تحاول حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الانخراط في اتفاقيات عربية ودولية تضمن الشروع في تطوير البنية التحتية وتنمية الاقتصاد الوطني لتحقيق منجزات ملموسة خلال الشهور المتبقية قُبيل الانتخابات القادمة في تشرين الاول القادم. مع ذلك، فان العمر المتبقي للحكومة وطبيعة الشراكات المنتخبة تثير جملة من التحفظات والاعتراضات على بنود تلك الاتفاقات، خصوصا في ضوء الامكانات الاقتصادية والهياكل الانتاجية وسوق العمل لدول التحالف
عقدت في بغداد مؤخرا قمة عربية لبحث سبل التعاون والتنسيق والتكامل الاستراتيجي ضمن آلية التعاون الثلاثي بين العراق والأردن ومصر. وتأتي هذه القمة استكمالا لجهود قادة هذه الدول في تعزيز وتكامل الجهود المشتركة بينها في المجالات كافة، استنادا على ما تم الاتفاق عليه من مخرجات في القمم السابقة، وآخرها قمة عمان التي استضافتها الأردن اواخر شهر اب عام 2020. وخلص القادة الى ضرورة اعتماد أفضل السبل والآليات لترجمة العلاقات الاستراتيجية بين البلدان الثلاثة على أرض الواقع، وخاصة الاقتصادية منها، والسعي لتكامل الموارد وتوفير كافة التسهيلات الممكنة لزيادة حجم التبادل التجاري بينها، وتعزيز الجهود في المجالات الصحية والصناعية والدوائية، لا سيما في ظل التبعات العالمية لجائحة فايروس كورونا.
تطور العلاقات الاقتصادية العراقية الاردنية
وفقا لتصريح وزارة التجارة العراقية، قبيل انعقاد القمة بأيام، فأن العلاقات الاقتصادية العراقية الأردنية تتمثل في ارتباط العراق مع الأردن باتفاقية التعاون الاقتصادي والفني والتي تم التوقيع عليها عام 1980، وهي فاعلة من خلال عقد اجتماعات اللجنة المشتركة التي عقدت الدورة الـ (28) منها في عمان خلال شهر تشرين الأول من العام 2019 برئاسة وزير الصناعة والمعادن، وتم التوقيع على محضر مشترك تضمن التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية والفنية. ويجري العمل حاليا على متابعة تنفيذ فقرات هذه الاتفاقية بالتنسيق مع وزارة الخارجية والجهات العراقية ذات العلاقة. كما يرتبط العراق باتفاقية اخرى مع الاردن تم التوقيع عليها عام 2009 لإقامة منطقة تجارة حرة وتمت المصادقة عليها عام 2013 ويجري العمل حالياً على تفعيلها من خلال عقد اجتماعات اللجنة المشتركة الخاصة بها برئاسة وزير التجارة، فضلا عن كون البضائع الأردنية المنشأ معفاة من رسوم التصديقات للوثائق التجارية بموجب اتفاقية تيسير وتنمية التجارة بين الدول العربية أما البضائع المعاد تصديرها فتخضع لرسوم التصديق. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين وفقا لوزارة التجارة قرابة (440,184,840) دولار أمريكي عام 2020.
تطور العلاقات الاقتصادية العراقية المصرية
يرتبط العراق مع مصر باتفاقية للتعاون الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والفني موقعة في القاهرة عام 1980، وقد عقدت اللجنة المشتركة المنبثقة عن هذه الاتفاقية (10) دورات كان آخرها في بغداد عام 2002، إضافة إلى حصول موافقة رئاسة الوزراء عام 2017 وبطلب من الجانب المصري، لرفع مستوى اللجنة المشتركة إلى لجنة عليا يترأسها رئيس وزراء كلا البلدين. وتم عقد اجتماعات اللجنة العليا في بغداد عام 2020 وتمخض عنها التوقيع على محضر مشترك من قبل رئيسي مجلس الوزراء في كلا البلدين وتضمن المحضر التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والتجارية والاستثمارية والعلمية والفنية ومجالات أخرى. كما تم توقيع (15) مذكرة تفاهم في مختلف القطاعات، وتمت المصادقة على المحضر المشترك من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء ويجري العمل حاليا على متابعة تنفيذ فقراته بالتنسيق مع وزارة الخارجية والجهات العراقية ذات العلاقة. ووفقا لوزارة التجارة العراقية يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين (386.161.316) دولار أمريكي عام 2020.
