كثيرة هي الكتابات التي تحاول ان تقف على ابعاد تحرير مدينة الموصل من سيطرة داعش الارهابين وما يمكن ان يحصل بعد ذلك من تطورات في المشهد العراقي بعضها شديد القتامة والتخوف، وبعضها الآخر يحمل نوعا من الامل المحفوف بالحذر. وهذا الوضع الدقيق لمدينة لها هذا الثقل في بلدها وجوارها الجغرافي، يستدعي الانتباه الشديد من قبل صانع القرار العراقي الذي تفرض عليه المعطيات سعة الاطلاع لمعرفة الواقع كما هون واتخاذ خطوات دقيقة محسوبة العواقب. لذا نضع بين يدي صانع القرار في بغداد مقالا مهما للسيد (انتوني كوردسمان) أستاذ كرسي أرلين بورك في الإستراتيجية في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية ومحلل الأمن القومي في إي بي سي نيوزن والاستاذ السابق لدراسات الأمن القومي في جامعة جورج تاون وزميل مركز وودرو ولسون الدولي، والمنشور تحت عنوان (هل يتحول الانتصار في الموصل الى فشل) من قبل (معهد الدراسات الاسترايجية والدولية) يوم السابع عشر من شهر تشرين الاول اكتوبر الماضي وقد جاء فيه:
"في الحقيقة بدأ القتال من اجل تحرير الموصل مع جولة جديدة من الضربات التي تقودها الولايات المتحدة قبل اعلان الجانب العراقي عن استعداد مختلف صنوف القوات العراقية للمشاركة في القتال، وسوف تكون هذه الضربات من العناصر المهمة في الجهد العسكري الأمريكي اللازم لهزيمة الارهاب والتطرف الاسلامي العنيف، فضلا عن المساعدة في تحديد نجاح جهود الولايات المتحدة في المستقبل لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط الذي يشهد اضطرابا متزايدا. لا توجد وسيلة يمكن من خلالها معرفة مدى الصعوبة التي سيجري فيها القتال، وعزم " داعش" في السيطرة على المدينة، فمن المستغرب ان حجم القوة قليل جداً ونادراً مايتجاوز ٤٥٠٠ مقاتل، وفي الوقت ذاته اتخذ اشهر للتحضير واظهار قدرته على التضحية بمقاتليه في هجمات ارهابية ومعركة استنزاف، ويبذل كل ما بوسعه لاستخدام المدنيين كدروع وادوات للحرب، لذا يجب ان يضع بعين الاعتبار كيفية حفاظه على المناطق التي سيطر عليها في سوريا، والحفاظ على ولاء مقاتليه اذا لم يحول الموصل الى معركة طويلة، التراجع لا يؤمن خسارته لأي طريق آمن عبر تركيا، وان التقدم العراقي الناجح الذي يشمل كل من الموصل وبقية محافظة نينوى سوف يحتوي القدرة على كسب متطوعين جدد والحصول على المال والأمدادات.
وفي الوقت ذاته، من المرجح ان يكون تحقيق " الانتصار" في الموصل نسبيا ويشكل تحديات رئيسة من حيث وحدة العراق، و لجميع التشكيلات العراقية اهداف وغايات مختلفة، الامر الذي دعى الولايات المتحدة الى قضاء وقتا طويلاً لاقناع الأكراد على تقديم المساعدة دون السيطرة على اراضي جديدة، مما ادى الى تولي قوات الحكومة المركزية العراقية الجهد العسكري الرئيس، وانشاء بعض الفصائل السنية المحلية والحد من دور الفصائل الشيعية. تواجه الحكومة المركزية العراقية والولايات المتحدة نفس القدر من التهديد من حلفائهم كتهديد " داعش" وهذا يمنعهم من استغلال الانتصار على " داعش" لمصلحتهم الخاصة على حساب وحدة العراق. جميع الفصائل الرئيسة المشاركة في قتال" داعش" لديها اولويات خاصة واهداف متضاربة، فقد حاول محافظ نينوى السني السابق جعلها محافظة سنية، اما الأكراد فلهم طموحاتهم الخاصة وغالبا مايطالبون بالاستقلال، ولايزال الجيش العراقي يتسم بالضعف وليس للشرطة دور فعّال الشرطة وتعاني من الانقسامات على اسس طائفية وقبلية، كما اساءت بعض الفصائل الشيعية معاملة المدنيين من العرب السنة في عملياتها السابقة.
