الخلافات النفطية والمالية بين الاقليم والمركز

شارك الموضوع :

ان تشريع القانون الاتحادي للنفط والغاز سيسهم في حل الخلافات المالية والنفطية والجغرافية والادرية والسياسية، وهنا سيتحقق الاستقرار ويكون البلد جاذباً للاستثمار وخلاّقاً للفرص والدخول ويسير نحو الأمام بشكل أفضل

هناك خلافات بين المركز والاقليم على مستوى الصعيد الاقتصادي وبالخصوص مسألة الثروة النفطية والمالية العامة وذلك لارتباطهما معاً في ظل غياب القانون الاتحادي للنفط والغاز.

حيث يتم في العادة الاتفاق على أن الاقليم يُسلم ايرادات النفط إلى الحكومة الاتحادية مقابل قيام الأخيرة بإطلاق التخصصات المالية للإقليم وغالباً ما يتم الاخلال بهذا الاتفاق وتظهر الخلافات بينهما.

تجدد الخلافات رغم المفاوضات

تتجدد هذه الخلافات باستمرار في كل سنة تقريباً من أجل ضمان كل طرف لحقوقه، ورغم المفاوضات العديدة بين المركز والاقليم إلا إنها لم تتوصل لحل جذري لحد الآن.

فمن جانب الحكومة الاتحادية صرح وزير النفط الحالي احسان عبد الجبار بعد تكليفه من الحكومة الحالية بالتفاوض مع الاقليم ما نصه " أكثر من 75 يوماً من النقاش والمبادرات وكل محاولات بغداد والمرونة في التعاطي مع الإقليم والرغبة في تجسير الثقة لم تؤدِّ إلى نتيجة"

كما قال وزير المالية علي علاوي" لا آلية حتى الان لحل المشاكل المالية بين بغداد وأربيل، ولم نستلم أي عائدات مالية من ايرادات نفط اقليم كردستان"

وفي المقابل يشتكي الاقليم بين الحين والآخر من عدم التزام الحكومة الاتحادية بحصة الاقليم في الموازنة العامة من حيث التخصيصات والتوقيتات، فينعكس ذلك سلباً على الوضع الاقتصادي في الاقليم.

تبيان التفسيرات الدستورية سبب الخلافات

ترى الحكومة الاتحادية ان ادارة الثروة النفطية في البلاد بما فيها اقليم كردستان هو من صلاحياتها حصراً، فيما ترى حكومة اقليم كردستان ان من حقها بيع النفط المستخرج من المناطق الخاضعة لسيطرتها.

قد تعود هذه الخلافات لعدم وجود آلية واضحة تحدد حدود وحقوق وصلاحيات كل طرف من الطرفين، خصوصاً مع تبيان التفسيرات الدستورية حيث يستند كل طرف إلى الدستور العراقي في أحقيته لإدارة الثروة النفطية. 

حيث تستند الحكومة الاتحادية إلى المادة 110 والمادة 111 

- المادة 110 التي تقضي بان رسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية هي من صلاحيات الحكومة الاتحادية ولذا ترى الحكومة الاتحادية ان تصدير النفط الذي يشكل أكثر من 90% من صادرات العراق يدخل في إطار السياسة الاقتصادية والتجارية وبالتالي لا يحق للإقليم التصرف به.

- وكذلك المادة 111 التي تقرر ان النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي، وهنا يستلزم اطّلاع ومعرفة الشعب العراقي بمقدار عائدات النفط والغاز باعتباره المالك لها للوقوف على كيفية توزيعها إذ من غير الممكن ألا يعرف المالك وهو الشعب العراقي بعائدات ملكيته وكيفية توزيعها.

       لذا فإن توزيع عائدات النفط والغاز على جميع أبناء الشعب العراقي بصرف النظر عن مناطق الانتاج لكي لا يحرم ابناء المحافظات غير المنتجة للنفط والغاز، يُحتم إدارة الثروة النفطية من قبل الحكومة الاتحادية.

فالحكومة الاتحادية تصر على ادارة الثروة النفطية في عموم البلاد من صلاحيتها حصراً وفق المادتين أعلاه ولا يحق للأقاليم والمحافظات مشاركتها في تلك الادارة إلا في حال صدور قانون النفط والغاز الاتحادي.

