بوادر فشل حكومة السيد عادل عبد المهدي بدأت تظهر في اداءها وإدارتها السياسية، من خلال العجز في اكمال التشكيلة الحكومية وفشلها على تحقيق تقدم ملموس على المستوى الخدمي
جاءت حكومة السيد رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي بعد مرحلتين فشل في عمر العملية السياسية العراقية بعد عام 2003، المرحلة الأولى تمثلت في الفشل السياسي وبناء الدولة قبل السادس من يونيو/ حزيران 2014 (أي مرحلة ما قبل داعش). أما المرحلة الثانية فقد جاءت بعد اجتياح تنظيم "داعش" للعراق والحرب التي قادتها الحكومة السابقة ضد التنظيم طيلة دورتها الانتخابية، وعلى الرغم من أن الانتصار العسكري الذي حققته قوات الأمن العراقية على تنظيم "داعش"، كان في عهد الحكومة السابقة برئاسة السيد العبادي، إلا أن حكومة السيد عادل عبد المهدي كان ينظر لها بنظرة مختلفة "أكثر تفاؤلية" بمختلف جوانبها عن الحكومات العراقية السابقة للسببين أعلاه، لاسيما مع الخسائر المادية والبشرية الكبيرة التي تلقتها الدولة العراقية جراء الحرب على التنظيم الإرهابي. لكن على الرغم من ذلك، فأن بوادر الفشل وعجر الحكومة بدأت تظهر للعيان مع مرور الوقت، لاسيما بعد مرور سنة كاملة على الانتخابات التشريعية العراقية التي افرزت الحكومة الحالية، ومرور ما يقارب سبعة أشهر على تشكيلها، إلا أن التشكيلة الحكومية لم تكتمل لحد الآن، بالرغم من الوعود التي قطعها السيد رئيس الوزراء على نفسه وعلى الشعب بتشكيل حكومته قبل انقضاء المهلة الدستورية، مستفيداً من الدعم السياسي له من قبل الفرقاء السياسيين.
انطلاقاً من ذلك، هناك من يتسائل عن فرضية فشل الحكومة الحالية برئاسة السيد عادل عبد المهدي في تحقيق برنامجها الحكومي وانتشال الدولة العراقية من قاع الفشل السياسي والاقتصادي، ومَن يتحمل هذا الفشل: هل يتحمله رئيس الحكومة أم تتحملها القوى السياسية التي انقلبت على الدستور العراقي والعملية الديمقراطية عندما تجاوزت أو غيّبت مفهوم الكتلة الأكبر واختيارها مرشح توافقي من خارج العملية الانتخابية أم تتحملها الأطراف (غير السياسية) التي اعطت الضوء الأخضر للقوى السياسية الشيعية للقبول بشخصية عادل عبد المهدي كمرشح توافقي بين القوى السياسية أم يتحمله الشعب العراقي، لكونه اساس العملية السياسية ومصدر شرعيتها كما يقال في العرف السياسي الديمقراطي؟.
بغض النظر عن المآخذ الكثيرة على البرنامج الحكومي، وتأكيداً لفرضية المسؤولية المشتركة، هناك من يرى بأن مسؤولية الفشل، مسؤولية مشتركة تتحملها كل الأطراف أعلاه، لكن هناك من يعتقد بأن المسؤولية فردية ولا يمكن أن يكون الفشل مشترك؛ لأن القوى السياسية والجهات الأخرى التي منحت الثقة للسيد رئيس الوزراء الحالي اعطته ثقتها ولم تكن مقيده له دستوريا أو قانونياً بعد ذلك، وعليه، فمن المؤكد بأنها لا تتحمل المسؤولية كتلك التي يتحملها السيد رئيس الوزراء، فالمسؤولية هنا، ليست مسؤولية تشاركية بقدر ما هي مسؤولية فردية يتحملها رئيس الحكومة. وهناك من يعتقد، بأن المسؤولية فيها جنبتين (جنبة فردية وجنبة تشاركية)، إلا أن المسؤولية المباشرة يتحملها السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. وهذا الاعتقاد يستند إلى الرؤية المعاصرة في عملية بناء الدولة من حيث تحمل تكاليف الفشل، لاسيما من الناحية القانونية والسياسية؛ لأن الفشل هنا فشل سياسي لمشروع وبرنامج رئيس الحكومة والفريق الذي أختاره، على غرار المشاريع التي تتبناها الحكومات في الدول المتقدمة خلال مدتها الدستورية أو دورتها الانتخابية، وبالتالي، فأن الفشل يتحمله بشكل مباشر رئيس الحكومة الذي وافق بإرادته على رئاسة الحكومة والفريق (التنفيذي والاستشاري) الذي يعمل معه.
حقيقة الأمر، أن بوادر فشل حكومة السيد عادل عبد المهدي بدأت تظهر في اداءها وإدارتها السياسية، من خلال العجز في اكمال التشكيلة الحكومية وفشلها على تحقيق تقدم ملموس على المستوى الخدمي، لاسيما على صعيد الخدمات الصحية والبلدية والتعليمية والاتصالات، وفشلها أيضاً في ملف مكافحة الفساد وكشف الفاسدين والمتلاعبين بالمال العام سواء كان على مستوى النخبة السياسية والقيادات الحزبية أو على مستوى القيادات السياسية التي تولت مناصب عليا في الحكومات السابقة بعد عام 2003، لاسيما مع حجم الفساد الكبير المستشري في جسد الدولة العراقية، وملفات الفساد الكبيرة التي يتحدث عنها الإعلام والرأي العام مثل ملف البطاقة التموينية وملفات التسليح والاستثمار وأمانة بغداد وغيرها من الملفات الأخرى. واذا كانت مسؤولية الفشل تحتمل أكثر من وجهة نظر، فأن نتيجة الفشل لا تحتمل أكثر من وجهة نظر واحدة؛ لأن المحّصلة النهائية لفشل حكومة السيد عادل عبد المهدي، قد تؤدي إلى فشل العملية السياسية برمتها، لاسيما وأن انتخابات 12 ايار كانت فيها نسبة المشاركة متدنية جداً، وأن استمرار الفشل الحكومي في توفير الخدمات، مع استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي وبقاء الوضع على ما هو عليه من الناحية الخدمية وغياب الوعي السياسي واستشراء الفساد وغياب الحياة الكريمة للمواطن العراقي، سيؤدي إلى عزوف الناخب العراقي الناقم على العملية السياسية والأداء السياسي للأحزاب والقوى السياسية العراقية، وهذا من شأنه أن يزيد من فرضية فشل العملية السياسية والنظام السياسي الحاليين، وليس فشل الحكومة فقط. وعليه، فأن ضريبة فشل حكومة رئيس الوزراء الحالي سيدفع ثمنها الجميع، وستكون التكاليف باهظة جداً. فهل تعي القوى السياسية ذلك وتتدارك الأمر قبل فوات الأوان أم سنكون امام سيناريوهات لم نشاهدها طيلة الـ 16 سنة الماضية؟
اضافةتعليق