ما هي أبرز مؤشرات التنويع الاقتصادي؟

   يعد التنويع الاقتصادي من المواضيع المهمة في الوقت الحاضر خصوصاً للدول ذات الاقتصادات الاحادية، كونه يسهم في تقوية اقتصاداها وزيادة نموها وتنقيتها من التبعية الاقتصادية وزيادة قدرتها على مواجهة الأزمات فضلاً عن خلق فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الاجيال، هذه المميزات ستنعكس بلا شك على واقع تلك الاقتصادات سياسياً واجتماعياً وثقافياً (ثقافة الفرد من الاتكالية إلى الإنتاجية) وربما عسكرياً، وهذا ما يزيد من ثقل الدولة على المستوى الدولي.

          وكنتيجة لأهمية التنويع الاقتصادي التي تنعكس على واقع البلدان عند تطبيقه بشكل عام، لابد من معرفة المؤشرات التي تشير وتوضح مدى تنوع الاقتصاد من عدمه، فإذا تبين من خلال هذه المؤشرات عند تطبيقها على أي اقتصاد وأتضح أنه اقتصاد احادي فلا بد من العمل على اتخاذ الخطوات اللازمة والكفيلة بتحقيق التنويع الاقتصادي؛ وذلك لاكتساب الآثار التي يتركها على واقع الاقتصاد المذكورة آنفاً. وأما إذا تبين أنه اقتصاد متنوع لابد من الحفاظ على استمرارية تنوعه والعمل على ترسيخ جذوره بشكل أعمق حتى تنعكس آثاره على الاقتصاد ويكون أكثر قوة ومتانة، مع اعادت تطبيق هذه المؤشرات بين مدة وأخرى لمعرفة هل الاقتصاد مازال متنوعاً أم تراجع إلى الأحادية أم أصبح أكثر تنوعاً وابتعاداً عن الأحادية؟

         هناك العديد من المؤشرات التي توضح عند تطبيقها على أي اقتصاد مدى تحقق التنويع الاقتصادي من عدمه ولكن من باب عدم الاسهاب واختصاراً للوقت ومراعاةً للقارئ الكريم سنقتصر على أبرز المؤشرات وأهمها. وتجدر الإشارة قبل تناول المؤشرات، إلى التداخل الكبير ما بين هذه المؤشرات؛ أي أن المؤشر الأول متشابك مع المؤشر الثاني وكذلك مع المؤشر الثالث وهكذا بين جميع المؤشرات، وهذا التشابك لا يقلل من اهمية تناول المؤشرات بشكل منفرد وذلك من اجل توضيح مؤشرات التنويع بشكل بارز وكما يلي:

1- مؤشر الملكية ... للدولة أم للقطاع الخاص؟

اي من يملك ملكية وسائل الانتاج وممارسة النشاط الاقتصادي وإدارة الاقتصاد بشكل عام؟ هل هي الدولة عبر قطاعها العام أم القطاع الخاص عبر الشركات والأفراد، بصرف النظر عن جنسيته؛ وطني أم أجنبي، ونوعيته؛ مباشر أم غير مباشر(محفظي)؟     

 ونظراً للمميزات التي يتمتع بها القطاع الخاص؛ المتمثلة بالكفاءة وتقليص الهدر وتخصيص الموارد والقدرة على التنقل في الاسواق العالمية بحثاً ورفضه للبيروقراطية وغيرها، التي تجعله يتفوق على الدولة في أداءها فكلما يكون دور القطاع الخاص أكبر من الدولة في الاقتصاد ملكيةً وممارسةً وإدارةً كلما يكون الاقتصاد اكثر تنوعاً والعكس صحيح اي كلما يكون دور الدولة أكبر في الاقتصاد على حساب القطاع الخاص يكون الاقتصاد أقل تنوعاً.

  وتجدر الإشارة إلى إن عدم تدخل الدولة في الاقتصاد لا يعني غيابها كما يظن البعض بل لابد ان تؤدي دوراً هاماً في مجال مختلف ألا وهو المجال التنظيمي الذي يضع قواعد اللعبة (قواعد لعبة اقتصاد السوق) ويضمن تنفيذها للتغلب على ما يسمى بفشل أو إخفاقات السوق؛ فالتحكيم الخاص بحماية المنتجين والمستهلكين وضمان استمرارية المنافسة بعيداً عن الاحتكار ووضع نظام واضح قابل للتنفيذ لصيانة حقوق الملكية، هذه قواعد تضمن بقاء المنشآت الصغيرة في الاقتصاد. فالدولة بصفة عامة تضع القواعد التي تمنع كبار المنتجين من الهيمنة على الاقتصاد لكن في بعض الحالات قد لا تكون هذه القواعد كافية، وقد تكون الدولة بحاجة إلى التدخل بتبني سياسات معينة لتطوير صغار المنتجين وضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الفاعلين في الاقتصاد، كأن تساعد الدولة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الحصول على التمويل أو تشتري منتجاتها او غيرها من السياسات. وسواء وضعت الدولة قواعد اللعبة او تبني السياسات يبقى الشرط الاساسي ألا تتدخل في العملية الانتاجية .

2- مؤشر تشابك القطاعات الاقتصادية ... استقلالية أم تغذية؟

        يوضح هذا المؤشر مدى تنوع الاقتصاد من عدمه من خلال مدى تناسبية القطاعات الاقتصادية المساهمة في الاقتصاد، وهذا لا يعني أن تكون القطاعات متساوية من حيث مساهمتها، بقدر ما تعني أن تكون جميع القطاعات فعّالة وفقاً لأهميتها ووزنها في الاقتصاد، وأن تسهم القطاعات القائدة منها في تفعيل القطاعات الاخرى وتنشيطها عبر التشابكات الأمامية والخلفية دون أن تكون قطاعات قائدة مستقلة تعمل بشكل انفرادي دون تغذية للقطاعات الاخرى داخل الاقتصاد الوطني.

         إن غياب عامل التغذية ما بين القطاعات الاقتصادية بشكل عام وحضور عامل استقلالية القطاعات القائدة عن القطاعات الأخرى بشكل خاص سيفضي الأمر إلى استمرار ضعف القطاعات الأخرى وربما توقفها، مع ازدهار القطاعات القائدة المستقلة واستمرارها على حساب تراجع القطاعات الاخرى، وهذا ما يعني استمرار احادية الاقتصاد بعيداً عن تنويعه. ومن أجل تنويع الاقتصاد الاحادي لابد من إجراء عملية له تستأصل مرض القطيعة وغياب التغذية بين قطاعاته بشكل عام ومرض استقلالية القطاعات القائدة عن القطاعات الاخرى بشكل خاص، من جسمه.

            وعليه فكلما كانت القطاعات الاقتصادية متشابكة فيما بينها بشكل عام ومغذية بعضها للبعض الآخر وغير مستقلة بل مترابطة خصوصاً ما بين القطاعات القائدة والقطاعات الاخرى كلما يدلل ذلك على انعتاق الاقتصاد من احاديته وأصبح متنوعاً والعكس صحيح كما تبين آنفاً، أي كلما كانت القطاعات غير متشابكة وغير مغذية بعضها البعض واستقلالية القطاعات القائدة كلما يدلل ذلك على عدم تنوع الاقتصاد ويصبح احادي الجانب.

1- مؤشر المتغيرات الاقتصادية (الناتج المحلي الاجمالي، الايرادات العامة، الصادرات، الاستيرادات)

هناك العديد من المتغيرات الاقتصادية التي يمكن الاعتماد عليها في تشخيص مدى تنوع الاقتصاد من عدمه، ونشير إلى أبرزها وكما يلي:

أ‌- الناتج المحلي الاجمالي، يعد من أبرز المتغيرات التي توضح مدى تنوع الاقتصاد من عدمه، كونه يتكون القطاعات الاقتصادية جميعها الانتاجية والتوزيعية والخدمية، فعندما تتم ملاحظة إن نسبة قطاع معين ترتفع بشكل كبير جداً على حساب بقية النسب فهذا يعني إن الاقتصاد أحادي الجانب والعكس صحيح عندما نلاحظ عدم وجود تباين صارخ بل وجود نسب متقاربه بين مكونات الناتج المحلي الاجمالي فهذا يدل على تنوع الاقتصاد وابتعاده عن الاحادية.

ب‌- الايرادات العامة، أي كلما تكون إيرادات الدولة متنوعة وبنسب متقاربة وبعيدة عن الاقتراض والاعانات والاصدار النقدي الجديد كلما يدلل ذلك على تنوع الاقتصاد والعكس صحيح كلما تعتمد الدولة على مورد واحد وخصوصاً إذا كان ريعياً مع زيادة الاقتراض والاعانات كلما يدلل ذلك على احادية الاقتصاد.

ت‌- الصادرات، من الممكن معرفة تنوع الاقتصاد من احاديته من خلال الصادرات بنية وحجماً فكلما يكون عدد السلع المصدرة وحجمها اكبر كلما يدلل على تنوع الاقتصاد وبعيد عن الاحادية بقدر حجم الصادرات والعكس ليس شرطاً صحيح إذ ربما يكون الاقتصاد في بعض الأحيان اقتصاد متنوع لكنه يسد الحاجة المحلية فقط دون التصدير أو لا يستطيع منافسة السلع الدولية في اقتصاداتها بفعل قيام هذه الاخيرة بحماية منتوجاتها من المنافسة من خلال الضرائب الكمركية.

ث‌- الاستيرادات، أي إن حجم أحادية الاقتصاد تعرف بمدى عدد السلع المستوردة وحجمها أي كلما كان حجم وأنواع السلع المستوردة أكبر كلما يدل ذلك على عمق أحادية الاقتصاد بشكل أكبر، والعكس صحيح كلما يكون حجم وعدد السلع المستوردة أقل تكون أحادية الاقتصاد أقل وطأةً والتنويع الاقتصادي أفضل.

        أما المؤشرات الأخرى وهي كثيرة جداً لا يمكن تناولها دون المرور بالمؤشرات أعلاه ولذلك لم نذكرها حفاظاً على وضوح المؤشرات اعلاه واستقلاليتها، فعلى سبيل المثال أن الأيدي العاملة يمكن ان تشير إلى أي مدى يتمتع الاقتصاد بالتنويع الاقتصادي من عدمه لكن لا يمكن تناوله بشكل مستقل ومجرد دون المرور بالمؤشر الأول أو الثاني؛ أي لابد من توضيح توزيع الأيدي العاملة على القطاعين العام والخاص وكذلك على القطاعات الاقتصادية. وكذا الحال بالنسبة لمؤشر الاستثمارات ورأس المال الثابت وغيرها، ولذا تم الاقتصار على أبرز المؤشرات القابلة للاستقلالية والتجريد من المرور بالمؤشرات الاخرى، حتى يمكن الاستفادة منها بشكل مباشر في حال معرفة تنوع أي اقتصاد.

المصادر:

  - احمد فاروق غنيم، اقتصاد السوق والديمقراطية، مركز المشروعات الدولية الخاصة، ص7-11

التعليقات