حان الوقت لإبدال قواعد العمل الحالية لصالح اشراك القطاع الخاص في تأهيل وادامة البنى التحتية وبشروط تضمن حماية المواطن من زيادة الاسعار
أخفق نموذج النمو الاقتصادي القائم على ادارة القطاع العام للموارد في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة منذ عقود، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي شرعت معظم البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء الى التصفية التدريجية لمؤسسات القطاع العام وفسح المجال للقطاع الخاص لقيادة قاطرة النمو الاقتصادي املاً في رفع معدلات الانتاجية وتوفير فرص عملة كافية لاستيعاب العاطلين عن العمل. ونظراً لضخامة حجم القطاع العام في البلدان النامية وارتباطه بمختلف القطاعات الاقتصادية، رافقت عملية التحول من القطاع العام نحو القطاع الخاص (الخصخصة) العديد من المحاذير والشكوك خوفاً من نتائج التحول الحاد في ادارة الاقتصاد على مستويات المعيشة والتوظيف القائمة. هذا الواقع دفع العديد من البلدان الى تبني نموذج الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بدلاً من التحول الكامل نحو القطاع الخاص. ولهذا النموذج العديد من الحجج التي تبرره منها اخفاق الحكومات بقطاعها العام في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، القدرة العالية للقطاع الخاص على تخصيص الموارد وخفض التكاليف، الاستفادة من خبرة وكفاءة القطاع الخاص في ادارة المشاريع، تطور المستوى التكنلوجي للقطاع الخاص ومقدرته على المنافسة، توفير فرص عمل جديدة ورفع مستوى مهارة العاملين.
وغالباً ما تهدف الحكومات الى تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص لخفض عبء المشاريع العامة الخاسرة وتوفير مصادر ايرادات اضافية للحكومة وتأمين فرص عمل جديدة خارج مؤسسات الدولة فضلاً على حصر مهام الحكومة بمشاريع البنية التحتية وتأمين الاطر القانونية والتشريعية الملائمة لنمو وانطلاق القطاعات الاقتصادية المختلفة.
صيغ الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص
تتخذ الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص عدة اشكال منها عقود الخدمة والمستخدمة على نطاق واسع في العديد من البلدان كالهند وتشيلي وماليزيا، وغالباً ما تتركز في تعاقد الحكومة مع القطاع الخاص في اصلاح وصيانة وتجديد شبكات المياه والكهرباء وغيرها. ويتمثل الشكل الثاني في عقود الادارة حيث تتفق الحكومة مع القطاع الخاص على ادارة مؤسسات حكومية معينة، وقد لجات الحكومة اللبنانية لمثل هذا النوع من الشراكة مع القطاع الخاص في ثلاثة مشروعات (جمع النفايات وحرق النفايات واعادة تدوير النفايات). اما الصيغة الثالثة فهي عقود الايجار ومفادها ان تمنح الحكومة القطاع الخاص حق استغلال مؤسسات حكومية معينة مقابل ايجار تحصل عليه الحكومة يكون مصدراً مهما للإيراد الحكومي وقد تصل مدة الايجار لقرابة 10 اعوام. اما الصيغة الاخيرة من صيغ الشراكة فتتمثل بعقود الامتياز حيث تمنح الحكومة حقوق التشغيل والتطوير لقطاع محدد لصالح القطاع الخاص كما فعلت الارجنتين حين منحت قطاع النقل والمواصلات فيها الى القطاع الخاص. وقد تتراوح مدة عقد الامتياز ما بين (15-30) عام وتعود الاصول المستثمرة في نهاية المدة الى الدولة.
الاقتصاد العراقي وحتمية الشراكة مع القطاع الخاص
يعاني الاقتصاد العراقي من اختلال هيكلي خطير ناجم عن هيمنة القطاع العام على مختلف مفاصل ومؤسسات الاقتصاد الوطني. ولا تقتصر اثار الهيمنة على ارهاق الموازنة العامة للدولة وضعف كفاءة ومخرجات المؤسسات العامة، وانما يمتد ذلك ايضاً الى تشوه سوق العمل في البلد وانخراط معظم الايدي العاملة ضمن مؤسسات الدولة وعزوف الاخرين عن التوجه للمهن الحرة، نظراً لما يوفره القطاع العام من عطل واجور مغرية ومجهود منخفض مع ضمانات عالية تزيد من جاذبية الانخراط فيه. وتولد مزاحة القطاع العام لنشاط القطاع الخاص عبر قدرته التمويلية العالية وعدم خضوعه لشروط المنافسة والكفاءة والجودة للاستمرار ضعفاً خطيراً في معظم القطاعات الاقتصادية المحلية. وبات نشاط البلد الاقتصادي والمالي يتعكز على قطاع واحد (قطاع النفط) عرضة لتقلبات اسعار النفط المحكومة بقوى خارجية.
في الآونة الاخيرة، وبسبب انحسار ايرادات النفط الخام، تصدر موضوع شراكة القطاع العام بالقطاع الخاص جدول اعمال السياسات العامة نظراً لما تعانيه الدولة من عسر مالي يصعب معه الاستمرار في تمويل المشاريع الحكومية الخاسرة منذ سنوات. كما باتت الحكومة الحالية تبحث عن محركات جديدة للتنمية وتوليد فرص العمل نظراً لإخفاق محرك الايراد النفطي في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
ويعد البدء بالقطاع الصناعي الحكومي خطوة طويلة باتجاه مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تعاني المئات من المنشآت الحكومية من انعدام الجدوى الاقتصادية والتوقف والاهمال وضعف الانتاجية. ويجدر بالحكومة العراقية توفير الاطر والاجراءات اللازمة للبدء بإدخال القطاع الخاص كشريك في ادارة واستغلال هذه المشاريع وفق صيغ الشراكة الواردة اعلاه على ان تحاط هذه العملية بأقصى درجات الشفافية والمتابعة والرقابة توخياً لتسلل مافيات الفساد الحكومي لهذه العقود واجهاض فرص النجاح والاستمرار.
من جانب اخر، وبعدما اخفقت الدولة بمؤسساتها الضخمة في ادارة ملف الخدمات رغم مليارات الدولارات التي انفقتها الحكومات السابقة في هذا السياق، حان الوقت لإبدال قواعد العمل الحالية لصالح اشراك القطاع الخاص في تأهيل وادامة البنى التحتية وبشروط تضمن حماية المواطن البسيط من زيادة الاسعار والاجور. ويمكن الاستفادة من مئات التجارب التي طبقتها العديد من البلدان النامية لأجل رفع كفاءة وانتاجية مختلف قطاعات الاقتصاد وتوفير الحد الادنى من الخدمات والبنى التحتية للمواطن. كما يمكن للحكومة العراقية الاستعانة بآلاف البحوث والدراسات العراقية التي تناولت موضوعة الشراكة والتحول وحددت طبيعة الصيغ الملائمة واهم المؤسسات والشركات الحكومية التي يمكن البدء بها.
اضافةتعليق