ملاحظات حول مشروع المشرق الجديد
تحاول حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الانخراط في اتفاقيات عربية ودولية تضمن الشروع في تطوير البنية التحتية وتنمية الاقتصاد الوطني لتحقيق منجزات ملموسة خلال الشهور المتبقية قُبيل الانتخابات القادمة في تشرين الاول القادم. مع ذلك، فان العمر المتبقي للحكومة وطبيعة الشراكات المنتخبة تثير جملة من التحفظات والاعتراضات على بنود تلك الاتفاقات، خصوصا في ضوء الامكانات الاقتصادية والهياكل الانتاجية وسوق العمل لدول التحالف. وفيما يلي بعض الملاحظات حول البنود الرئيسة لاتفاقية المشرق الجديد، وكما يلي:
1- يسعى التحالف الى انشاء مدينة اقتصادية على الحدود العراقية الأردنية بهدف الحصول على امتياز منح العراق اعفاء كمركي للسلع والمنتوجات الأردنية والمصرية، وكافة المنتوجات التي يتم إعادة تعبئتها في تلك المدينة في واقع الامر. وقد استفادت الاردن من تلك الميزة خلال السنوات الماضية في وقت يسعى فيه العراق الى تعظيم ايراداته غير النفطية وتقليص الاعتماد على النفط.
2- يسعى مشروع المشرق الجديد الى تشغيل العمالة المصرية التي تعد رخيصة وذات مهارات متنوعة ضمن مدينة صناعية مشتركة بين العراق والأردن، ويصر الجانب المصري على اتفاقية الطريق البري وتسعيرة النقل لتسهيل نقل العمالة المصرية من وإلى العراق، وهو ما قد يحل مشكلة البطالة في مصر على حساب العمال العراقيين، في وقت تعد فيه مشكلة البطالة التحدي الاقتصادي الاخطر الذي يواجه العراق في الامد القصير والمتوسط.
3- لا توجد جدوى اقتصادية للعراق في الوقت الراهن في الانخراط باتفاقيات مماثلة نظرا لكون العراق مستورد صافي للسلع وبالتالي فان الفوائض التجارية ستوجه الى الاردن ومصر على حساب العراق، خصوصا وأن المنتجات المصرية تمتاز بأسعارها المنخفضة، الأمر الذي سيعزز من حجم صادرات مصر الى العراق.
4- ينبغي تأجيل ادخال العراق في اتفاقيات دولية لحين انتخاب حكومة عراقية جديدة، خصوصا وان حكومة الكاظمي انتقالية، ومهمتها الاساسية التمهيد لانتخابات مبكرة، وبالتالي فان ضعف القوة التفاوضية لحكومة الكاظمي، لتحقيق منجز ملموس، قد يكلف العراق تبعات اقتصادية تكبل الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة.
5- ضرورة ان تركز الحكومات العراقية على الانخراط في شراكات نوعية مع دول كبرى مثل الصين ودول الاتحاد الاوربي للنهوض بالبنية التحتية واعمار البلاد، نظرا لما قطعته هذه الدول من اشواط طويلة في مجال الاعمار والاستثمار وجودة مشاريع البنية التحتية.
6- مهما كانت طبيعة المدن الصناعية المزمع انشائها وفقا للاتفاقية الجديدة فان الصناعة الوطنية ستكون الخاسر الاكبر لصالح نمو وتطور صناعات البلدان الاخرى، نظرا لضعف القدرات الانتاجية والتنافسية للقطاعات الصناعية كافة، وتعدد الاعفاءات الكمركية التي منحها العراق للشركاء التجاريين.
7- رغم ان إنشاء خط الأنبوب النفطي من ميناء البصرة جنوب العراق وصولا إلى ميناء العقبة، هو المكسب الوحيد من هذه الاتفاقية لضمان تامين منفذ بديل لتصدير النفط العراقي غير مضيق هرمز، الا ان المشروع يشوبه الغموض نظرا لوجود شبهات بتصدير النفط العراقي في النهاية الى اسرائيل وبأسعار تفضيلية. كما ان البيان الختامي لم يتضمن أي تفاصيل جديدة بخصوص هذا المشروع.
8- لا يعد الربط الكهربائي بهذه البلدان منجز فريد ومستدام للعراق بل يزيد من تبعية وارتباط العراق بالغير في توفير الطاقة ويصرف الحكومة العراقية عن تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي من الطاقة الكهربائية عبر انشاء منظومة كهرباء وطنية حديثة بالاتفاق مع الشركات الكبيرة كشركة سيمنز الالمانية. فضلا عن الكلفة الباهظة لهذا المشروع اذا تزيد كلفة خطوط النقل (2) مليار دولار على العراق فقط، ولمدة انجاز قد تمتد من (2-3) سنة، ناهيك عن بقية التكاليف المتمثلة بالنفط العراقي المصدر لتشغيل محطات الطاقة وغيرها من التفاصيل.
9- يحتاج العراق الى شركات عالمية رصينة من اجل النهوض بالبنية التحتية وتأهيل وتطوير القطاع الصناعي والزراعي، كما تفعل دول الخليج، لا اللجوء الى بلدان العالم الثالث لتحقيق هذه الاهداف الكبرى. خصوصا وان المصلحة التجارية لهذه الدول تعيق امكانية تطوير هذه القطاعات لاستمرار تحقيق فوائض تجارية مع العراق وجعل الاخير مستورد صافي للسلع مقابل تصدير النفط لهذه الدول بأسعار تميزية.
اضافةتعليق