حكومة اقليم كردستان والمادة 117 والمادة 112

- وفي المقابل تستند حكومة الاقليم إلى المادة 117 التي تقضي بان اقليم كردستان، وسلطاته القائمة اقليماً اتحادياً، ولذا تعد حكومة اربيل أن الاقليم له سيادة ويمارس كامل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، لذا يكون للإقليم الحق في تصدير النفط ومنتجاته، وبالفعل أصدر الاقليم قانون النفط والغاز عام 2007.

- كذلك تستند حكومة الاقليم للمادة 112 أولاً والتي تقضي بـ " قيام الحكومة الاتحادية إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات" 

وبما ان الاقليم لم يكُن يمتلك عند تاريخ نفاذ الدستور2006 وتأسيسه 2005 أية حقول من المسماة بـ "الحقول الحالية"، وإن الحقول المنتجة في الاقليم كانت بعد تأسيس الدستور بعدّة سنوات، من جانب،  ومن جانب آخر ان الدستور لم يذكر الحقول المستقبلية  لذا فإن الحقول المكتشفة بعد تأسيس الدستور وإنفاذه  هي من صلاحية الاقليم حصراً انسجاماً مع المادة 115 التي تنص على " والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما" وعلى أساس هاتين المادتين يصر الاقليم على ادارة النفط بعيداً عن الحكومة الاتحادية.

متى نشبت الخلافات بشكل واضح؟

نشبت الخلافات بين الاقليم والمركز بشكل واضح عام 2014 حينما قام الاقليم بتصدير النفط عبر الخط العراقي التركي بشكل مباشر ومستقل بمعزل عن الحكومة الاتحادية هذا ما دفع بالأخيرة إلى عدم إطلاق التخصيصات المالية كعقوبة على عدم الرجوع للحكومة الاتحادية.

كما ويدّعي الاقليم إنه لم يبدأ تصدير النفط مباشرةً إلا بعد ان امتنعت الحكومة الاتحادية عن دفع استحقاقات الاقليم المالية من الموازنة مما أوقع الاقليم في ضائقة مالية وظروف اقتصادية صعبة انعكست على الواقع المعاشي للمواطنين الأكراد.

حكم المحكمة الاتحادية

وبشأن هذه الخلافات حكمت المحكمة الاتحادية بالحكم لصالح الحكومة الاتحادية بناءً على دعوى مقدمة من وزارة النفط في عام 2012 على حكومة اقليم كردستان، أي بعد عقد من الزمن تقريباً، وهنا يُطرح تساؤل/ لماذا تأخر حكم المحكمة الاتحادية وتم إطلاقه في الوقت الحرج الذي يمُر به العراق؟ ان إصدار الحكم في هذا الوقت بالذات لا يخلو من أسباب سياسية بدوافع داخلية او خارجية.

 حيث أقرت المحكمة الاتحادية في 15/2/2022 القرارات الاتية:

1- الغاء قانون النفط والغاز الصادر من قبل الاقليم عام 2007، باعتباره قانون مخالفاً للدستور العراقي حسب المواد 110، 111، 112، 115، 121، 130.

2- إلزام حكومة الاقليم بتسليم كامل انتاج النفط من الحقول النفطية في اقليم كردستان والمناطق الاخرى إلى الحكومة الاتحادية وتمكينها من استخدام صلاحياتها في استكشاف النفط واستخراجه وتصديره.

3- الحق للحكومة الاتحادية بمتابعة بطلان التعاقدات الحكومة التي أبرمتها حكومة اقليم كردستان مع الأطراف الخارجية دول وشركات بخصوص استكشاف النفط واستخراجه 

وتصديره وبيعه.

4- إلزام حكومة اقليم كردستان بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادي بمراجعة كافة العقود النفطية المبرمة مع حكومة اقليم كردستان بخصوص تصدير النفط وبيعه لغرض تدقيقها وتحديد الحقوق المالية المترتبة بذمة حكومة اقليم كردستان من جراءها وأن يتم تحديد حصة الاقليم من الموازنة العامة وبالشكل الذي يضمن حقوق مواطني محافظات اقليم كردستان منها وعدم تأخيرها بعد أن يتم تنفيذ كافة فقرات هذا القرار من قبل حكومة اقليم كردستان واشعار الحكومة الاتحادية بذلك.

