تدمير الارهابيين للبنى التحتية في العراق وسوريا... الاسباب والمعالجات

منذ اكثر من عشرة سنوات على تأسيس تنظيم داعش الارهابي، وامتداده الى مساحات واسعة في العراق وسوريا ، وتواجده في مصر والاردن والسعودية بل وصوله الى منطق بعيدة في اسيا وافريقيا، لا زال الدمار يخيم على هذه المناطق، من تدمير للبنى التحتية وقتل وسبي الابرياء من مختلف الطوائف، واشدها كان في العراق وسوريا، اذ تمكن التنظيم من الاستيلاء على مساحات واسعة من الاراضي، اضافة الى سيطرته على حقول النفط التي مكنته من تمويل نفسه من خلال بيع النفط وبأسعار منخفضة جدا، كذلك وجود اراضي زراعية خصبة، ومناطق اثرية ذات قيمة تاريخية مهمة في العالم، وسيطرته كذلك على المياه التحكم بها من خلال سيطرته على السدود، مثل سد الموصل في العراق وسد الفرات في سوريا، واستمر الحال في العراق من عام 2014 الى عام 2016، وهو بداية التحرك الحكومي لاستعادة المدن المغتصبة من قبل التنظيم، فقد تم تحرير محافظة ديالى اولا ثم تقدمت القوات نحو صلاح الدين والانبار واخرها العمليات الجارية في الموصل، التي تم تحرير اجزاء واسعة جدا منها.
ومع خسارة التنظيمات الارهابية لمساحات واسعة من الاراضي في سوريا والعراق، فان التنظيمات تدعوا مقاتليها إلى التركيز على تخريب البنية التحتية للدولتين حتى لا تستفيد هذه الدول من خسائره وهو ما يزيد من التحديات التي تواجهها حكومتا البلدين، وعندما تقدم الجيش السوري والفصائل المسلحة المتحالفة معه بدعم من غطاء جوي روسي بمدينة تدمر التاريخية قبل مدة، أمر تنظيم داعش مقاتليه بتدمير حقول النفط والغاز، وقال التنظيم في مقال نشر في مجلته الرسمية (النبأ) على الإنترنت  انه سوف يوسع من حجم عملياتهم التي تستهدف الأسس الاقتصادية للدول وذلك سعيا لحرمان الحكومات الغربية من هذه الموارد، وفي الموصل العراقية فان التنظيمات الارهابية عملت نفس الشيء من خلال تدمير البنى التحتية من الدوائر الرسمية والاثار ومراقد الانبياء والجوامع التاريخية، وقيامه بتدمير محطات المياه والطاقة الكهربائية ، بل تهديده بنسف السدود واغراق المدن الواقعة على ضفاف هذه الانهر، استخدم التنظيم الارهابي سياسة التدمير الشامل للمنشآت والمصانع والبنايات بقصد إحداث أكبر ضرر اقتصادي للعراق وسوريا، وأن ما لا يقل عن 90 بالمئة من البنى التحتية والمنشآت الحيوية الصناعية قد دمرت على أيدي تنظيم داعش في المناطق التي احتلها في العراق، فقد دمروا أيضا مصانع السكر والإسمنت ونقلوا معداتها إلى تركيا عبر سوريا، وقدرت بعض المصادر ان كلفة التدمير لهذه البنى التحتية لغاية الصيف الماضي بلغت " 35 مليار دولار"، وأن هذه الكلفة لا تشمل التدمير الاجتماعي والعلاقات بين فئات المجتمع الإنساني من الجرحى والشهداء والنازحين والمهجرين، وفي سوريا فإن التنظيم دمر أكثر من 65 بالمئة من معمل حيان للغاز، وينتج حقل حيان الذي يقع في محافظة حمص ثلاثة ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا، والمدينة الصناعية في حلب، وتجاوزت الخسائر الاقتصادية للمنطقة العربية بأكملها خلال عام 2014 أكثر من تريليون دولار، في قطاعات أهمها النفط، والسياحة والبُنى التحتية، وفقاً لأرقام من خبراء وتقارير دولية.
وقال بعض الخبراء الامنين إن تنظيم داعش الارهابي في حال الضغط عليه في جبهات القتال قد يلجأ لأساليب اخرى كفتح جبهات جديدة، وتفعيل الخلايا النائمة، فضلاً عن استعمال ورقة الضغط الاكبر وهي حرب المياه وقطع السدود الواقعة تحت سيطرته لتجفيف مياه نهر الفرات وبالتالي حصول كارثة انسانية في المناطق التي يمر بها النهر، ويؤدي إلى إغراق مساحات واسعة.
