دور الثقافة المجتمعية في بناء الدولة

تعد الثقافة المجتمعية جزء من الثقافة المتراكمة داخل البلد ويكون مكانها الوحيد هي سلوكيات وافكار الافراد المنتمين لهذا البلد او الامة او الحضارة، و تحمل في ثناياها الكثير من التراكم المعرفي والنضج الراسخ عن طريق الاجيال وتوارثهم المستمر من الاباء الى الابناء وتشمل في طبيعتها كل السلوكيات السلبية والايجابية.

الا ان هناك طرق تستطيع الدولة ان تؤسس على اساسها ثقافة متماسكة قادرة على مواجهة الكثير من التدخلات الغريبة عليها او الشاذة عنها ومن هذه الطرق هي المدارس التعليمية والمراكز الاجتماعية والمعايشة داخل المؤسسات المختلطة من كل اصناف المجتمع .

وغالبا ما تتكون الثقافة المجتمعية نتيجة الى :-

1- تراكم التجارب الاجتماعية وتوارثها بين الاجيال.

2- تدخل الدولة المباشر في بناء ثقافة معينة .

3- تقوم الدولة  بترصين ثقافة محددة عن طريق رسم وتنفيذ سياسة عامة تجاه هذه الثقافة .

4- وهناك طرق اخرى تؤسس الثقافة المجتمعية تختلف من دولة الى اخرى ومن مجتمع الى اخر حسب الطبيعة الاجتماعية والقانونية للمجتمعات .

وعند رؤية الثقافة داخل البلدان المتقدمة نجدها مشجعة للكثير من المفاهيم التي ترسم قرارات قانونية برغبة فردية وبضمير حي قادر على مراقبة ومحاسبة المقصرين او المتجاوزين على حقوق وثقافة المنطقة او البلد الذي يسكنونه ، حيث ينبع هذا السلوك او الثقافة من ان الانظمة الحاكمة تستطيع ان ترسم سلوكيات الافراد وتعاملاتهم وفق خطط مرسومة بدقة عالية ، وخير مثال هو اصلاح التعليم في ماليزيا .

اما في البلدان المتأخرة وخصوصا العراق ، تعد عملية بناء الثقافة المجتمعية صعبة للغاية وهذا بسبب المنظومة الاخلاقية والفكرية التي زرعتها دول استعمارية سابقا وانظمة حكم داخلية في فترات تعود الى 1899وهذا تاريخ تأسيس الادارة العراقية على ايدي الدولة العثمانية (الكتاب السنوي للادارة العثمانية لعام 1899) منذ ذلك التاريخ والى 2003 حيث كل نظام كان يوجهها بطريقة التي يراها مناسبة ولو وضعنا مجهر التحقيق في سلوكيات بعض موظفي الدوائر الحكومية نجدهم يبرزون دورهم السلطوي بشكل كبير الى درجة انهم لا يتعاملون مع المراجعين او المواطنين بصورة مهذبة مبنية على اصل التعاقد الموجود بين اطراف العقد ( عقد التعين بين الدولة والموظف ) حيث تكون اطراف العقد هي :-

1- المواطن وتمثلة الشريحة القائمة على المال العام لان المواطن هو الاصل والمالك الشرعي للمال العام وهو له سلطة تعيين العاملين لتيسير اعماله التي لا يستطيع هو انجازها وهذا حقه وفقاً لقانون العقد الاجتماعي 

2- الموظفين  وهم الطرف الثاني من عقد التعيين وبالنتيجة اصبح عقد التعيين موقع بين المواطن والموظفين .

وعند مشاهد تصرفات (الموظفين ) السلطوية نجدها تعود الى ثقافة عثمانية قديمة حيث كان الموظفين من الاتراك يتمتعون بسلطة يكتسبونها من دولتهم المستعمرة للدول التي يعملون بها  واستمرت هذه السلوكية التسلطية في الادارة العراقية الى الان ..

وبعدها في مرحلة الحكم البريطاني والعهد الملكي شهد العراق تغير نوعي في التوجهات المعرفية وقام بارسال مواطنين كثر للتعلم في الخارج وحقق نتاج العهد الملكي في تطور العراق في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.