موقف الاقليم من قرار المحكمة الاتحادية

الاقليم لم يقبل بهذه القرارات ورفض الاقليم قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء قانون النفط والغاز لعام 2007 لان هذا القانون أتاح للإقليم التعاقد مع الشركات الاجنبية لاستخراج وبيع النفط للدول بشكل مباشر بمعزل عن الحكومة الاتحادية، وان إلغاءه يعني خسارة الإقليم صلاحية إدارة النفط بمنعزل عن الحكومة الاتحادية.

ان رفض اقليم كردستان قرار المحكمة الاتحادية وعدم الانسجام مع الحكومة الاتحادية في مسألة الثروة النفطية سيضعها في موقف لا تحسد عليه، خصوصاً مع وقوف الدول والمنظمات الدولية لجانب الحكومة الاتحادية.

تمسك بغداد بقرارات المحكمة الاتحادية

حيث قال وزير النفط، احسان عبد الجبار؛ ان الوزارة ماضية في تطبيق قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق بشأن ملف الطاقة.

كما صرح وزير المالية سوف أن وزارة المالية لن تمنح الاقليم التخصيصات المالية (12%) في الموازنة العامة ما لم يتم العمل بقرارات المحكمة الاتحادية وحصر صادرات الاقليم بيد الحكومة الاتحادية المتمثلة بشركة سومو، على اعتبار ان صادرات اقليم كردستان من النفط بعد قرار المحكمة الاتحادية أصبحت غير شرعية.

ومن جانب آخر، أن وقوف الدول والمنظمات الدولية لجانب الحكومة الاتحادية سيجعل صادرات الاقليم من النفط تسير بشكل متعثر، خصوصاً وان الوكالة الدولية للطاقة وعلى لسان رئيسها، فاتح بيرول؛ أكدت تعاملها مع بغداد حصراً بصفتها تمتلك السلطة والصلاحيات والقدرة على اتخاذ القرارات القانونية لملف الطاقة على الصعيد الداخلي والخارجي.

الاثار

ان عدم حسم الخلافات بين بغداد وأربيل فيما يتعلق بالنفط والمالية العامة خصوصاً مع التصريحات الحادّة من قبل مسؤولي الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان سيجعل المستقبل أكثر تشاؤماً تاركةً وراءها مجموعة من الاثار تتمثل في الاتي:

1- استمرار الاضطرابات السياسية.

2- يعطي صورة سلبية عن العراق دولياً.

3- ضعف دور العراق في منظمة اوبك.

4- ضعف دور العراق الاقليمي

5- تراجع الاستثمارات في المركز والاقليم

6- عدم العدالة في توزيع الثروة النفطية 

7- تراجع الاقتصاد وزيادة البطالة والفقر

تشريع القانون الاتحادي للنفط والغاز

ولأجل تلافي تلك الاثار ينبغي التوصل إلى نتيجة معينة ترضي الطرفين من خلال تغليب لغة الحوار والتفاهم لا التصلب والتعنت.

وقد يكون اللجوء إلى تشريع القانون الاتحادي للنفط والغاز هو الحل الأمثل لهذه الخلافات النفطية والمالية بين الاقليم والمركز.

جدير بالذكر، ان حل الخلافات النفطية والمالية بين المركز والاقليم ستكون بادرة لحل الخلافات بخصوص المناطق المتنازع التي تقع جنوب محافظات الاقليم والتي تشمل الاراضي في محافظات نينوى واربيل وكركوك وصلاح الدين وديالى.

ان تشريع القانون الاتحادي للنفط والغاز سيسهم في حل الخلافات المالية والنفطية والجغرافية والادرية والسياسية، وهنا سيتحقق الاستقرار ويكون البلد جاذباً للاستثمار وخلاّقاً للفرص والدخول ويسير نحو الأمام بشكل أفضل.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية