العامل المشترك بين ايران وتركيا هو استخدام الجماعات المعارضة والمتمردة والصراعات الداخلية بدول المنطقة من أجل إحكام سيطرتهما على مقاليد الحكم بتلك الدول، وايضا ضمان استمرار حالة الصراع بالمنطقة بما يضمن هيمنتهما على مقاليد الأمور
تعتبر المنطقة العربية كنز استراتيجي ضخم للقوى العالمية العظمى التى تنظر إليها كأنها بمثابة قطعة اللحم الشهية التى يجب ان تضع يدها عليها، وتمنع الأطراف الآخري من مجرد التفكير فى الإقتراب منها، فقبل الانتفاضات العربية التى بدأت في عام 2011 كانت تلك البقعة الاستراتيجية مثار للتنافس الأمريكي الروسي البريطانى الهادف للهيمنة، والسيطرة على ثرواتها النفطية، والمعدنية – حيث تستحوذ المنطقة على 62% من اجملى احتياطي النفط فى العالم - بالإضافة لمواردها الطبيعية، وشرايينها الملاحية التى تربط نصف الكرة الأرضية الشمالي بالجنوبي، إلا انه بعد سلسلة الانتفاضات العربية حدث تحول استراتيجي فى مسار الأمور، وبعد ان كانت المنطقة مثار للتنافس الدولي دخلت أطراف إقليمية أخرى لتحاول فرض سيطرتها ونفوذها على دول المنطقة، وكان أبرز تلك الأطراف تركيا وإيران اللتان تحاولان بإستماتة استخدام المنطقة كورقة ضغط من أجل تحقيق مصالحهما مع الدول الغربية، وإيجاد موضع قدم لهما ضمن خريطة القوي العظمي المؤثرة فى العالم.
المشروع التركي
تحاول تركيا الدخول للمنطقة العربية من خلال عدد من الأبواب المختلفة أبرزهم الباب التاريخي عن طريق محاولة إحياء زمن الإمبراطورية العثمانية، وهو ما يتضح بقوة فى الدراما التى تصدرها للعالم العربي بمختلف أنواعها، فضلا عن تصوير نفسها كنموذج إسلامي فى نفس الوقت يتبع المنهج العلمانى فى التفكير ويحارب السيطرة الإسرائيلية ويدافع عن الدين الإسلامي والمقدسات العربية مستغلة فى ذلك الأزمة الفلسطينية، وتطوراتها المتلاحقة فضلا عن محاولاتها المستمرة للتوغل وبسط النفوذ داخل الأراضي العراقية والسورية مستغلة اشتراكها فى مياه نهر دجلة والفرات مع كلتا الدولتان، ولا ننسي ان هناك رغبة مشتركة عربية تركية فى عدم قيام دولة كردية بالشمال السوري أو بالأراضي العراقية لما يمكن ان يسببه ذلك فى إحداث مزيد من التوترات والنزاعات فى المنطقة الساخنة، أي ان تركيا تحاول ان تصور نفسها كصانع للسلام والتعاون الاقتصادي صاحبة التاريخ الإسلامي والفكر الأوروبي الحديث المستنير، و فى نفس الوقت القوة الاقتصادية والسياسية القادرة على مساعدة الشعوب العربية لتحقيق أحلامها فى مستقبل أفضل.
المشروع الإيراني
عندما ننطق كلمة إيران فان أول ما يتسارع إلى أذهاننا هو المد الشيعي ومحاولة القيادة الإيرانية لعب دور الممثل الوحيد للشيعة فى المنطقة والحامي والحافظ على تلك العقيدة من القضاء عليها من جانب الدول المحيطة بها... بل تحاول السلطات الإيرانية التواصل مع الأطراف الشيعية المختلفة بالعالم العربي، وإقامة جسر اتصال معها لتستخدمها كورقة ضغط ضد دولها وايضا كنقطة تفاوض اذا لزم الامر، فضلا عن قيامها بدعم الأنظمة والحركات الشيعية التى تلعب أدوار سياسية وعسكرية فى ذات الوقت مثل حزب الله فى لبنان، ونظام بشار الأسد فى سوريا، والحركات الشيعية فى العراق، وجماعة الحوثي فى اليمن كمحاولة للسيطرة على أنظمة تلك الدول وبسط نفوذها بشكل غير مباشر واستخدام تلك الأطراف كوسيلة للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الأنظمة الغربية.
تعاون أم تنافس!!
ورغم اختلاف كلا من المشروعان التركي والإيراني فى طريقة وصولهما إلى غرضهما الرئيسي فى المنطقة العربية إلا انها تشتركان فى نفس الهدف وهو السيطرة والتحكم بالدول العربية لمصالحهما القومية، فنستطيع ان نستدل على ذلك بصورة واضحة من خلال الملف العراقي، حيث تشترك كلتا الدولتان فى إنهما تريدان منع عودة نهوض الدولة العراقية لمنع ظهور أي نفوذ عراقي إقليمي من جديد لتتمكنا من استمرار السيطرة على مقاليد السلطة فى المنطقة وتوجيه الدفة للاتجاه الذي يراعي مصالحهما، فضلا عن منع قيام دولة كردية ستسبب لهما أزمات داخلية وربما مخاطر لسلطة أردوغان وروحاني، وايضا منع توغل أي عناصر ارهابية مسلحة إلى أراضيهما من خلال الحدود العراقية والسورية، إلا انها فى نفس الوقت قد تختلفان فى عدد من النقاط الأخرى مثل العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، فتركيا تربطها علاقات قوية ومصالح مشتركة معها عكس إيران، كذلك العلاقات التركية الواسعة مع الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو على عكس العلاقات الإيرانية المتأزمة مع تلك الأطراف.