اما لو حققنا في بعض سلوكيات المرحلة الثورية ( الحكم الجمهوري العسكري ) التي قامت بها الاحزاب في تغيير مسار التطور العراقي وتحويلة الى مسار اضطرابات وتقلبات في السلطة وسببها الرئيسي هو ظهور النفط في العراق .

ونبعت من تلك الثقافة ( العسكرة المجتمعية )  كثير من المفاهيم والسلوكيات التي توصف حب الذات وتقديسها والتغطرس الذي يمتزج مع سلوكيات الفرد التي تصلب بها العقل العراقي واصبح عقل مغلق لا يتقبل ثقافة الحوار ولا الأراء المختلفه عن رأيه .

اما في مرحلة النظام السابق ( حكم حزب البعث العربي الاشتراكي ) فقد ترسخت ثقافة مجتمعية عشوائية في نفوس الافراد حيث نجد المواطن يحاول ان يتهجم على المال العام بكل سهولة وشعوره بأن املاك الدولة هي للسلطة وليس للشعب ، حيث شدد الدكتاتورين على ربط الافراد والدولة بهم حيث كانو يؤسسون الى فكره ارتباط الدولة بالحاكم ومن اقوالهم ( اذا قال فلان قال العراق ) ونتج عن ذلك انهيار تام الى مؤسسات الدولة بعد انهيار النظام الحاكم .

اما في المرحلة التي عصفت بريحها على العراق بعد عام 2003 والتي تسمى بالديمقراطية التي لم يستطيع الشعب تقبل جرعاتها الزائدة له في وقت مرضة حيث كان العراق يعاني من عجز كبير في الحرية وتحوله الى الاباحه الكلية لكل شي ، انتجت بذلك ثقافة مجتمعية هيجنة بين عدة مؤسسات وانظمة حاكمة حيث بقي الشعب يعاني من الازدواجية في المعايير فنجد في ذلك ملاحظات بسيطة تنبع من الثقافة المتراكمة في الافراد :-

1- يقدس السلطة ويحترمها في حضورها وينتقدها في سره .

2- لايتحمل مسؤولية جماعية تجاة الدولة ومؤسساتها ويتمايل خجلاً اثناء دخولة احد دوائرها .

3- يكره الضرائب والاجارات ومستحقات الدوائر ويشجع على التجاوزات اللاقانونية ويطالب في مناسبة اخرى بمحاربة المقصرين والفاسدين .

وكل هذا وغيرها من الثقافات التي انتجتها مراحل التاريخية للعراق استهدفت الى ايقاف ضمير البناء المنتج.

وجدير بالذكر ان استخلاص ما سبق هو :-

• في نظام الحكم الجمهوري العسكري ( ايام الانقلابات الثورية وتغير الحكم بصورة مفاجئة ) كانت الثقافة المجتمعية حبيسة العسكرة والتصرف بحب الذات وقيادة المواطنين اكثر من ادارة امورهم " القيادة وليست الادارة " .

• في نظام الحكم الجمهوري الحزبي ( حزب البعث العربي الاشتراكي ) وصلت في العراق الامور المأساوية الى تبني ثقافة مجتمعية متفقه تماما مع السلوكيات التي حاول ان يبنيها الطاغية او الدكتاتور الموجود في حينها حيث بلغت نسبة الاسخبارات بين المواطنين ان لكل  5 عراقي بينهم واحد من رجالات الدولة       " انا الوطن والمواطن " .

• في مرحلة تغير الحكم الى الديمقراطية اصبحت السلوكيات اسيرة للمدخلات الجديدة على الثقافة العراقية وتناست الكثير من السلوكيات التي يتميز بها السلوك العراقي البحت .

وبالنتيجة يتعين على الافراد ان يكونو مواطنين قبل كونهم افراد لهم حقوق ويكونو على قدر من المسؤولية في اختيار من يمثلهم في جميع مفاصل الدولة ولا يربطو بين السلطة والدولة .

التعليقات