهاز مكافحة الارهاب وايعازه بتحرير المختطفين مثل المدعو (سجاد العراقي) نلاحظ ان القوة المكلفة وقيادة الشرطة في المحافظة لم تتمكن من التحرك لتحريره وجوبهت بردة فعل غاضبة من بعض الجهات السياسية والجماعات المسلحة والاعلام التابع لتكل الجهات والجماعات. وكأنه مثل هكذا اختراق أمنى ليس ارهابا، والاحداث كثيرة في بغداد. ولا يفوتنا انه بعد أكثر من عام كامل، لم يتم التوصل الى الجناة الحقيقيين في قتل مئات الشباب المتظاهرين بشكل مباشر في الساحات، او بشكل غير مباشر عبر الاغتيالات التي طالت الكثير من الناشطين وبعض المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي والامني.

وهذا يقودنا الى ان مفهوم الامن في العراق أصبح غير محدد الجوانب وفقد مضمونه بين مناطق واخرى وبين جهات متهمة واخرى. فما يصنف على انه عمل ارهابي في مناطق معينة، لا يصنف كذلك في مناطق اخرى. وهذه الازدواجية هي اشكالية ومعرقل اساس في مهمة القوات والاجهزة الامنية في فرض الامن والاستقرار. وعليه يمكن القول، وفي ضوء هذه الاشكالية التي خلقتها التيارات السياسية والجماعات المسلحة، لن تتمكن الحكومة ولا قواتها الامنية واجهزتها المختصة من تحقيق الامن الذي ينشده المواطن العراقي.

مفهوم الامن واحد ولا يمكن تجزئته وهو متعلق بكامل جغرافيا الدولة وافرادها ومؤسساتها ومسؤولية حفظ الامن وترسيخه وسيادة القانون هي مهمة الحكومة الاتحادية والقيادة العامة للقوات المسلحة، ومطلوب منهم التحرر من قيود هذه الاشكالية والاتجاه نحو عملية تصحيح مفهوم الامن. كما مطلوب منهما التعامل مع كل تهديدات الامن على حد سواء على انها تهديد للأمن والسلم الاهلي. بقاء هذه الازدواجية يرسخ حالة اخلال الامني واللانظام وسيقود حتما الى تداعيات خطيرة سياسيا وامنيا واجتماعيا. 

التعليقات