حوار بغداد – واشنطن: الاشكاليات، وما ينبغي ان تدركه الحكومة العراقية

شكلت الاحداث الاخيرة في العراق على صعيد المتغيرات جميعها، ولاسيما متغير الدور الايراني، وتنامي الاعمال الارهابية، والاوضاع الاقتصادية والسياسية خطرا وجوديا على الدور الاميركي في العراق. وقد دفعت تلك المتغيرات الى اظهار الحرص الاميركي على التعاون مع العراق في مجالات الامن والاقتصاد والدعم الدولي. الامر الذي تُرجم بدعوة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في نيسان/2020 الى حوار استراتيجي مع بغداد لبث الحياة في اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعام 2008، وان يتحول العراق الى حليف موثوق فيه يضاف الى قائمة الحلفاء التقليديين في المنطقة. 

توقيت الحوار مهم جدا بالنسبة للجانب الاميركي في وقت تعمل الادارة الاميركية على تضيق الخناق على ايران ووكلائها في المنطقة وذلك عبر فرض عقوبات جديدة كما حصل مع العقوبات التي فرضت على شركات ملاحة تابعة للحرس الثوري يوم 8 حزيران الجاري، والغاء اعفاء الشركات الصينية والروسية والكورية وغيرها العاملة في المحطات النووية الايرانية في بداية حزيران الجاري، وكذلك بدء تنفيذ العقوبات على النظام السوري (قانون قيصر) والذي نتج عنه انهيار للعملة في سوريا، وكذلك العرض الذي قدمه مبعوث الرئيس الاميركي الى سوريا جيمس جيفري المتضمن انقاذ الاقتصاد السوري مقابل قبول النظام السوري بمقررات جنيف-1 (عملية انتقالية من دون الاسد واجراء انتخابات تحت اشراف اممي)، وقرار مجلس الامن الدولي 2254، الذي يقول إن بقاء الاسد في السلطة غير ممكن، فضلا عن اخراج الفصائل الايرانية من سوريا.

هذا يدلل على ان البيئة الاقليمية تتجه نحو اجراءات حاسمة للحد من الدور الايراني في المنطقة والذي يتجلى اكثر في سوريا والعراق. لذا يأتي الحوار ليكون مكملا لجهود الولايات المتحدة الهادفة للحد من الدور الايراني على الساحة العراقية.

الحوار يأتي ترجمة للرؤية الاميركية ازاء دورها الاستراتيجي في العراق وبما يكمل دورها الجيوبوليتيكي في الشرق الاوسط، وبما يعززه ليكون قادرا على التحكم بكل متغيرات المنطقة التي حتما تؤثر على الدور الجيوبوليتيكي للولايات المتحدة في المعادلة السياسية-الامنية، والاقتصادية في النظام الدولي. 

وفق تلك الرؤية الاميركية للحوار، ينبغي على صانعي السياسات في بغداد التوافر على ادراك لهذه الرؤية الاميركية، والعمل على تكييفها نحو مصالح العراق الحالية والاستراتيجية (بناء دولة ذات سلطة مباشرة على كامل اقليمها ومن دون تأثير في قرارها الامني والسياسي والاقتصادي). وهذا الهدف الاستراتيجي بحاجة الى علاقات قوية مع الولايات المتحدة في كافة المجالات وهي الطرف المتحكم بمعادلة الصراع والتنافس الجيوسياسي في الشرق الاوسط، فضلا عن انها احد طرفي التصعيد والتوتر في المنطقة بالضد من ايران. ولكن لا يكون ذلك على حساب القرار السيادي العراقي، وعلى اقل تقدير، ان لا يكون العراق منطلقا للاعتداء على جيرانه ومنها ايران. 

وان توافر هذا الادراك، الا ان عدد من الاشكاليات تبقى قائمة وتشكل عقبات امام نجاح هذا الحوار وتحقيق المصالح المشتركة، ومنها:

- ان اعتلال المعادلة الامنية والسياسية في داخل العراق والمتمثلة بفقدان السيطرة على فواعل عدة لا تجعل الجانب العراقي قادرا على ضمان سيادته على القرار الامني عقب تجربة طويلة من السنوات التي تتخللها بين الفينة والاخرى هجمات عسكرية ضد المصالح الاميركية والمصالح الاجنبية. 

- الاشكالية الاكثر تعقيدا هو الادراك السياسي المعوق والمشوه  " للقوى السياسية" والتي تغلّب ايديولوجياتها ومصالحها على مصالح الدولة العراقي في تشكيل سلوكياتها السياسية ازاء القضايا المحلية والاقليمية.  

- سطوة الفواعل من غير الحكومة، اذ تبقى الكثير من الجهات داخل البلاد تصنف على انها فواعل من غير الحكومة حتى وان اصبحت ضمن بعض المؤسسات الرسمية كهيئة الحشد الشعبي او تمثيلها بقوى سياسية داخل السلطة التشريعية لسببين: الاول، وجود اطراف داخل هذه الفواعل خارج سلطات الدولة. والثاني، السلوكيات الانفعالية التي تدفعها الى افعال مشوهة غير مدروسة وتأتي كردة فعل بسبب مرجعياتها الدينية والسياسية، وليس ضمن منهجية سياسية ولا تستند على متبنيات فكرية واضحة حول بناء الدولة.

- على الجانب الاقتصادي، لازال انعدام الوضوح والهدف هي السمة الرئيسة للسياسات الاقتصادية المتخذة كردة فعل على ازمات الاقتصاد الهيكلية. فضلا عن الفساد الذي تحول الى اطار مأسسي ضمن هيكلية الكثير من مؤسسات الدولة العراقية.

هذه الاشكاليات حاضرة في الادراك الاستراتيجي الاميركي، ومؤشرة على انها اهم العقبات التي تعترض تمركز الدور الاميركي في العراق، وهو ما تريد الولايات المتحدة حسمه في حوارها مع بغداد. وبالتالي اظهار عدم القدرة على تجاوز هذه الاشكاليات خلال المستقبل المنظور ربما نكون امام خيار اميركي قوامه التمركز في العراق بصرف النظر عن القرار السياسي العراقي وسيكون محرج للحكومة العراقية لاسيما اذا ما حدثت تصادمات مع فصائل عدة تسجل اعتراضها على الوجود الاميركي في العراق. 

التعليقات