هل العراق بحاجة الى تصفية القطاع العام؟

شارك الموضوع :

يولد عزوف الاستثمار الاجنبي عن الانخراط بعمليات تصفية القطاع العام الى استحواذ مافيات السياسة والمال في العراق على تلك المشاريع بأسعار بخسة

مؤخرا، وبسبب انحسار ايرادات النفط، وتفاقم حجم الديون الحكومية (الداخلية والخارجية)، تنامت مطالبات بعض الاطراف الحكومية والمنظمات غير الحكومية، بضرورة تصفية القطاع العام. ويسوق هذا التيار جملة من الدوافع، قد نتفق جزئيا مع بعضها، منها ما تكلفه مؤسسات الدولة من اعباء مالية على الموازنة وعدم قدرة معظم تلك المؤسسات على تغطية رواتب العاملين فيها، على اقل تقدير، واضطرار المصارف الحكومية الى منحها سلف وقروض لتمويل نفقات تشغيلية. ايضا تقادم البنية التحتية والمكائن والتكنلوجيا المستخدمة في هذه المؤسسات، بالإضافة الى دوافع اخرى كضعف جودة السلع المنتجة وارتفاع تكاليف انتاجها وبالتالي انعدام فرص المنافسة على المستوى المحلي والدولي. واخيرا يركز البعض على ما قد يوفره تصفية تلك المؤسسات من تمويل للموازنة وتغطية للديون العامة.

تمحيص دوافع الخصخصة

في الحقيقة، معظم الدوافع الواردة اعلاه لخصخصة القطاع العام بحاجة الى تمحيص وتدقيق لإبراز الجدوى الاقتصادية والمالية الحقيقية لبيع مؤسسات القطاع العام، وفرص تحقق الاهداف المحركة لهذه الاستراتيجية.

1- غالبا ما يكون التيار الداعي الى الاسراع بعملية خصخصة القطاع العام، مدفوعا ايدلوجيا على حساب الموضوعية والجدوى الاقتصادية. على اعتبار ان مؤسسات القطاع العام المعيق الاول والاخير لجهود التنمية والاستقرار الاقتصادي، بحسب ادعائهم. في حين توجد العديد من المؤسسات العامة في دول الجوار تعمل جنبا الى جنب مع مؤسسات القطاع الخاص وفي اطار تكاملي، كونها تنمو في مناخ اعمال تنافسي وسليم، ولا تعاني من اغراق اسواقها السلعية ولا ارتفاع اسعار الصرف الحقيقية لعملاتها الوطنية، فضلا على ما توفره الحكومة من دعم مادي وتشريعي. وفي هذا السياق، جاءت العديد من المساعدات الدولية للعراق في مؤتمر الكويت الماضي على شكل مبالغ لتشجيع الصادرات الوطنية لدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية.  

2- تؤدي تصفية مؤسسات القطاع العام الى تسريح جيش من العاملين في هذه المؤسسات، يضاف الى حجم البطالة المتفاقم اصلا بسبب ضعف اليات الاقتصاد الوطني في امتصاص الأيدي العاملة المتزايدة. ولا يخفى ما لذلك من اثار اقتصادية واجتماعية خطيرة غير قابلة للاستيعاب في الوقت الحاضر.

3- غالبا ما تنجح سياسات تصفية القطاع العام مع تغلغل الاستثمار الاجنبي المباشر الى البلد، لما يملكه من رؤوس اموال بالعملة الاجنبية وتكنولوجيا حديثة قادرة على تحويل الخسائر الى ارباح. في حين يعيق مناخ الاعمال في العراق فرص جذب هذا النوع من الاستثمار، نظرا لانعدام الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي في الوقت الراهن.

4- ارتباطا بالنقطة السابقة، قد يولد عزوف الاستثمار الاجنبي عن الانخراط بعمليات تصفية القطاع العام الى استحواذ مافيات السياسة والمال في العراق على تلك المشاريع بأسعار بخسة، فضلا على استخدام تصفية القطاع العام كأداة لغسيل المال السياسي.

