من الصعوبة الحديث وبشكل تفصيلي عن الحركات الإسلامية في البلدان العربية والعالم لكون الموضوع يحوي من التشعب والاتساع بحيث لا يمكن إيفاؤها حقها ألا من خلال معرفة أسس نشأتها وتكوينها الأولى ومن ثم التطرق إلى معرفة الخارطة الفعلية لتقسيم هذه الحركات الإسلامية ، ومما لا شك فيه أنه يجب علينا معرفة الأسباب المباشرة لنشأة هذه الحركات ، فتوصف الحركات الإسلامية أنها حديثة التكوين أي أنها نشأت في كنف الحداثة واستجابة لتحدياتها ، وتوصف بأنها أسلامية لكونها استجابة لتحديات الحداثة ذات المرجعية الإسلامية التي أخذت مع مرور الوقت هذه القوى الإسلامية تتسلم الحكم والسلطة في بلدانها بفعل ما تقوم به من أعمال ونشاطات .
يرجع بعض المختصين نشوء الحركات الإسلامية المعاصرة إلى المجهود الفكري والإصلاحي الذي بذلة بعض المفكرين الأوائل أمثال ( جمال الدين الأفغاني ) وكلا من تلاميذه ( محمد عبده ، ومحمد رشيد رضا ) ، وابرز ما يميز الحركات الإسلامية في هذه المرحلة هو تأثرها بالحداثة على الرغم من رفضها لها في الوقت نفسه .
وتعمل الحركات الإسلامية على تمييز نفسها عن الحركات الأخرى التي تظهر على الساحة المحلية والعالمية من خلال تنسيب نفسها إلى الإسلام واعتباره شيء لصيق بها ولا يتجزأ عنها ، ونتيجة لذلك تقوم بإصدار أحكامها المختلفة على المجتمع ، وفقا لوجهة نظرها أنها تقوم بإصلاح المجتمع .
لقد كان من بين الأسباب المباشرة لانتشار الحركات الإسلامية هي ما يلي :-
1- الثورة النفطية وما أحدثته من أثار مقرونة بالشعور بالخيبة جراء فشل الحكومات والإيديولوجيات العلمانية ، بالإضافة إلى أزمة الهوية والشعور بالدونية اتجاه الغرب .
2- الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 1929م ، أضف إلى ذلك الأزمات السياسية التي ضربت العالم الإسلامي خلال النصف الثاني من ذلك القرن .
3- وصول الصراع الطبقي إلى حدته مقابل عجز المعارضة العلمانية .
4- أن هذه الحركات هي ردة فعل دفاعي في المجتمعات الإسلامية التي غزتها الحداثة وهددتها بالتفكيك والانهيار .
لقد اجمع الكثير من علماء الاجتماع على اعتبار الحركات الإسلامية هي ردة فعل طبيعية لتغيرات بنائية في المجتمع ، وبالتالي تكون مرتبطة بمتغيرات أخرى ، على سبيل المثال ، التركيبة السكانية للمجتمع والتطور التكنولوجي وبنية النظام السياسي ، وعليه فان النظر إلى هذه الحركات على أنها عنصر هدم أو عنصر بناء في مجتمعا ما يكون نتيجة للاختلالات الاجتماعية الموجودة داخل النظام .
وعند تعريف الحركات الإسلامية يجب علينا أن نميز ما بين مفهومها وبعض المفاهيم والمصطلحات المقاربة لها، مثل جماعات الضغط والمصالح والأحزاب السياسية ، فقد عرفها أستاذ علم الاجتماع ( هيربرت بلومر ) : بأنها سلوك جمعي يعبر عن عدم الكفاءة الاجتماعية أو القلق والاضطراب الاجتماعي في أثناء نموها ومن ثم فأنها تتضمن كل مظاهر السلوك الجمعي .
ويعرفها ( د . رفعت سيد احمد ) : هي جهد جماعي ومطلب مشترك بين جماعة من الناس يعملون معا بوعي واستمرار على تغيير بعض أو كل اوجه النظام الاجتماعي والسياسي القائم وأنهم يمرون بعدة مراحل لكي يصلوا إلى هذا الهدف تبدأ عادة بحالة من القلق والتوتر الجماعي غير المنظم لتنتهي برص الصفوف ووعي القائمين بالحركة وتوجههم نحو هدف واحد محدد ويتمثل هذا الهدف في تغيير النظام الاجتماعي والسلطة السياسية القائمة .
أما بالنسبة لأسباب نشوء الحركات الإسلامية يمكن أن نرجعها ونلخصها بثلاثة عوامل أساسية تتمثل بالاتي :-
(1)العوامل النفسية والسيكولوجية / ويندرج ضمنها الأسباب التي تضعف ارتباط الشخص بجماعة تقليدية - كالأسرة – تجعله يرغب في تحديها والمخاطرة بفقدانها لأنه أصبح يؤمن بقضية غير شائعة بين الناس .