 ان مشكلة سد الموصل تم التحكم بها حاليا ولو مؤقتا وذلك من خلال تحرير منطقة السد بدون اضرار كبيرة فيه, كذلك استمرار الحكومة العراقية بعمليات صيانة للسد لمنع حدوث انهيارات فيه, ولكن المشكلة الحالية هي في سد الفرات او ما يسمى ب(سد الطبقة) على نهر الفرات في سوريا، اذ مع تقدم قوات المعارضة السورية المدعومة من امريكا وهي قوات سوريا الديمقراطية ذات الاغلبية الكردية من مدينة الرقة السورية، فان تنظيم داعش الارهابي عمد الى غلق بوابات السد بشكل كامل، مما وقف انتاج الكهرباء، كذلك تجمع كميات كبيرة من المياه امام السد، وهدد بنسف السد اذا اضطر لذلك، علما ان نسف السيد سوف يقود الى غرق مدن في سوريا مثل الرقة ودير الزور والبوكمال، وان تأثيره سوف يمتد الى العراق وقد يصل الى مدن وسط العراق مثل حديثة والرمادي.    
ان هذه الاستراتيجية التي تنتهجها التنظيمات الارهابية تشكل تحديا مزدوجا أمام العراق وسوريا، وذلك لعدة اسباب منها:
1-     ان تدمير حقول النفط والغاز والمصانع وتمير السدود، سوف تحرم الدولتين من الدخل وتجعل من الصعب في الوقت نفسه تقديم الخدمات والدعم الشعبي في المناطق المدمرة التي يتم تحريرها من أيدي التنظيم، وذلك لقلة او فقدان الموارد اللازمة لإعادة اعمار هذه المدن، إن تنظيم داعش تسبب في خسائر للعراق تقدر بنحو 30 مليار دولار في البنية التحتية العراقية منذ 2014،
2-    يهدف التنظيم من وراء الضربات الموجهة إلى اقتصاد هذه الدول الى إرباك صفوفهم الداخلية وخلخلة بنيانهم واستفزازهم أحيانا للدخول في معارك هم غير مستعدين لها، اذ ان اشعال حقول القيارة النفطية في الموصل مثلا, قاد الى حدوث غيوم سوداء في الجو، والى حدوث حالات اختناق وتسمم ، وحدوث امراض جلدية بين المواطنين مما استدعى تقديم خدمات طبية عاجلة لهم، وهو يعد عملية ارباك للجهد العسكري المهاجم، كما ان كثافة الدخان تعد عامل معرقل لتقدم القوات في ساحة المعركة.
3-    محاولة التاثير على الحالة النفسية لشعب، اذ لم يقف التدمير على حقول النفط والغاز بل امتد إلى آثار المدن القديمة في الموصل وتدمر، فقد دمر الارهابيون اثار الموصل التي لا تقدر بثمن بشكل كبير جدا، اضافة الى تفجير مقامات الانبياء والمساجد الاثرية، اما في تدمر السورية والتي تبعد 200 كيلومتر شمال شرقي العاصمة دمشق خلال سيطرة التنظيم عليها لمرتين حيث دمر بعض تراثها الأثري الذي لا يقدر بثمن قبل أن تستعيد القوات السورية السيطرة عليها، ان الأضرار التي لحقت بالمصلبة (التترابيلون)، المؤلفة من أربع قواعد متقابلة فوق كل منها أربعة أعمدة، بأنها جسيمة،  ولم يبقى سوى أربعة أعمدة فقط من أصل 16 عمودا، هذا التخريب للآثار عملية تدمير ممنهجة ومتعمدة لإثارة روح العداوة بين الشعب واثارة الفوضى والخوف في نفوس السكان، كما تعد عملية احباط لكل جهد عسكري لتحرير هذه المدن. 
4-    ان قيام التنظيم بتدمير الأسس الاقتصادية للعراق وسوريا، دفعت الدولتين إلى الانشغال بحماية تلك الموارد وتوجيه قسم كبير من جيوشهم وطاقاتهم لهذا الغرض مما يساهم في تشتيت قواهم وبعثرة جهودهم ومنعهم من التفرغ للمعارك المباشرة.
5-    تخريب الاقتصاد من قبل الارهابيين سوف يجبر العديد من سكان المناطق المتضررة على موالاتهم، والانضمام اليه، وذلك لحاجتهم للغذاء والخدمات التي يقدمها الارهابيين لهم، كما ان بعد تحرير هذه المدن سوف يزيد غضب السكان على حكومات هذه الدول لحاجتهم للخدمات الصحية والمعاشية, مما يخلق توترا بين السكان وحكومات هذه الدول.
