خلال الايام الماضية وتطورات التصدي لتنظيم داعش الارهابي تتلاحق سريعا على الساحتين العراقية والسورية. حصل على الساحة السورية حدثين بارزين: اولهما، هو التدخل التركي في مدينة جرابلس في شمال سوريا واطلق عليها عملية "درع الفرات"لطرد تنظيم داعش الارهابي وكانت بمساعدة امريكية، وثانيهما، الاتفاق الروسي-الامريكي الاخير حول الهدنة في سوريا والذي دخل حيز النفاذ في 12 ايلول الجاري ولم يصمد طويلاً.
لكن عند التعرض لأهم بنود الاتفاق والتي سربتها بعض وسائل الاعلام نجد ان المغزى منها وكما تم الاتفاق بين الجانبين هو عزل التنظيمات الارهابية داعش وجبهة فتح الشام (النصرة سابقا) عن المعارضة في سوريا وهذا مؤشر على اتفاق الفواعل الاهم في العالم - الجانبين الروسي والامريكي والاكثر تأثيراً في ملفات الشرق الاوسط - حول القضاء على داعش.
من جانب آخر وعلى الجانب العراقي نجد المتغيرات كثيرة ومتسارعة من جانب الدول المشاركة في التحالف الدولي لقتال داعش مع التقدم الذي احرزته القوات العراقية لاسيما في تشكيلات الجيش العراقي بكل صنوفه في معارك الفلوجة والرمادي ومعارك القيارة مع اهمية الدور الداعم الذي لعبته تشكيلات الحشد الشعبي والحشد العشائري. ونرى ان هذا النجاح كان باعث أساسي للدول المشاركة في التحالف الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية على اتخاذ خطوات مؤثرة في استهداف قيادات داعش في سوريا وفي العراق تارة، والتواصل مع الحكومة العراقية لبحث التنسيق المشترك حول عملية تحرير محافظة نينوى آخر معقل لداعشفي العراق.
على صعيد استهداف قيادات داعش الارهابي اكدت واشنطن رسميا مقتل المتحدث باسم تنظيم داعش الإرهابي أبو محمد العدناني في غارة جوية في 30 /آب الماضي قرب بلدة الباب السورية. وهذه الغارة هي واحدة من سلسلة ضربات ناجحة ضد قياديين في تنظيم داعش، وبينهم مسؤولي الشؤون المالية والتخطيط العسكري، مما يضعف من قدرة التنظيم ويشضي عناصره.
اما التواصل والتنسيق وتوالي الزيارت نلاحظ وصول نائب وزير الخارجية الامريكي كيري، أنتوني بلينكن إلى العراق لمناقشة قضايا سياسية واقتصادية وإنسانية وأمنية مع المسؤولين العراقيين. وألتقي بلينكن مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لمناقشة مجموعة من القضايا بما في ذلك جهود مكافحة داعش والتخطيط لمعركة الموصل . كذلك زار بلينكن إقليم كردستان للقاء رئيس الإقليم وعدد من كبار المسؤولين لبحث جهود قوات البيشمركة المبذولة ضد تنظيم داعش.
كذلك نلاحظ التأكيد الامريكي على قدرة القوات العراقية. اذ قال الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة "إن القوات العراقية ستكون مستعدة لعملية الموصل في أكتوبر/تشرين الأول" وهذا مؤشر على أن حملة شاملة لانتزاع السيطرة على المدينة من تنظيم داعش باتت وشيكة.
وقال دانفورد الاثنين 19/ أيلول للصحفيين إن توقيت الهجوم يعود لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، "سيكون لديهم جميع القوات التي يحتاجون إليها"...." لكن مهمتنا مساعدة العراقيين فعليا في تقديم القوات والدعم اللازم للعمليات في الموصل وسنكون على استعداد لذلك في أكتوبر/تشرين الاول.
كما أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في نيويورك الاثنين 19 /أيلول على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، استعداد بلاده لتقديم المساعدة الإنسانية وإعادة بناء مدينة الموصل.