توترات ساخنة
ورغم ما يبدو للبعض من ان العلاقات التركية الإيرانية فى تناغام وتناسق مشترك، إلا انها قد توترت فى بعض الأحيان، ونرى ذلك فى الملف السوري من خلال الدعم التركي للمعارضة السورية المسلحة وهو ما سبب خلاف مع إيران الصديق المقرب للنظام السوري والحليف العسكري والسياسي له ، فسقوط بشار الأسد كان هدف تركي أساسي للسيطرة على الملف السوري، وهو ما يعني كسر النفوذ الإيراني أو على الاقل الحد منه بالمنطقة، فكانت تلك النقطة من أبرز مشاهد التوتر الساخنة بين الطرفين خلال السنوات الماضية التى أعقبت الثورة السورية، الا ان رغبة كلا الطرفين فى إنهاء الوجود الكردي القريب من حدودهما قلص ذلك التوتر خشية ان يستخدم الغرب تلك الورقة لإحداث توترات سياسية داخلية بتركيا وإيران.
ولا نغفل المساندة التركية لإيران بعد فرض العقوبات الدولية ضدها والمتمثلة فى تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلوا عندما قال أن الاقتراح بشراء النفط من أي دولة أخرى غير إيران هو تجاوز للحدود.
رؤية مستقبلية
من المتوقع ان تزداد العلاقات التركية الإيرانية تطورا اذا تزايدت الضغوط الأمريكية والأوروبية على تركيا وكذلك ايران لتكون كلاهما حليف مشترك للآخر ضد المحاولات الخارجية الرامية إلي تقويض سيطرتهما على مقاليد الأمور بالمنطقة، وهو ما يعلمه القادة الأتراك والإيرانيين انه سوف يصدر إلى داخل دولتيهما فى صورة أزمات تضرب جبهتهما الداخلية، إلا انه ربما يحدث العكس ويتحول ذلك التعاون لصراع ومشاحنات ساخنة، وذلك فى حال حاولت القوي العظمي إعطاء الضوء الأخضر لتركيا وهي الحليف الأقرب سياسيا للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو وإسرائيل لقيادة المنطقة خلال المرحلة المقبلة.
الخلاصة:
تطورت العلاقة التركية الإيرانية بعد فترة الانتفاضات العربية منذ عام 2011 بشكل كبير، وأصبحت فى بعض الملفات تقترب من الوصول لتحالف مشترك تجاه عدد من القضايا فى المنطقة العربية أبرزها مقاومة أي محاولات لإقامة دولة كردية بجانب حدود الدولتان، فضلا عن توغلهما بأساليب مختلفة فى الدول المجاورة مثل اليمن والعراق وسوريا ومحاولة السيطرة على نظم الحكم أو مساندة حركات وجماعات بعينها تخدم مصالحهما الاستراتيجية.
إلا ان تلك العلاقة التعاونية لم تخلو من بعض التجاذبات، ومحاولات التنافس التى تتم فى هدوء وبطرق غير مباشرة بينهما من أجل الظهور بدور المسيطر والقائد للقضايا الساخنة بتلك المنطقة، فتركيا تحاول التلاعب بسيطرتها الإقليمية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا خصوصا عند استقبالها للمهاجرين السوريين وتوفير مخيمات اقامة لهم، كورقة ضغط وتهديد فى رسم مسار مصالحها الخارجية مع القوي العظمي، أما إيران تحاول تخفيف الضغط الواقع عليها والعقوبات الأمريكية والدولية المفروضة ضدها بالإشارة لنفوذها المتزايد فى اليمن والعراق وسوريا والذى من الممكن ان تستخدمه اذا فُرض عليها ذلك لإشعال المنطقة فى صراعات متعددة تهدد المصالح الأمريكية والأوروبية بها ولكن العامل المشترك بين ايران وتركيا هو استخدام الجماعات المعارضة والمتمردة والصراعات الداخلية بدول المنطقة من أجل إحكام سيطرتهما على مقاليد الحكم بتلك الدول، وايضا ضمان استمرار حالة الصراع بالمنطقة بما يضمن هيمنتهما على مقاليد الأمور.
المصادر:
1-المنطقة العربية بين المشروعين التركي والإيراني، الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 19 أغسطس 2008.
3- Stephen Larrabee and Alireza Nader, Turkish-Iranian Relations in a Changing Middle East, National defense research institute, RAND Corporation, 2013.
https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RR200/RR258/RAND_RR258.pdf
4- Firas Elias, Iran’s High Strategic Value for Turkey, The Washington Institute, July 17, 2019.
https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/irans-high-strategic-value-for-turkey
5- Prof. Dr. Arshin Adib-Moghaddam, After the “Middle East”: Turkey and Iran in a New Region, JETRO-IDE ME-Review Vol.6, Mrach 2019.
https://www.ide.go.jp/library/Japanese/Publish/Periodicals/Me_review/pdf/201808_01.pdf
اضافةتعليق