6-    المنافسة الاقليمية : هناك منافسة محمومة من قبل الدول الاقليمية المجاورة للدول العربية سياسيا واقتصاديا، اذ ان دول مثل ايران وتركيا واسرائيل دول تبحث عن نفوذ سياسي لها، وعن تفوق اقتصادي في المنطقة، لهذا فان هذه الدول بدأت في التدخل المباشر وغير المباشر في احداث المنطقة، وذلك من اجل تدمير اقتصاديات الدول العربية المجاورة لها لتبقى سوقا للمنتوجات هذه الدول، اذ نرى مثلا ان تركيا دعمت جبهة النصرة بكل قوة في حلب من اجل تدمير مركز الصناعة السورية الاساس، كما ان دخول داعش الى العراق القصد منه وقف اي تقدم عراقي سواء في مجال الصناعة النفطية او الصناعات الاخرى، كما ان اسرائيل تدير عملية تخريب متعمدة في هذه الدول من اجل ان تبقى المنتج الوحيد للغاز في شرق المتوسط، لهذا بدأت بدفع هذه العصابات الارهابية من اجل تخريب حقول الغاز والنفط السورية والعراقية، واشغال سوريا ولبنان بحروب جانبية من اجل الاستحواذ على حقول الغاز، فقد ذكرت بعض وسائل الاعلام ان الحكومة الإسرائيلية قررت من جانب واحد أن تدرج في منطقتها الاقتصادية الحصرية، المناطق الساحلية المتنازع عليها في البجر المتوسط كافة، حيث توجد احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، يطالب بها جارها لبنان، ويرى أن له الأحقية في ملكيتها، فقد استغلت اسرائيل الفوضى في المنطقة ووضعت يدها على هذه المنطقة المهمة.
ومن اجل تدارك الامر ومنع حدوث كوارث انسانية كما حصل في عام 2014، في العراق وقبلها في سوريا والتي لازالت مستمرة، فان على حكومات دول المنطقة ان تعمل على مواجهة تخريب الارهاب للبنى التحتية بعمليات اعمار سريعة للمناطق المتضررة، من خلال توفير الحاجات والخدمات الاساسية للسكان من مسكن وغذاء ودواء، وكهرباء وماء وصرف صحي، لان اي خلل من قبل الحكومة او تلكؤ في توفيرها سيعطي الارهاب فرصة للعودة مرة اخرى لهذه المدن، ويوفر ارضية مناسبة لنمو الارهاب، لان اغلب مطالب السكان قبل دخول الارهاب للعراق كانت مطالب توفير الخدمات وفرص العمل للمواطنين، وتحويل المناطق المتنازعة عليها الى مناطق متفق عليها وابناؤهم هم من يحكمها، ان اعادة البنى التحتية والخدمات للمواطن هو ابعادهم عن ضغط الارهابيين الذين لا يريد الحياة الكريمة للمواطنين، كذلك الضغط على دول المنطقة الاخرى على احترام سيادة الدول ومنع تدخلهم في شؤون العراق تحت اي مسمى او منهج، لان ابناء العراق اولى بالدفاع عنه وعن مقدساته، وفي نفس الوقت ابعاد تدخل هذه الدول ضمان حقيقية للعيش المشترك بين افراد الوطن بعيدا عن التعصب والانحياز لهذا الطرف او ذاك، وابعاد التحالف الدولي عن تدمير المركز المهمة والبنى التحتية في العراق، فالمتابع لتحالف اميركا ودول غربية وعربية ضد الارهاب، عبارة عن  استعراض سياسي، ان ما يسمى بالتحالف الدولي ضد الارهاب هو مجرد استعراض  من جانب اميركا وحلفائها الاقليميين، لأن اداء اميركا خلال هذه الفترة القصيرة يؤشر الى سياسة قصف المدنيين وتدمير البنى التحتية في المنطقة والتي اغضبت السكان المحليين، وصبت بالتالي في مصلحة المجاميع الارهابية، واخرها قصف التحالف لمنازل المواطنين في الموصل الذي تسبب في مئات الضحايا من المدنيين الابرياء، هذه كان لها صدى اعلامي واسع ضد قوات التحالف والقوات العراقية، اخيرا فان توفير الحياة الكريمة للمواطن او اساس لبناء المواطنة الصالحة.
ان عملية اعمار المناطق المحررة في العراق وسوريا يجب ألا يكون جهداً حكومياً فقط، وإنما يجب ان يكون هناك جهد دولي كبير، ان دعوة دول العالم والمنظمات الدولية لدعم المناطق المحررة في العراق، لأنه بحاجة كبيرة الى دعم كافة دول العالم في كافة محافظات العراق ولاسيما المناطق المحررة التي تدمرت بسبب ارهاب داعش، ان دولة مثل العراق تقاتل الارهاب منذ 2003 الى الان، وفي ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد هي بحاجة الى دعم دولي ومن المنظمات الانسانية بالمال والمواد الغذائية والسكان وذلك لإيواء واسكان مئات الالاف من العوائل النازحة من الموصل والانبار، كما ان سوريا هي الاخرى بحاجة الى الدعم الدولي اللازم لإعادة الاعمار لما لحق بها من دمار على يد المجموعات المسلحة والتي اغلبها مدعوم من دول اقليمية معروفة.



التعليقات