بعض جوانب القتال ستكون قاتمة بغض النظر عن مدى استعداد ورغبة القوات المشاركة في التعاون، من المحتمل ان ينهار" داعش" تحت الضغط لكن من المحتمل اكثر ان تصبح الموصل مسرحاً لمأساة انسانية اخرى في الصراع العراقي السوري سواء من حيث القتال الفعلي او الحاجة الى اعادة البناء والانتعاش التي تعقب القتال، كما ان لدى " داعش" القدرة على تحويل الموصل الى قلعة من الاسلاك الشائكة والقنابل، ووضع استراتيجية لاستخدام الدروع البشرية واستغلال السكان، وبالمقابل لدى العراق القليل من الموارد المدنية الفائضة وقدرة محدودة على ادارة الوضع.
ومن الواضح ان التعامل مع التأثير المدني والانساني للقتال قد لا يكون كافياً، اذ توجد الكثير من التوترات بين الفصائل وكثير من الحدود للخيارات المدنية المتاحة اذا حدثت اسوأ التقديرات مثل زيادة عدد المشردين او اساءت معاملة المدنيين، فكل مايمكننا فعله هو ان نكون صادقين في معالجة مثل هذه المشاكل وتوفير افضل الخيارت .
تشكل الحكومة العراقية تهديداً محتملاً، فعلى الرغم من ان القيادة العليا المتمثلة برئيس الوزراء حيدر العبادي قيادة جيدة لكن الجزء الأكبر من الحكومة هو من الفاسدين والمنقسمين اللذين يبحثون عن مصالحهم الخاصة، لذا فان قدرتهم في التعامل مع مليون او اكثر من المدنيين المحصورين في منازلهم غير مؤكدة في احسن الأحوال، كما تفشل الحكومة في الرد على النصر العسكري وقطع وعود مثيرة وبالتالي الفشل في التصرف. ففي حالة الموصل، يمكن ان يؤدي الفشل الى نزوح اعداد كبيرة من المدنيين السنة الى المناطق الشيعية او الكردية المتوترة بالفعل، والتي تعاني من الافلاس بسبب انخفاض عائدات النفط، فضلا على معاناتها من ازمة السكن والبنية التحتية الضعيفة الأمر الذي سيجعل المشاكل العرقية والطائفية اكثر سوءاً، لذا يجب ان يدرك العبادي والولايات المتحدة هذا الأمر، لكن يبدو ان قدرتهم على التصدي له غير مؤكدة، وستكون النتيجة النهائية زيادة التوترات العرقية والطائفية.
في الواقع، ان الجانب المهم في المعركة قد لا يكون هزيمة " داعش" بل كيفية تمكن الفصائل العراقية المنقسمة من ايجاد طريقة للتعاون في حال تمكنت من الانتصار، فالنتيجة ستكون اسوأ من " داعش"، اذ سيكون السنة ضد الشيعة والعرب ضد الأكراد وتنافس تركيا وايران والدول العربية، فضلا على روسيا لتحقيق مصالحها الخاصة، فمن السهل جدا ان يؤدي الانتصار الى تقسيم العراق او يتحول الى شكل جديد من اشكال الصراع المدني، فمن المهم معرفة الاستعدادت للمعركة، اذ تكمن المشكلة في عدم وجود اي تصريحات علنية ذات مصداقية بشأن رد فعل حكومة الولايات المتحدة والحكومة العراقية في حال هزيمة" داعش". يعد التوقيت المناسب والنجاح الفعلي امر حاسم، اذ لا يمكن تسييس هذه المعركة وان اي تراجع في القتال من اجل الموصل يمكن ان يؤثر على مستقبل استقرار كل عنصر سياسي في العراق ومستقبل نجاح جهود الولايات المتحدة في تشكيل قوات امن عراقية فعّالة، وعلى الرأي العام العالمي حول مستقبل " داعش" وغيره من الحركات الاسلامية العنيفة، لذا ستكون الثقة في الجيش الأمريكي امراً حاسماً، واذا كانت التقارير العسكرية الأمريكية غامضة، ينبغي ان تكون كذلك، لان التركيز على وصف التقدم والمشاكل يضعف الثقة العراقية ونفوذ الولايات المتحدة ويقدم الكثير من المعلومات لداعش.