5- كلف انشاء واقامة وتطوير المؤسسات العامة موازنة الدولة اموالا طائلة واستمرت لسنوات طويلة، ويعني ذلك ضرورة تثمين تلك المؤسسات باقيامها الحقيقية، في حين تنعدم فرص تحقيق ذلك كليا في الوقت الراهن لبلوغ مستويات الفساد المالي والاداري والسياسي حدوده القصوى، وضعف القانون والمؤسسات الرقابية الضامنة لكفاءة وشفافية وعدالة عقود التصفية.

6- تمارس الحكومة ضغوطا أكثر اهمية على نمو وانطلاق القطاع الخاص من نحو ضعف الجانب التشريعي الداعم لهذا القطاع، والسياسات التجارية العشوائية وما تخلفه من اغراق لمنتجات دول الجوار، واخفاق الحكومة خلال السنوات الماضية، رغم غزارة الايرادات النفطية، من توفير ابسط جوانب البنية التحتية اللازمة لنهضة القطاع الخاص كالطاقة وطرق النقل وغيرها، فضلا على البيروقراطية والروتين الاداري المعقد وتفشي مظاهر الفساد بشكل خطير، وبالتالي فان ازالة تلك العقبات حاليا اولى لتحفيز القطاع الخاص.

7- لا ننسى ايضا حاجة عمليات خصخصة القطاع العام الى جسور تمويل إذا ما رغبت الحكومة في الاحتفاظ بملكية تلك المشروعات في اطار الاقتصاد الوطني من خلال بيع اسهم تلك الشركات للجمهور او مشاركة المصارف ومؤسسات الاعمال في الاستثمار بتلك المشروعات. في حين تفصح تجربة السنوات الماضية عن تخلي الجهات المذكورة عن ادوارها التنموية لصالح تنامي ظاهرة الاكتناز والمتاجرة في العملة وبعض الانشطة الهامشية الاخرى.

الشراكة بدلاً من التصفية

ما ورد اعلاه من تحفظات لا يعني اطلاقا الدفاع عن جدوى مؤسسات القطاع العام بقدر ما يعني ان تكون الحلول البديلة ناجعة ومناسبة من حيث التوقيت والجدوى الاقتصادية. وقد يكون تبني موضوع الشراكة مع القطاع الخاص، والمطروح من لدن الحكومة الاتحادية في الوقت الراهن حلا مناسبا لتعثر مؤسسات القطاع العام. وغالباً ما تهدف الحكومات الى تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص لخفض عبء بعض المشاريع العامة الخاسرة وتوفير مصادر ايرادات اضافية للحكومة وتأمين فرص عمل جديدة خارج مؤسسات الدولة فضلاً على حصر مهام الحكومة بمشاريع البنية التحتية وتأمين الاطر القانونية والتشريعية الملائمة لنمو وانطلاق القطاعات الاقتصادية المختلفة.

ويعد البدء بالقطاع الصناعي الحكومي خطوة طويلة باتجاه مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما يجدر بالحكومة العراقية توفير الاطر والاجراءات اللازمة للبدء بإدخال القطاع الخاص كشريك في ادارة واستغلال هذه المشاريع وفق صيغ شراكة مناسبة من خلال الاستعانة بخبراء ومختصين. على ان تحاط هذه العملية بأقصى درجات الشفافية والمتابعة والرقابة توخياً لمنع تسلل مافيات الفساد الحكومي لهذه العقود واجهاض فرص النجاح والاستمرار. كما يمكن للجهات المعنية الاستعانة بالتجارب الدولية المقاربة ومئات البحوث والدراسات العراقية التي تناولت موضوعة الشراكة، وتحديد طبيعة الصيغ الملائمة واهم المؤسسات والشركات الحكومية التي يمكن البدء بها.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية