التطور والرفاه في الدول كبيرة الحجم السكاني: مؤشرات مختارة

شارك الموضوع :

كان شائعا لدى اكثرية المثقفين والكتاب في التنمية ان ثمة علاقة عكسية بين حجم السكان ونموه من جهة ونمو الأقتصاد ومتوسط الدخل للفرد من جهة أخرى. ومن الضروري التفريق بين الدخل الواطئ، الفقر، ونمو السكان من جهة والعلاقة بين حجم السكان والتنمية من جهة احرى

الدولة التي يزيد سكانها عن 49 مليون نسمة عام 2017  تصنف كبيرة الحجم في هذه المقالة، وليس دائما، لأن معايير التصنيف تختلف حسب غرض البحث. ووجدنا  29 دولة في العالم يشملها هذا التعريف من مجموع 193 دولة وكيانات اخرى تظهر عنها إحصاءآت في التقارير العالمية. ولأقرب وحدة مئوية يسكن 77 بالمائة من البشر في هذه الدول ؛ وتسهم بنسبة 78 بالمائة من الناتج العالمي عام 2017.  ويعيش في 20 من تلك الدول 70 بالمائة من سكان العالم، وسبع دول فقط مسؤولة عن حياة 52 بالمائة من سكان الأرض. 

 وإن اغلب دول هذه المجموعة نامية او ناهضة ويتعاظم دورها مع ارتفاع متوسطات الأنتاج والدخل والناتج الصناعي للفرد. ويساعد انتشار التكنولوجيا ومستحدثاتها، مع التنمية الأقتصادية، على إكتسابها قدرات تصنيعية إضافية تعزز فاعلية العامل السكاني في العالم.

وكان شائعا لدى اكثرية المثقفين والكتاب في التنمية ان ثمة علاقة عكسية بين حجم السكان ونموه من جهة ونمو الأقتصاد ومتوسط الدخل للفرد من جهة أخرى. ومن الضروري التفريق بين الدخل الواطئ، الفقر، ونمو السكان من جهة والعلاقة بين حجم السكان والتنمية من جهة احرى.

 ان العلاقة السببية بين الدخل ونمو السكان مختلفة عنها بين السكان والتنمية وتختلف ايضا عن الكيفية التي يؤثر فيها نمو السكان في النمو الاقتصادي او نمو متوسط الرفاه للفرد. هناك فرق كبير بين المتغير ونموه اضافة على اتجاه السببية.   

وللتأكد من هذه العلاقات أجرينا تحليلا للبيانات التي توافرت عن دول العالم  في موقع البنك الدولي ( WDI). وبين سنتي 1980 و 2017  وجدنا:  علاقة ايجابية ، طردية، بين حجم السكان عام 1980 ونمو الناتج المحلي الأجمالي، وكان الأرتباط  ايجابيا بين حجم السكان ونمو متوسط الناتج للفرد.  وايضا بين نمو السكان ونمو الناتج المحلي الأجمالي، اما بين نمو السكان ونمو متوسط الناتج للفرد فلم يتأكد وجود ارتباط سلبي من تلك البيانات . إذن حجم السكان ايجابي في النمو الأقتصادي ونمو متوسط الرفاه للفرد، اما معدل نمو السكان، وهو موضع الأشكالية في البحث ، فقد ظهرت علاقته طردية، ايضا، مع نمو الناتج ، ولم يتضح له دور محدد في حركة متوسط الدخل للفرد. 

  ثم اعيد التحليل بين عامي 1963  و2017 ولم تختلف النتائج ، جوهريا، فقد ظهرت العلاقة ايجابية بين حجم السكان ونمو كل من الناتج ومتوسط الناتج للفرد. اما الأرتباط بين نمو السكان ونمو الناتج  فقد ظهر ايجابيا دون اعتمادية احصائية، وبين نمو السكان ونمو متوسط الناتج للفرد يستنتج وجود ارتباط سالب وايضا دون اعتمادية احصائية. وهذا لا ينفي احتمال الأثر السلبي لنمو السكان المرتفع على تحسين متوسط الرفاه. وتستحق هذه المسألة وتتطلب تكرار التحليل مع تنويع العينات ، وحتى لو تبين نوع من الأثر السلبي  لنمو السكان على نمو متوسط ناتج الفرد فهو يتناسب  مع معدل نمو السكان ذاته. ولا بد للباحث استحضار تجربة الدول المتقدمة التي ترافقت نهضتها مع ثورة ديموغرافية، بمقاييس زمنها، وفي الولايات المتحدة ثمة تلازم بين تطور امكاناتها الاقتصادية ونمو حجمها السكاني.

يتفاوت معدل نمو السكان المتوقع في هذه المجموعة، كبيرة الحجم،  حتى عام 2030 فهو أكثر من 1 بالمائة سنويا في تسع دول اعلاها الكونغو الديمقراطية 3.07  و تنزانيا 2.96  ثم نايجيريا وكينيا واثيوبيا وباكستان وبعدها مصر بمعدل  1.58 بالمائة سنويا. والهند والصين  0.94  و 0.17 بالمائة على التوالي ، وايران وتركيا 0.7 بالمائة. والولايات المتحدة 0.69 بالمائة وبقية الدول المتقدمة 0.5  فما دون، وثلاث دول نموها السكاني سالب هي ايطاليا وروسيا واليابان. ونمو السكان في مجموع هذه الدول ادنى من نمو مجموع سكان العالم بقليل ولذا يكون ثقلها السكاني 75.4  بالمائة من سكان العالم عام 2030 . ويلاحظ  الأستعداد العالي لدى الدول الفقيرة  لنمو السكان حيث الأرتباط عكسي ومقدارة 0.67 بين نمو السكان ومتوسط الناتج القومي للفرد .

يساعد الملف الأحصائي المحدّث عام 2018  للتنمية البشرية في دراسة خصائص الدول كبيرة الحجم بالتعريف آنفا.  وفي البداية نستعرض تسلسل الدول صعودا حسب  متوسط الناتج القومي للفرد بدولارات 2011 متعادلة القوة الشرائية PPP ، الف دولار لأقرب مرتبة عشرية، ورتبتها في التنمية البشرية قبل اسمها : 

- 176 الكونغو الديمقراطية 0.8 ؛ 179 اثيوبيا 1.7 ؛154 تنزانيا 2.7 ؛ ....................

- 142 كينيا 3.0 ؛136 بنغلاديش 3.7 ؛157 نايجيريا 5.2 ؛ 150 باكستان 5.3 ؛..........

- 148 ماينامار 5.6 ؛ 116 فيتنام 5.9 ؛ 130 الهند 6.4 ؛ 113 الفلبين 9.2 ؛ 

- 115 مصر 10.4 ؛ 116 اندونيسيا 10.8 ؛ 113 جنوب افريقيا 11.9 ؛ ...................

- 90 كولومبيا 12.9 ؛ 79 البرازيل 13.8؛ 86 الصين 15.3 ؛ 83 تايلند 15.5؛.............

- 74 المكسيك 16.9 ؛ 60 ايران 19.1 ؛ 49 روسيا 24.2 ؛ 64 تركيا 24.8 ؛..............

- 28 ايطاليا 35.3 ؛ 22 كوريا الجنوبية 36.9 ؛ 19 اليابان 39 ؛ ...........................

- 14 بريطانيا 39.1 ؛ 24 فرنسا 39.3؛ 5 المانيا 46.1 

- 13 الولايات المتحدة 54.9  

 التفاوت واسع في متوسط العمر المتوقع  بين 53.9 سنة في نايجيريا، الدولة الافريقية النفطية، و 83.9  سنة في اليابان. وفي متوسط الناتج القومي للفرد اوسع  بين الكونغو الديمقراطية  796 دولار  والولايات المتحدة الامريكية 54941 دولار. والأرتباط بين متغيري العمر المتوقع ومتوسط الناتج للفرد موجب ومرتفع  0.78  لكنه ادنى مما اعتادت عليه ألانطباعات من وجود صلة قوية بين نوعية الحياة ومستوى التطور الأقتصادي. 

وندقق في العلاقة بين متوسط العمر المتوقع وعدد الأطباء لكل 1000 من السكان ومعدل وفيات الاطفال دون الخامسة، وكان الأرتباط واضحا بين الأطباء والعمر المتوقع وهو 0.72 واعتماديته عالية، وعكسيا بين وفيات الأطفال دون الخامسة  والعمر المتوقع ومقدار الارتباط 0.91  وتنسجم هذه النتائج  مع الأنطباع العام. 

في الدول التي يرتفع فيها متوسط العمر وينخفض معدل نمو السكان تزداد نسبة  الأعالة لكبار السن 65 سنة فأكثر الى السكان في سن العمل وهي كذلك من البيانات. واعلى نسبة اعالة لكبار السن في اليابان 45 بالمائة بينما نسبة اعالة الاطفال دون سن 15 سنة 21.5 بالمائة. وافصحت البيانات عن ترابط وثيق بين التحضر والتطور الاقتصادي والتوسع في الخدمات، أي انشطة القطاع الثالث.. وتفاوتت نسبة العاملين في الخدمات من مجموع المشتغلين بين 7 بالمائة في افقر بلد، الكونغو الديمقراطية، و80.5 بالمائة في بريطانيا وفي الولايات المتحدة 79.5 بالمائة بينما في مصر 49.6 بالمائة . 