وحذر خبراء التخطيط بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) من أن معركة استعادة الموصل، التي سيطر عليها التنظيم في منتصف حزيران 2014، قد تقدم صورة مختلطة لخبراء التخطيط عن الحرب مع احتمال تقهقر وتراجع داعش في بعض مناطق المدينة بهدف تعزيز قدراته في مناطق أخرى. كذلك توجهت حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول الى البحر الابيض المتوسط للمشاركة في تحرير الموصل.
كذلك قدمت وزارة الدفاع الاميركية طلبا الى البيت الابيض للموافقة على ارسال 500 جندي اميركي الى العراق للمشاركة في عمليات تحرير الموصل، فضلا عن القوات المتواجدة في قاعدة القيارة والتي ستستخدم كنقطة انطلاق بأتجاه تحرير جميع أقضية ونواحي محافظة نينوى. وبذلك يصل عديد القوات الاميركية الى اكثر من 4500 جندي اميركي حسب ما صرح به المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس لقناة الحرة مساء يوم الخميس 22 ايلول الجاري.
عليه يبدوا من هذا الاهتمام الاميركي ان الولايات المتحدة اصبحت متأكدة ان القوات العراقية بمختلف تشكيلاتها اصبحت تتمتع بالقدرات والخبرات الكافية لتحرير آخر معقل لتنظيم داعش الارهابي وهي محافظة نينوى وهي ثاني أكبر محافظة في العراق، ولها اهمية كبيرة بالنسبة للتنظيم، بعد العمليات التي خاضتها في مدينة الرمادي ومناطق غرب الانبار وناحية القيارة واخرها جزيرة الرمادي وقضاء الشرقاط هذا من جانب،
ومن جانب آخر يبدوا ان الادارة الامريكية تريد انهاء ملف تنظيم داعش مع نهاية العام الحالي وهذا ماصرح به الرئيس الامريكي باراك اوباما لكون ان المشاكل الامنية والسياسية والانسانية تعقدت وتفاقمت في عهد الادارة الامريكية الحالية ويشكل قسم مهم من الرأي العام الامريكي ومن الساسة الامريكان ان الرئيس باراك اوباما أرتكب خطأ عندما قرر سحب القوات الامريكية من العراق نهاية عام 2011. بمعنى آخر ان مرحلة تنظيم داعش قد أفل نجمها والقادم هو المحور السياسي – الامني.
وهذا يعني ان الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش والقضاء عليه هي البداية لعمل شاق يتمثل بتوفير المناخ والبيئة المناسبة الطاردة للتطرف والارهاب. المناخ الذي يُشعر الجميع بأنتمائهم الى الدولة العراقية ويحقق المساواة والعدالة الاجتماعية.
عليه، النظام السياسي الحالي لم يعد قادرا على تحقيق هذا المناخ او انتاجه لاسيما مع تجربة استمرت اكثر من عقد من الزمن نتج عنها ما نعيشه من حزيران 2014. فالبحث عن ترتيب سياسي جديد اصبح حاجة ملحة على مستوى ادارة البلد سياسيا واقتصاديا يلبي طموحات الجميع ويكون قادر على ماخربه عدم الاستقرار الامني وعمليات التنظيمات الارهابية. ومن تجربة العراق بعد 2003 اصبح جليا ان الامن لايتحقق بعديد القوات العسكرية بقدر ما يتحقق بوجود نظام سياسي يحقق الدولة المدنية القادرة على احتواء جميع المكونات، وبوجود مؤسسات انفاذ القانون وتوزيع عادل للموارد.
وبدون التفكير ملياً وبجدية في هذا الامر فسيواجه العراق مرحلة صعبة جدا تفوق في صعوبتها مرحلة القتال ضد داعش وبالتالي تذهب كل هذه التضحيات (دماء وأموال) أدارج الرياح. وربما يُخيم شبح الرب الاهلية ويكون عندها من الصعب لملمة شتات البلاد.
اضافةتعليق