(2)العوامل الاجتماعية / ويندرج ضمنها الظروف الفعلية لقيام هذه الحركات ومنها :
- الأزمات الاقتصادية .
- الفقر الواسع الانتشار .
- الاختلالات الحادة في التركيبة الطبقية للمجتمع والذي ينتج عنه السخط والإحباط .
- اهتزاز القيم والمعايير الاجتماعية السائدة ،والتي تصبح غير ملائمة لظروف الحياة الجديدة .
- أضف إلى ذلك التحول في ميزان القوى داخل المجتمع ، ونتيجة لهذه الظروف مجتمعة تنشا حركة تطالب بالتغيير .
(3)العوامل الخارجية / ويمكن أن ندرج تحتها التأثر بالبلاد الأخرى سواء كانت عربية أم غربية وترجع في ذلك إلى الأسباب الآتية :
- التغيير في البناء الفكري .
- الارتباط المباشر بالتغيير الاجتماعي .
- ضعف البناء التنظيمي وقوة التضامن الداخلي .
- سرعة الانتشار والتغلغل التلقائي .
- عدم الاستقرار والتذبذب من وقت إلى آخر.
نظرا لمحورية الأساس الفكري للحركات الإسلامية فأنها تنقسم إلى قسمين رئيسيين مع تفرعاتها ولا يجمع بينهما شيء سوى ادعائها الانتساب إلى الإسلام وعليه سوف نضع تقسيم لهذه الحركات وكما يلي :-
أ)الحركات الإسلامية الدينية .
أن هذه الحركات تقوم وفق قراءة معينة ومحددة للإسلام والنصوص القرآنية وتفسيرها بطريقة حرفية ظاهرية وبالتالي تقوم هذه الحركات بتكفير الدول وادعاء جاهليتها ، وان الهدف الرئيس لهذه الحركات هي اسلمة المجتمع وأفراده لأنهم جميعا وحسب رؤيتهم خارجين عن الإسلام وتنقسم هذه الحركات إلى :-
1-الحركات المتطرفة : وتتصور هذه الحركات أن المجتمعات الحالية مجتمعات جاهلية وكافرة وتذهب هذه الحركات إلى عدم ممارسة العنف ضد هذه المجتمعات حسب رؤيتهم مثلما فعل المسلمون الأوائل ، أما عن كيفية تعامل هذه الحركات مع هذه المجتمعات التي تصفها بالجاهلية فهي تنقسم إلى فئتين هما :
*حركات التكفير والهجرة .
*حركات أعادة الدعوة .
2-الحركات الجهادية : تعتبر هذه الحركات أن الحكومات في هذه البلدان هي المسؤولة عن حالة الجاهلية التي تعيشها المجتمعات ، واعتبرت هذه الحركات أن الجهاد هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهدافها ، ونظرا لاختلاف مراحل نشأتها فأنها توزعت إلى ثلاثة أنواع :
*حركات ذات طابع محلي .
*حركات انفصالية .
*حركات ذات مجال دولي .
ب)الحركات السياسية – الاجتماعية ذات البرنامج الإسلامي .
تتبنى هذه الحركات برامج سياسية – اجتماعية أساسها أسلامي تستند فيه إلى الشريعة الإسلامية التي هي في حقيقتها أنتاج بشري وليس نص قراني ، وتعتبر هذه الحركات الإسلام الوعاء الحضاري الذي تستمد منه رؤاها لتنظيم المجتمعات التي تتواجد فيها، وتنقسم بدورها إلى قسمين هما :
1-الحركات السلمية الداعية للحكم .
2-حركات التحرر الوطني المسلحة .
خلاصة لما تقدم ، تسعى الحركات الإسلامية إلى تطبيق برامجها التي تعتبرها شيء مقدس وعلى الجميع الأخذ بها ، وان المجتمعات اليوم تعيش حالة من الفوضى والجاهلية وهي بذلك بحاجة إلى تنظيم وتخليص هذه المجتمعات من ذلك ، وتحتاج هذه الحركات – القديمة أم المعاصرة – إلى استيعاب ما توصل إلية العقل البشري من تطور وتقدم في جميع المجالات وعلى جميع المستويات أ لاسيما في مطلع الألفية الثالثة ليكون تفكيرها وسلوكها منسجما مع حاجات عصرها ، بما يسمح لها بتقديم أنموذجا حضاريا للحكم الإسلامي قادر على الجذب والتطبيق ، وإلا تسببت في حركة اجتماعية داخلية وخارجية معاكسة ( ضد الإسلام ) تحكم على فشلها عاجلا أم آجلا .