 وتبدو الصلة قوية بين متوسط الناتج القومي للفرد ومتوسط سنوات التعليم حيث الأرتباط  0.89 ؛  اما بين نسبة السكان الذين حصلوا على بعض التعليم الثانوي او تخرجوا منه، بعمر 25 سنة فأكثر، ومتوسط الناتج للفرد فالأرتباط 0.79 . وبين نسبة الملمين بالقراءة والكتابة ومتوسط الناتج للفرد 0.66 . 

ولم تتأكد علاقة لتوزيع الدخل  بمستوى التعليم ومستوى التطور الأقتصادي، مع ان الدول التي اظهرت بياناتها تفاوتا شديدا كانت ضمن المجموعة النامية ، ونعتمد هنا نسبة متوسط دخل الفرد لأعلى 20 بالمائة دخلا من السكان الى متوسط دخل الفرد لأدنى 20 بالمائة دخلا. واقل الدول تفاوتا في توزيع الدخل بهذا المقياس باكستان 4.4  ثم مصر 4.6 تليها بنغلاديش والمانيا وفرنسا والهند، و ...  الولايات المتحدة 9.4 وهي الأعلى تفاوتا في الدول المتقدمة، واعلى منها كينيا ثم كولومبيا والبرازيل 15.6 وجنوب افريقيا 28.4 وقد لاتكون بيانات جنوب افريقيا دقيقة .

  وبينت تجربة هذه الدول ان لا علاقة بين الناتج القومي للفرد، مرحلة التطور، والجهد التنموي الذي يعبر عنه النشاط الأستثماري بدلالة نسبة تكوين راس المال الثابت الى الناتج المحلي الاجمالي للسنوات 2012 - 2017. و كانت  تلك النسبة ادناها في باكستان  14.5 بالمائة واعلاها في الصين 42 بالمائة، وفي الولايات المتحدة الامريكية 19.5 بالمائة.  

 وبينما ترتفع نسبة الأئتمان الى الناتج مع التطور الأقتصادي، لكن الأئتمان لا يفسر تفاوت الدول بالجهد التنموي حسب التعريف آنفا. وتراوحت نسبة الائتمان الى الناتج  في الدول المتقدمة من 127 بالمائة في المانيا الى 345 بالمائة في اليابان، وفي الولايات المتحدة  242 بالمائة . اما في الدول دون المتطورة فقد تدرجت من 12 بالمائة في الكونغو الديمقراطية الى  142 بالمائة في فيتنام لكنها عموما لا تتجاوز 100 بالمائة في البلدان النامية كبيرة الحجم باستثناء فيتنام. 

 البنية العمرية للسكان تتحدد بنموه والأرتباط 0.91 بالمائة ، في اليابان وسيط العمر، الذي يكون نصف السكان دونه، 46.3 سنة وفي المانيا وايطاليا  45.9 ؛ بينما في الكونغو الديمقراطية 16.8  وبتعبير آخر إن كان سن الرشد 18 فاغلبية السكان دونه. وفي نيجيريا 17.9  وفي مصر 24.7 سنة . وفي ايران وتركيا 29.5 و 29.9 سنة على التوالي . وللهجرة دور في تعديل الهرم السكلني. 

في 13 دولة من هذه المجموعة يعيش اكثر من نصف السكان في الريف، فبلغت نسبة التحضر 20.3 بالمائة في اثيوبيا و هي أكثر دول العالم احتفاظا بالطابع الريفي الزراعي للحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتساسل الهند في الرتبة الخامسة 33.6 بالمائة ، ومصر في التاسعة 42.7  بالمائة . واعلى الدول المتقدمة في نسبة التحضر اليابان 91.5 بالمائة. وتتزايد نسبة العاملين في غير القطاع الزراعي من اهل الريف مع التطور. إذ يعمل 86 بالمائة من اهل الريف الأثيوبي في الزراعة وفي الهند 64 بالمائة، بينما في مصر 43 بالمائة وفي  فرنسا وايطاليا 15 بالمائة و 13 بالمائة، وفي بقية الدول المتقدمة  اقل من 10 بالمائة. ويفسر هذا النمط بتوسع تدريجي للأنشطة غير الزراعية في النطاق الريفي وايجابيات انظمة النقل المعاصر التي تساعد على مقاومة استمرار الهجرة. 

 تكون انماط العلاقات فيما بين المتغيرات الاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية  في الدول كبيرة الحجم السكاني  اوضح بكثير مما هي في الدول الصغيرة ، بينما تغلب الأستثناءآت على النمط العام   في الدول قليلة السكان ومحدودة المساحة. إذ قد يجتمع سكان الأخيرة  في مدينة واحدة مع الاتجاه نحو التخصص في النشاط الاقتصادي والانفتاح  الواسع على الخارج.  توجد  في الدول كبيرة الحجم السكاني، ومهما بلغ متوسط الدخل للفرد من الأنخفاض، فرص للتنويع وتحمل تكاليف واستيعاب مشروعات في البنى التحتية والصناعية تحاكي  ما لدى الدول المتقدمة .  

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية