يمثل ما تمتلكه الدول من موارد اقتصادية محدد أساسي لطبيعة النشاط الاقتصادي السائد فيها ، ومنها الدول الأحادية المورد التي تعتمد أو تكتفي بمورد اقتصادي واحد وهذا ما نجده في اغلب الدول النفطية وخصوصا العربية ومن بينها العراق الذي يعتمد على الاقتصاد أحادي الجانب أي الاقتصاد ألريعي وذلك من خلال الاعتماد الكلي على الواردات النفطية والاكتفاء بهذه العائدات دون السعي في إيجاد بدائل أخرى ، وعليه سوف نتطرق إلى معرفة ما هو الريع ؟ ومن هي الدولة الريعية ؟ وما هي المساوئ المترتبة على إتباع هكذا نوع من الأنظمة الاقتصادية ومدى تأثيرها على اقتصادياتها ومنها العراق .
أول من استعمل هذا المصطلح – أي الريع – باعتباره شكل من أشكال المردود المالي هو ( ادم سميث ) في كتابة ( ثروة الأمم ) ، ولكن أول من استعمله كنمط اقتصادي هو ( كارل ماركس ) في كتابة ( رأس المال ) ، وان معنى كلمة الريع هو النماء والازدهار . أما بالنسبة لمصطلح الدولة الريعية يمكن تعريفها : بأنها الدولة التي تعتمد وبشكل شبه كلي على مصدر واحد لسد إنفاقها الحكومي وهذا المصدر يتمثل بالنفط ، وان الدولة النفطية ذات الاقتصاد ألريعي تكون معتمدة بصورة كبيرة على النفط وبذلك يكون اقتصادها مبني على مستويين :-
-المستوى الداخلي: يتمثل في تحكم الدولة بموارد النفط مع تحديد طرق إنفاق عائداته.
-المستوى الخارجي: ويتمثل في الاعتماد على النفط وما يدره من عوائد.
كما ظهر مصطلح الدولة الريعية لأول مرة في دراسة للكاتب الإيراني ( حسين مهدوي ) عام 1970م حيث قام بتعريف الدولة الريعية على أنها : ( الدولة التي تحصل على جزء كبير من دخلها من مصادر خارجية سواء كان ذلك من موارد طبيعية أو زراعية او استخراجية على شكل ريع تتحكم الدولة في السيطرة علية وتوزيعه ) .
لقد أثير الجدل حول مصطلح الدولة الريعية خصوصا بعد ظهور مصطلح الدولة ما بعد الريعية ، ولكن هناك إجماع على أن الدولة الريعية هي تلك الدولة التي تعتمد على العائدات النفطية لسد نفقاتها الحكومية ، أما الدولة ما بعد الريعية فهي الدولة التي تعتمد على عائدات صادراتها من المواد الأولية من اجل سد إنفاقها الحكومي .
وعلية يمكننا أن نقسم الريع إلى ثلاثة أقسام : -
-الأول // الريع الطبيعي ويتمثل بالموارد الطبيعية المتوفرة لدى الدولة ، كالنفط والثروات المعدنية الأخرى .
-الثاني // الريع الاستراتيجي ويتمثل هذا النوع من خلال موقع الدولة من حيث الموانئ ومدى تحكمها بطرق التجارة أو تمتعها بميزة جيو سياسية كالأشراف على الممرات المائية .
-الثالث // الريع التحويلي ويتمثل بما تحصل علية الدولة من معونات ومنح بالإضافة إلى أشكال الدعم الأخرى .
العراق والدولة الريعية:-
يمتلك العراق العديد من الموارد التي لم يتم استغلالها بشكلها الأمثل وتم الاعتماد بشكل كلي على مورد واحد والمتمثل بالنفط وإهمال باقي القطاعات الأخرى التي لو تم الاهتمام بها والقيام بتنفيذ مشاريعها لأصبح العراق من أغنى دول العالم . إن سمة الاقتصاد العراقي اليوم ومنذ فترة طويلة وبالأخص بعد عام 2003م هي انه اقتصاد ريعي بامتياز واعتماد الدولة العراقية على المدخلات النفطية لا غير جعلها بموقف صعب جدا ، لكون الميزانية الاتحادية تحسب بالدرجة الأساس على النفط وبنسبة 95% ولم تعتمد على القطاعات الأخرى .
والسمات الأساسية للاقتصاد العراقي كونه اقتصادا ريعيا هي:
(1) إن جميع إيرادات الدولة تأتي من عائدات النفط .
(2) إن النفط هو المصدر الأساس للاقتصاد المحلي .
(3) إن المستلم لإيرادات النفط الريعية والمتصرف بها هي الحكومة .
(4) إن النشاط السكاني يتركز على استهلاك وإعادة توزيع الريع النفطي دون سعي في إنتاجه .
يمتلك العراق الكثير من المصادر التي تمكنه من النهوض بالواقع الاقتصادي والخروج به من دائرة الاقتصاد ألريعي أحادي الجانب إلى اقتصاد منتج ومتطور ومتنوع ، وذلك من خلال تفعيل دور القطاعات الاقتصادية الأخرى كالزراعة والصناعة بالإضافة إلى القطاع الخدمي والسياحي . إن العراق لديه مقومات للسياحة الدينية كبيرة جدا لو تم وضع عدد من الخطط التنموية والإستراتيجية لاستثمارها لانتقل الاقتصاد العراقي نقله نوعيه وكبيرة ، ولكن في نفس الوقت هناك عدد من المعوقات التي تحول دون الانتقال بالاقتصاد العراقي من الاقتصاد ألريعي إلى الاقتصاد المنتج ومن ابرز هذه الأسباب ما يلي :-
(1) الوضع الأمني المتردي .
(2) التخبط السياسي وعدم توحيد المواقف السياسية من قبل النخب الحاكمة .
(3) الطريقة المتبعة في تنفيذ العقود الحكومية وطبيعة توجه هذه العقود .
ومن ابرز المساوئ الملاحظة على الاقتصاد ألريعي في العراق ما يأتي :-
(1) سيطرة فئة دون أخرى على مراكز الثروة والتحكم المباشر في توزيعها .
(2) سوء التوزيع في الدخل القومي ، فعلى الرغم من غنى الدولة لكن لا يستفيد منها جميع أفراد المجتمع .
(3) إن المجتمع العراقي مجتمع استهلاكي ومستورد لكل شيء بالرغم من إمكانية التقليل من هذا الاستيراد من خلال تنشيط القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية داخل البلد ، وبالتالي تحويل الاقتصاد من الريع إلى اقتصاد أكثر تنوعا وتكاملا .
(4) التبعية السياسية والاقتصادية من قبل الدولة اتجاه الدول الكبرى .
(5) من اكبر مساوئ الدولة الريعية هو اعتمادها على مورد واحد وهو النفط ، ففي حال قلته أو نضوبه –نفاده– سوف يؤثر بشكل سلبي على كل مجالات الحياة .
أخيرا يمكننا وضع عدد من النقاط التي يمكن من خلالها النهوض بالاقتصاد العراقي والتحول به نحو الاقتصاد المنتج وكما يلي:-
• الاهتمام بالقطاع التعليمي لأنه يمثل حجر الأساس في أي نهضة مجتمعية ومن خلاله يتم إطلاق الكوادر الكفيلة بأجراء أي تغييرات سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية .
• تنشيط القطاع الزراعي والصناعي والخدمي والسياحي ، فمثلا تم إطلاق المبادرة الزراعية وجنت ثمارها وان كانت قليلة فماذا لو تم إطلاق مبادرة صناعية سوف يكون وقعها جيدا ومؤثرا على الاقتصاد المحلي .
• محاربة الفساد المنتشر في جسد الدولة العراقية والسعي إلى القضاء عليه تماما .
• تأهيل المؤسسات الاقتصادية وفقا لحاجة السوق من حيث الكوادر والمعدات.
• السعي إلى تنشيط حركة التجارة سواء كانت داخلية أم خارجية .
• توفير بيئة استثمارية جيدة يتم من خلالها جذب المستثمرين والشركات المختصة عن طريق وضع قوانين محددة وملائمة للطرفين.