يتضح أن العقوبات الأوروبية على روسيا لن تجدي نفعا، في ظل عائدات موسكو من صادرات النفط والتي تخطت (20) مليار دولار الشهر الماضي، بدعم من صادرات النفط رخيص الثمن الذي يباع بتخفيض يصل إلى (30%)، واستغلال دول مثل الهند والصين لهذا الوضع
تعمل الولايات المتحدة واوربا بجد من اجل تشديد العقوبات على موسكو من خلال الضغط على الاقتصاد الروسي وايقاف الحرب مع اوكرانيا والحد من تداعياتها على الاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي وتهديد أمن الطاقة والغذاء على مستوى العالم. فقد قررت دول مجموعة السبع في بيانها الختامي اواخر الشهر الماضي اتخاذ إجراءات فورية لتأمين إمدادات الطاقة وتقليل الزيادات المفاجئة في الأسعار التي تحركها ظروف السوق غير العادية، من خلال تبني تدابير إضافية، اهمها تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، والتخلص التدريجي من الاعتماد على الطاقة الروسية. وتهدف سياسة تحديد سقف لعائدات النفط الروسي الى ضرب المصدر الاساس للاقتصاد الروسي. ويشمل الاتفاق مبدئيا وضع آلية غير المسبوقة ومعقدة تهدف الى منع روسيا من بيع نفطها وفقا للأسعار الجارية. مما يعني استمرار تدفقات صادرات النفط الروسية الى الاسواق ولكن بسعر أقل من السعر الحالي.
وتهدف مساعي دول مجموعة السبع الى إنشاء ما يشابه "منظمة أوبك معكوسة" بهدف قضم عائدات روسيا النفطية بشكل مباشر. اذ ترى هذه الدول ان انهاء الحرب الروسية الاوكرانية قريبا غير ممكن دون الضغط على مصدر التمويل الروسي للحرب، نظرا لاعتماد روسيا المفرط على صادرات النفط والغاز، والتي ولدت إيراداتها أكثر من (100) مليار دولار خلال الشهور الثلاث الاولى من الحرب. ومتوقع ان يؤدي تقليص ايرادات النفط الروسية الى انخفاض قيمة الروبل وتأجيج الضغوط التضخمية في روسيا. مما يلزم النظام الروسي على وقف الحرب في وقت قريب نظرا لانخفاض الموارد اللازمة لإدامة امد الحرب.
ورغم ان مساعي الاتحاد الاوربي لتحديد سقف للأسعار تنصب بالدرجة الاساس لإنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، الا ان الولايات المتحدة تركز بشكل اساس على كبح جماح التضخم الذي ضرب الاقتصاد الامريكي ولم تنجح معه جهود البنك الفيدرالي رغم رفع اسعار الفائدة لثلاث مرات خلال الشهور الماضية. وترى وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إن سياسة تحديد سقف أسعار على صادرات النفط الروسي أحد أقوى الأدوات لمواجهة التضخم. وانه سيُسهم في خفض التضخم وسط ارتفاع التضخم الاستهلاكي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى منذ 40 عامًا عند (9.1%) فضلا على ضعف الأمن الغذائي عالميا بسبب تداعيات الحرب الروسية.
هل تنجح سياسة سقف الاسعار؟
حلقت اسعار النفط الخام خلال الشهور الماضية نتيجة حظر واشنطن النفط الروسي، ومحاولات أوروبا خفض الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية. فقد ارتفعت أسعار النفط الخام الى أكثر من (120) دولارًا للبرميل في آذار (2022) بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وقد يدفع فرض المزيد من العقوبات أسعار النفط إلى أكثر من (175) دولارًا للبرميل. وتتضمن آلية تحديد سقف أسعار النفط الروسي تشكيل الولايات المتحدة ودول أخرى تكتلًا لشراء النفط الروسي بسعر منخفض يقلص ايرادات النفط الروسي ويؤمن الإمدادات في المستقبل، مع الحد من قدرة روسيا على تمويل حربها في أوكرانيا. مع ذلك، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط، كانت مسألة كيفية معاقبة قطاع المحروقات الروسي إحدى المسائل الشائكة بالنسبة لأوربا في ظل مضاعفات الصدمة المزدوجة التي ضربت الاقتصاد الاوربي (ارتفاع الاسعار وخفض الامدادات).
وبناء على معطيات الأسعار السابقة، يتضح أن العقوبات الأوروبية على روسيا لن تجدي نفعا، في ظل عائدات موسكو من صادرات النفط والتي تخطت (20) مليار دولار الشهر الماضي، بدعم من صادرات النفط رخيص الثمن الذي يباع بتخفيض يصل إلى (30%)، واستغلال دول مثل الهند والصين لهذا الوضع. ويرى خبراء أسواق الطاقة، أن قرار وضع حد سعري للنفط الروسي على أرض الواقع لن يكون له التأثير البالغ في حجم الصادرات الروسية، لأن العقوبات الأوروبية السابقة استهدفت حظر النفط الروسي بالفعل، في حين تمكنت موسكو من فتح أسواق جديدة مثل الهند والصين عبر تقديم تخفيضات وصلت إلى (30%) على البرميل. كما يلاحظ وجود انقسام أوروبي حول حظر الغاز والنفط الروسي أو وضع حد سعري له، خصوصا وأن موسكو قد قطعت الغاز عن العديد من الدول التي رفضت سداد المدفوعات بالروبل، مثل بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا، وتتعاظم المخاوف من أن تتسع دائرة العقوبات الروسية وتشمل دول أخرى تحرم من الغاز الروسي.
اضافةتعليق