وفي الوقت ذاته، يمكن ان يكون الانتصار الحقيقي خلال الاشهر المتبقية من هذا العام نجاحا ذا قيمة كبيرة اذا كان يضمن، اولاً نجاح نظام العبادي في توحيد السياسة العراقية والعراق كدولة تعتمد على النجاح في هزيمة " داعش" في الموصل واظهار قدرة الحكومة على بذل قصارى جهدها من اجل مساعدة المدنيين في الموصل.الموصل هي المركز السكاني الرئيس الوحيد من بين المناطق العربية السنية الواقعة غرب بغداد، واذا تمكنت الحكومة العراقية من تزعم المعركة في الموصل واظهرت اهتمامها بامن ومستقبل العلاقات العربية السنية في العراق- مع تجنب اي توتر او اشتباك آخر مع الأكراد- فستعزز مصداقيتها ومكانتها كحكومة مركزية. ثانياً: سيحقق هذا النجاح في الموصل والعراق الكثير لاستعادة مصداقية الولايات المتحدة ونفوذها، ويوازن النجاح الروسي في سوريا، ويحد من دور ايران، ويعيد قدراً من ثقة حلفاء الولايات المتحدة العرب الآخرين، لكن ستحدث اسوأ الخيارات في سوريا، فبدلاً من تحسن المأساة الانسانية فيها ستصبح اكثر سوءاً.
الفشل القريب ل" داعش" في العراق، سيؤدي الى فشله في سوريا ايضا في المال والمتطوعين والروح المعنوية والمصداقية، وبهذا ستتوفر الخيارات وتسنح الفرصة لدعم قوات المتمردين العرب التي يمكن الوثوق بها وتقديم المزيد من المساعدات الانسانية لها، لكن اذا طال امد وجود " داعش" في سوريا سيصبح الوضع فيها اكثر سوءا. بغض النظر عن الذي سيفوز في الانتخابات الأمريكية القادمة، الا ان الموقف الامريكي سيكون افضل بكثير اذا تم تحقيق الانتصار في في المعركة الاكثر اهمية في العراق، وستصبح قضية المساعدات المدنية للعراق اكثر قوة وسيزداد نفوذ الولايات المتحدة ومصداقيتها في العراق، وسيتم تعزيز الشراكات الفاعلة والمجدية مع الدول العربية المعتدلة، ونأمل ان يكون الأجراء السابق مع الموصل عاملاً مساعدا في التعامل مع المأساة الانسانية في سوريا، ويبدو ان هذا الجهد سيبدأ الآن لكنه يتطلب دعماً لعقد او اكثر".
نظرة تحليلية
يبدو من قراءة هذا المقال ان معركة الموصل هي حقا ليست معركة عراقية خالصة – وان تمسك بهذه المقولة الساسة في بغداد- بل هي معركة مصالح ونفوذ اقليمية – دولية، وكل الاطراف المتورطة فيها لها حساباتها الخاصة، وهي حتما تهدف الى الكسب الاضافي أو تعويض الخسارة ، وهكذا معركة لا تشكل رهان على قدرة بغداد في الحفاظ على مصالحها، وحماية وحدة العراق وتماسكه الاجتماعي فحسب، بل هي ايضا رهان على قدرة الاطراف الاقليمية والدولية على عدم تجاوز المعقول في حماية مصالحها الى درجة خلق مزيد من التفكك والمأساة في الشرق الاوسط. انه رهان على قدرة البشر على الاحتكام الى القيم الانسانية التي تحميهم من الدمار، وقدرتهم على تقاسم المصالح بشكل يجعل الجميع رابح بشكل عادل.
https://www.csis.org/analysis/will-winning-mosul-be-losing